ثافسوث".. احتفال جزائري بالربيع
تشهد مدن جزائرية عدة منذ أيام، بدء الاحتفالات الخاصة بـ "عيد الربيع" أحد أهم الأعياد التقليدية المحلية في البلاد، وتعتبر هذه المناسبة عيدا كبيرا للفرح والابتهاج، بمقدم ما يُعرف بموعد يصطلح عليه في منطقة الهضاب العليا بـ "مغرس"، وباللفظ الأمازيغي "ثافسوث" في أجواء من المرح والانشراح، ويعدّ إحياء عيد الربيع من بين التظاهرات القديمة الخاصة بالمجتمع الجزائري الذي تحرص العائلات الجزائرية على إحيائه في تقاليد تتشابه في الفرحة وتختلف في بعض التفاصيل.
يتشابه الاحتفال بـ "شاو الربيع" في ولايتي سطيف وبرج بوعريريج، حيث تحرص العائلات في هاتين الولايتين على الخروج للاحتفال بهذا الفصل في الجبال والغابات، وتتفنن ربّات البيوت في صنع الحلوى المشهورة بتلك المناسبة المسماة بـ "البراج" بمساعدة الجدات والمصنوعة من الغرس والسميد، حيث يتم تحضيرها في ليلة الاحتفال كما تنتشر رائحتها المنبعثة من المنازل، في حين تحرص النساء على تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة.
وهناك من يشتري السمك أو اللحم ويقوم بشوائه في الغابة، إضافة إلى حمل قفة تسمى بـ "الطلاعة" مصنوعة من "الدوم" تحتوي على "المبرجة" والبرتقال والحلويات المتنوعة، كما تقوم الأمهات بتحضير البيض المغلى، ويقوم الأب بتوزيعه على أولاده، كما يتم تخصيص نصيب من الأكلات للبنت المتزوجة والأبناء الذين يؤدون واجب الخدمة الوطنية.
كما يعتبر الربيع من الفصول التي ترسم جوا من البهجة والفرحة على وجوه الأطفال الذين يستمتعون باللعب في المساحات الخضراء والتي تقطف منها الفتيات زهور النرجس لتزين بها رؤوسهن أو يستمتعن بصناعة عقود من الأزهار، في حين يستمتع آخرون بجمع "القريصة" وأكلها، حيث جرت العادة على تحضير الأمهات لكميات كبيرة من "القريصة" التي تسيل لعابهم بنكهتها اللذيذة، وهي عبارة عن كسرة (خبز) يضاف إليها صفار البيض، وتوضع بقفة الأطفال.
وغير بعيد من هناك، تحتفل ولاية باتنة بدورها بالربيع الأوراسي، الذي يطلق عليه "بثافسوث"، حيث يحرص أهالي المنطقة على التمسك بعادات أجدادهم في الاحتفال، خاصة إنها تعد مناسبة "مقدسة" للفرح والاستبشار بقدوم موسم فلاحي واعد حسب العادات، في حين تبرز مشاهد الاحتفال بهذه التظاهرة في الأكلات والحلويات التقليدية التي تقدم بالمناسبة، والتي تدوم لمدة ثلاثة أيام كاملة، تحضر فيها النساء الأطباق التقليدية المعروفة في المنطقة، على غرار طبقي "الشخشوخة" و "الرفيس"، إضافة إلى إعداد بعض الحلويات الأخرى، التي تصنع بهجة هذه الاحتفالية، فيما تقوم فيه كل عائلة بالبلدية بإخراج "الحنبل" أو "الزربية" التقليدية التي تعبّر عن الوحدة والإخاء بين كل سكان المنطقة والبلدية بأكملها، فيما تنظم استعراضات لفرق البارود والخيالة تعبيرا عن أصالة المنطقة.
ويتميز الربيع في ولاية ميلة بأهازيج وطقوس تليق بمكانة هذا الفصل، ومن بين هذه الطقوس التي لا زال يتذكرها كبار المنطقة لعبة محلية شهيرة يطلق عليها "الكورة"، تطبع نشاط الأيام الأولى من هذا الفصل، حيث يتم صنعها من لفائف من القماش، فيما يحضر "القوس" الذي تقذف به "الكورة" من جذوع أشجار "السدرة" المعروفة بإنتاج حبات "النقيقب" كما يطلق عليه محليا، حيث تشهد الأيام الأولى من فصل الربيع نشاطا حثيثا عبر مشاتي تلك المنطقة الريفية الجبلية، التي يميزها إجراء "مباريات" تمتد طيلة النهار وتجمع مختلف شرائح المجتمع من الرجال والنساء في أجواء يطبعها المرح المندمج جديا مع زهور الطبيعة الخلابة المحيطة، كما يجري أحيانا حسب شهادات من عايشوا تلك الأوقات، تخصيص اللقاءات كأن يلعبها متزوجون مع عزاب أو شباب هذا الحي مع نظرائهم من الأحياء الأخرى، كما تحضر للمناسبة ذاتها كسرة الربيع التي ترتبط دوما بحلول هذا الفصل بهذه الجهة، والتي يتناولها السكان مع لبن يحرصون على تحضيره من حليب الأبقار.
