الجزائر

عن " المجاهدة" بغلة الحاج اسعيد



عن
في كثير من جلساته، خاصة الحميمية منها التي تكون عادة مع أهل الدشرة، أو داخل قهوة "الداينين" في مدينة " باليسترو"، بمناسبة سوق الأربعاء، يحلو للحاج اسعيد سعيود، أن يعيد على مسامع الحضور قصة بغلته المجاهدة وبطولاتها خلال السنوات الأخيرة لثورة التحرير. الحاج اسعيد، طبعا يعرف كيف يدغدغ أسماع جلسائه، ويعرف كيف ومتى يوظف المصطلح الدقيق لايصال الرسالة المرغوبة، لكن حكاية بغلته كانت كلها قصة مشوقة ومؤثرة، فلقد قامت بدور بطولي كبير أثناء الثورة، عندما كان المجاهدون يعتمدون عليها كوسيلة نقل آمنة في نقل الأسلحة والمؤونة من دشرة " بلاعزم" بالأخضرية، إلى قرى ومداشر أخرى يرابض بها المجاهدون، وسرعان ما حدث تآلف كبير بين بغلة الحاج اسعيد والوظيفة الجديدة، فأصبحت لا تحتاج إلى دليل لتقوم بمهمتها.. يكفي أن يقوم أحدهم بتعبئة المطلوب فوق ظهرها، ويترك البقية عليها، لأنها حفظت المهمة، وحفظت العناوين.
لكل هذه الأسباب، صار الحاج اسعيد، ينظر إلى بغلته بوصفها فردا من أفراد العائلة، وتطور حبه لهذا الحيوان الخدوم إلى تعاطف واحترام كبيرين، فأصدر قرارا عائليا غير قابل للطعن عندما حرم على العائلة وأبناء الدشرة استغلالها لأي شغل أو خدمة من الخدمات الموكلة لهذا النوع من الحيوانات. قال لهم يكفي أنها خدمت الجزائر لسنوات، والآن نحن من يخدمها، وليكن ذلك من باب أنها أحيلت على التقاعد.
كان الحاج اسعيد، يشرف بنفسه على غسل بغلته المجاهدة مرة كل أسبوع، ويستحيل أن ينام ليلا دون أن يطمئن على حال المجاهدة في مربضها، والويل لمن طلب خدمتها. أهل دشرة " بلاعزم" يذكرون جيدا يوم ماتت بغلة الحاج اسعيد سنوات قليلة بعد الاستقلال، وكيف خيم الحزن على الدشرة لأيام، وكيف أمر الحاج اسعيد بإقامة جنازة رسمية لها، وأمر بدفنها، وامر أهله بعداء كل من يغيب عن جنازتها من أهل الدشرة، وظل يذكرها ويحكي بطولاتها إلى أن توفي قبل أسبوع رحمة الله عليه، وفي جعبته الكثير من حكايا ثورة التحرير، وفي حلقه غصة بسبب ما آلت إليه الجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)