الجزائر

عن ديبلوماسيتنا



عن ديبلوماسيتنا
”احتجت” الجزائر إذن على تفتيش وزير الاتصال حميد ڤرين من شرطة مطار أورلي الفرنسي مساء السابع عشر من الشهر الحالي المصادف ليوم تاريخي خلده الجزائريون باسم ”اليوم الوطني للهجرة”. فقد أفاد بيان صدر عن وزارة الخارجية أن المدير العام للتشريفات استقبل الأحد سفير فرنسا برنار ايميي وحمّله رسالة إلى حكومته مليئة باللوم والغيظ على ما حدث لوزير الاتصال. المسؤول الجزائري استجمع قواه وقال للسفير الفرنسي بشجاعة نادرة ”إن هذا التعامل مع وزير في الجمهورية يحمل جوازا دبلوماسيا ومر من الرواق المخصص للشخصيات أمر غير مقبول”. وأكد له أن ”هذه الحلقة ليست الأولى من نوعها بل سبقها حدثان مماثلان”. وأخبره أن السلطات الجزائرية ممتعضة من كل التصرفات التي تتعارض مع نوعية العلاقات بين الجزائر وفرنسا والطموح المشترك بينهما لبناء الشراكة الاستثنائية”.وطلب من السفير أن يبلغ حكومته أن السلطات الجزائرية ”تريد أن تُتخَذ الإجراءات التي تمنع حدوث مثل هذه الامور مستقبلا”. الأكيد أن مدير التشريفات قبل أن يستقبل السفير الفرنسي حفظ ما يقول واجتره مرات ومرات حتى لا يقع في المحظور ولا يقول كلاما يفهمه محدثه على أنه إساءة للعلاقات المتميزة والراقية بين البلدين. وجاءت كلماته ناعمة ولم يذكّر السفير حتى بكون السيد الوزير كان في مهمة رسمية للدولة. ولا يحمل فقط الجواز الدبلوماسي بل أيضا تكليفا رسميا بالمهمة من الجمهورية الجزائرية أظهره لمن طلبوا تفتيشه من شرطة المطار، حسبما أفاد شهود نقلت شهاداتهم وسائل الاعلام. ولم يسأل حتى عن الجهة التي أصدرت أمر التفتيش على اعتبار أن رجال الشرطة أخبروا الوزير أنهم يطبقون أمرا بتفتيشه. مدير التشريفات يدرك جيدا وهو يتحدث إلى السفير أن مجرد إساءة فهم ما يقول قد يكلفه منصبه. فالجزائر اليوم في فصل انهاء المهام والإقالات والإحالات على التقاعد المسبق. السفير الفرنسي سينقل الحديث لمسؤول آخر في خارجية بلاده ربما لمدير التشريفات أو لشخص بقيمة مدير التشريفات الجزائري. مهما كان فسواء رد الفرنسيون أم لم يردوا، اتخذوا الإجراءات أم لم يتخذوا، شعروا بغيظ الجانب الجزائري أم لم يشعروا فإن الارتباط سيبقى استثنائيا ومتجدرا ولا شيء يزعزعه في الأمد القريب على الأقل. وقد نسمع اليوم أو غدا وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب يتحدث بتفاؤل ”الرابح الأكبر” وكأن شيئا لم يكن عن تقدم المفاوضات بشأن ورشة: ”بوجو” لدعم مكاسب ورشة ”السمبول” أو عن أية خردة فرنسية أخرى ستقام في البلد وتستنزف دولارات النفط . وربما زاد هذا الحادث من أهمية الحضور الفرنسي في كل مفاصل الجزائر، كما حدث في مرات سابقة حيث أعقب اعتقال مدير التشريفات السابق في الخارجية الجزائرية محمد زيان حساني في 14 اوت 2008 واستنطاقه وسجنه واهانته كما لم يهن دبلوماسي قبله، توسيع غير مسبوق لمصالح فرنسا بالجزائر وتخل شبه كامل عن كل ما تريد فرنسا حضوره في الجزائر بشكل استثمار أو تعاون أو نفوذ. الجزائري المتابع لشؤون وطنه لا يغيظه تصرف الفرنسيين بقدر ما يؤلمه تخاذل حكومته واعتمادها اضعف الايمان في الرد على ”العدوان”. ولما كان هذا هو الرد في المرة الثالثة فسيكون مثله في الرابعة والخامسة والسادسة وأكثر. وربما وصلنا حيث يكون تفتيش المسؤولين الجزائريين في مطارات فرنسا شأنا روتينيا لا يستدعي حتى الذكر. هذا الجزائري العادي المتابع لوضع وطنه يرى نفسه يتيما لا من يذود عن شرفه وكرامته. ففعل مثل هذا ليس إساءة لوزير فحسب بل هو هدر واضطهاد لكرامة الدولة الجزائرية. جزائري من هذا الطراز يرى أن ما حدث ناتج عن غياب ركن هام لصيانة الكرامة وهو الاستقلال. وثمة جزائري من نوع آخر يتشفى ويرى في شرطة مطار أورلي رجالا جديرين بالاحترام لأنهم أهانوا وزيرا لا يحبه في حكومة لا يحبها في نظام يمقته.. جزائري مثل هذا لا يختلف عن ذاك الأبله الذي يصفق لمغتصب أمه لأنه يكره والده. أما ما يفكر فيه بعض من اتبع المشهد من الفرنسيين من الصفوة أو من العامة على السواء فهو ”كان على هذا الوزير أن لا يأتي حتى لا يفتَّش”. ومعظم الفرنسيين بالتأكيد لم يسمعوا بما حدث لأنهم منشغلون بأمور أكثر اهمية. من تفتيش شخص في اورلي يحمل جوازا دبلوماسيا جزائريا وتكليفا بمهمة من الجمهورية الجزائرية.وربما سمعنا تبريرات غدا من مسؤولين جزائريين يقولون ان ما حدث مجرد ”حادث عرضي عابر اتفق البلدان على أن لا يتكرر” أو أي كلام من هذا القبيل وستواصل فرنسا جذورها في أعماق الجزائر بما يجعل اية حكومة مستقبلية حتى ان كانت راشدة لا تقدر على اقتلاعها.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)