أما عائلات أم البواقي فتستقبل عيد الربيع بتحضير مأكولات خاصة ضاربة في عمق التقاليد، منها "البراج" وهو رغيف يحضر بالدقيق والتمر المعجون "الغرس" والسمن، في حين تحنى أيدي الصغار والكبار، بالإضافة إلى التمسك بعادة حلق رؤوس الأطفال، حيث يتم كل ذلك في أجواء عائلية تميزها النزهات الترفيهية، التي تقودهم إلى المساحات الخضراء، حيث يتقاسم الأطفال والكبار المأكولات واللعب في أجواء مشمسة ربيعية تستمر حتى الغروب.
وأما منطقة تيكجدة، فتتميز بعادات خاصة بالاحتفال بموسم الربيع، حيث يبدأ سكان المنطقة فصل الربيع بتحضير كل اللوازم الخاصة بالخروج إلى الطبيعة الخلابة بلم شمل الأقارب على الزربية التقليدية (السجاد)، حيث تتفنن النسوة بعرض مختلف الأكلات التقليدية كـ "البركوكس" بالخضر واللحم، إضافة إلى الحلويات والفواكه، التي توضع في القفة، كما تحرص أخريات على قطف الأزهار بينما تتمسك الفتيات العازبات بهذا الموسم بعادات الأجداد المتوارثة بالبحث عن أعشاش الحجل لجمع أكبر عدد من البيض في السلة، خاصة أنه يدل - حسب اعتقادهم - على نضجها وشجاعتها وخفتها، كما يعتبرن أنها فأل جيد يجلب لهن الحظ للزواج.
وفي تيزي وزو تتفاءل الأسر القبائلية (الامازيغية) بفصل الربيع، الذي يعتبره سكان الأرياف والقرى بمثابة موسم فلاحي يفتح لهم أبواب الرزق ويجلب لهم خيرات الطبيعة، حيث تحرص النسوة على الخروج إلى الأراضي الزراعية، مستغلين اعتدال الجو لجني الزيتون والأعشاب المسماة بـ "أذرييس"، والتي تستعملها ربات البيوت في إعداد طبق الكسكسي، خاصة وأنها تحمل فوائد غذائية ونكهة لذيذة، إضافة إلى رائحتها الطيبة، حيث لازالت العائلات القبائلية تتمسك إلى حد الآن بعادات أجدادهم المتوارثة، إذ كان الربيع بالنسبة لهم موسما يجمع بين التجديد والاستمتاع بدفء الربيع، كما يفتتح السكان الربيع بجني الزيتون وتجسيد عادة يطلقون عليها تسمية "تاحمامت"، في حين يعتبر آخرون الموسم فرصة للتكافل والتضامن فيحرصون على ذبح ثور يتم توزيع لحمه على الفقراء.
وبوسط الجزائر، تحتفل العائلات ولاية البليدة بقدوم الربيع عن طريق تقطير زهر البرتقال واليوسفي، وبعد عملية التقطير تتم صناعة مختلف الحلويات وتناولها ضمن تجمعات تشغل معظم المساحات الخضراء الجميلة الموجودة بالمنطقة، وهو ما يشبه ما يحدث في منطقة عين بسام، التي لا تختلف احتفالاتها عن باقي المناطق الأخرى، إذ يتم جمع الورد والقريصة (نبات ربيعي مزهر)، كما يجب على كل فرد أن ينهض باكرا حتى تعود عليه كل أيام الربيع بالحيوية والنشاط، هي إذن عادات وتقاليد من عمق الجزائر تجعل الاحتفال بالفصل بهيجا وممزوجا بمعالم الفرح والاستقرار.
وفي صحراء الجزائر، ما زال سكان "الأهڤار" إلى اليوم يحيون هذا التقليد، حيث يجتمع السكان طيلة ثلاثة أيام للاحتفال بقدوم الربيع في جو احتفالي، في حين تنظم استعراضات فلكلورية عبر الشوارع الرئيسية للمدينة، وتحتل الحرف التقليدية مكانة مميزة.
وتحضّر نساء المنطقة أنواعا مختلفة من الخبز بالأعشاب العطرية، مثل النعناع وأوراق البصل والزيتون، ويتم الخروج إلى الحدائق، بينما تقام بمدينة تمنراست، عدة احتفالات محلية بمناسبة الربيع يتمتع السائح خلالها بسباق الجمال الذي ينظمه الطوارق، بالإضافة إلى السهرات وتقديم الأغاني التقليدية التي تحكي عن الصحراء والحب والربيع، ترافقها سهرات فولكلورية من بينها رقصة "شروا" التي تتخذ شكل مبارزة يؤديها شبان بلباس مميز وتهدف إلى التدرب على استخدام السيف وتمرين العضلات، ويقوم الطوارق الملثمون بتأدية رقصة العرس، في حين يحرص سكان غرداية على تحضير أكلات شعبية خاصة بالربيع، والاهتمام بالمشاتل بعرض أنواع مختلفة من الزهور فيها، حيث تعد الحدائق مقصد العائلات في هذا الفصل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/01/2021
مضاف من طرف : Mousara
صاحب المقال : Sara Chelghaf
المصدر : internet