الجزائر

عن صاحبها البشير الدامون.. "سرير الأسرار" للمخرج جيلالي فرحاتي.. الفيلم الذي أنقذ الرواية



عن صاحبها البشير الدامون..
في الرواية، يقرر الروائي البشير الدامون أن يروي التفاصيل على لسان بطلة القصة "وفاء"، الفتاة الصغيرة التي تعيش في "الدار الكبيرة" حيث تحدث هناك أمور مريبة دون أن تعرف عنها شيئا، وفِي كل مرة تتساءل لماذا تمنع الجارة ابنتها "سعيدة" من مرافقتها إلى المدرسة واللعب معها، مع أنه لا يفصل بين منزليهما سوى بضع خطوات. لكن الأمر مختلف فوفاء تعيش بالدار الكبيرة، والدار الكبيرة ملك ل"زاهية"، زاهية والدة وفاء. لا يمر وقت على تساؤلاتها، حتى تخبرها سعيدة الحقيقة وهما متوجهتان إلى المدرسة، فتقول "داركم دار بغايا"، كان هذا الخبر مثل طعنة في صدرها، واصلت سعيدة أن والدتها أخبرتها عن أشياء قبيحة تجري في الدار الكبيرة، وأنّ أمها زاهية ليست بأمها وهي امرأة غير شريفة.يستمر الدامون، في سرد الأحداث متوالية، تروي فيها وفاء تفاصيلها، كيف أنها بدأت تراقب ما يحدث في الدار الكبيرة من خلال النافذة المطلة على الساحة الكبيرة للمنزل، والتي تعودت والدتها غلقها، لتكتشف أن الدار البهية التي كبرت فيها عبارة عن ماخور ودار للبغاء، وراحت تتذكر كيف أن هذه الدار لم تكف يوما عن استقبال الضيوف ولم تكف يوما عن الحركة، لتربطها بما رأته عيناها، وهي تلميذة الطور الإبتدائي التي خدش طفولتها واقع قاس.
لم تكن وفاء تجد مهربا إلا منزل لالة رحمة التي كانت تناديها "مما رحمة"، كانت وزوجها سي الأمين أحن الناس على وفاء، ورغم غطرستها وجبروتها كانت زاهية تأمن على ابنتها عندهم، خاصة وأنهم الوحيدون الذين كانوا يستقبلونها ويفتحون قلوبهم لها في حين كل الجيران لا يتركون أولادهم يقربونها بالإضافة إلى حديثهم عنها كلما مرت عليهم.
تتوالى الأحداث، والذكريات التي ترويها وفاء، إلى غاية بلوغها ووقوفها أمام والدتها التي قررت أن تعترف لها أنها ليست والدتها، وأنها تحبها كثيرا كأنها ابنتها الحقيقية، وفاء لم ترفض، بكت وفقط، لكنها تحب زاهية، وبقيت معها وفِي الدار الكبيرة التي شهدت نضوجها وخيباتها وكذا إصرارها على التفوق في الدراسة، الدار التي شهدت الكثير من الفضائح، خاصة دخول زاهية إلى السجن مرات كثيرة بسبب الدعارة وكذا الخمر المهرب والمخدرات. لا يقدم البشير الدامون نهاية للقصة، بل يتوقف في مرحلة الثانوية التي وصلتها وفاء.
عند قراءة الرواية، سيحس القارئ ببعض الشتات الذي كان يصيب الكاتب من حين لآخر، أفكار كثيرة اقتصرها في وصف خفيف في حين بعض المواقف كانت تحتاج لوصف مطول ودقيق، ومواقف أخرى لم تكن تحتاج لسرد عميق لكنه أطال فيه. كما كانت هناك تقطعات كثيرة بين الفقرات، كأنه كان يكتب رؤوس أقلام تحضيرا للرواية دون أن يهتم بالعملية السردية، بالإضافة إلى المفردات العادية جدا، والتي تُعطي الإحساس بأننا نقرأ تعابير كتابية لأطفال في المرحلة الإبتدائية، بالإضافة إلى تشابك الأحداث وعجالته في إنهاء أخرى.
أما الفيلم المأخوذ عن الرواية الذي أنجزه المخرج والسيناريست جيلالي فرحاتي حيث ترك نفس العنوان "سرير الأسرار"، فقد جاء لينقذ النص الروائي الذي قدمه الكاتب بشكل ركيك. وفي اشتغاله لأول مرة على نص روائي حاول المخرج نقل القصة من الورق إلى الشاشة وفرض لغة الصوت والصورة على النص.
في الفيلم الذي يدور في حوالي ساعة وسبعة عشر دقيقة، يبدأ فرحاتي القصة، بالفتاة وفاء التي تمتلك دارا للأيتام، والتي تتلقى مكالمة من الشرطة لتتعرف على جثة والدتها التي ماتت بطعنة خنجر بالسجن. تخبر وفاء "مما رحمة"، وتعود إلى الحي حيث كبرت وترعرت، وتبدأ في ذكرياتها من خلال مشاهد فلاش باك فتستعيد تمزقاتها، وذكرياتها.
كانت المشاهد تحاكي تطوان بكل جمالها، واعتمدت بشكل كبير على وفاء الصغيرة التي تدرس بالإبتدائية والتي أدتها الممثلة الصغيرة غيثة بلخدير، حيث ظهرت تحكمها في الأداء وكذا قوة ملامحها، نفس الانطباعات التي تركتها الممثلة ماجدولين الإدريسي التي أدت دور وفاء الكبيرة، وهي تتجول في دهاليز الحي مسترجعة ماضيها وطفولتها.
غير المخرج فرحاتي سير أحداث الرواية، فالكاتب لم يخلق أحداثا بعد معرفة وفاء الحقيقة، ولَم يعتمد على عنصر التشويق، فالرواية كانت عبارة عن يسرد لحياة وفاء بشكل يومي، كأنها تكتب يومياتها في مذكرتها، لكن المخرج جعل القصة أكثر حيوية، بحيث اختلق موت الأم في السجن، ومغادرة وفاء الحي الذي ترعرعت فيه لتعود إليه للتذكر، بالإضافة إلى اختيار موفق للممثلين وكذا الأداء المتمكن، والأهم تحويل رواية راكدة إلى عمل سينمائي مليء بالتشويق والعقدة والحل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)