الجزائر

عمر بن محمد المانفلاني الجزائري من "نشر أزهار البستان"



العلم الأشهر، و الحبر الأكابر، حائز الشرفين العرضي و الذاتي ابو حفص عمر بن محمد بن عبد الرحمن المانفلاتي، أبقاه الله، و نضر مرآه، هو بقية السلفن و بركة الخلف، الذي حمى الله به ذلك القطر من التلف، إذا عليه المدار في السير و الأخبار، و إليه المرجع في كل خطب مفزع، وإحكامه لقواعد العلوم هو الذي أمطاه فنن النجوم، وأعطاه شرفا غير مروم، لأنه يصول بنصول الأصول، و يطول على كل ذي منطق بذوابل الجدل و صوارم المنطق، إلى شمائل كنسمات الخمائل، و همه أكسبت الدهر غمة، و فصاحة رائقة، وبلاغة فائقة، إذا حدث أو أملى فما أبدع و ما أحلى، و أن استطرد في دروسه حكاية لتنميق رواية، كان ذلك أعذب و اسوغ، من منادمه الظي الألثع، يقود عصابات القلوب بيانه، فلولا نقاه كنت أحسبه سحرا على أنه دنا من اردل العمر و اقترب، وبات من ورد الثمانين على قرب، فما ظنك به إذ برد عمره نضير، وبدر شبابه مستدير، و روض فتائه مورق، و نور ذكاءه مونق، و قد أفصحت عن علاه في قصيدة طرزها ببعض حلاه، وأنشدها بين يديه، يوم ختمي "جمع الجوامع" عليه، وهو يوم السبت الرابع من جمادى الأول من شهور سنة أربع و تسعين و ألف (1094) و هي هذه:
حي على الأنس إن طيف الهموم سـرى
و سل نفسك وانج نهــج من صبرا
و لا تضح لدواعي البث إن صــدحت
إن دواعيــه تستجلب الضــررا
و اذكر معاهد قد راقت نظــــارتها
فإن ذكرهــــا أنــا و معتبرا
لله منها أصيلان جنــــــيت بها
في روضة اللهو من نخــل المنى ثمرا
إذ الأحبة يعدو عن و صالهـــــم
بعد يؤجج في أحــــشائنا سقرا
حيث ائتلفنــــا و لا واش ينـم بما
في روضة اللهو من نخــل المنى ثمرا
إذ الأحبة يعــــدو عن وصــالهم
بعد يؤجج في أحشــــائنا سقرا
حيث ائتلفنا و لا واش ينـــــم بما
نلنا عدا الأعطرين الــورد و الزهرا
و لا رقيب على الفراح يحســــدنا
دينا حلا النيرين الشمــس و القمرا
وزهونا بتلافينا و ألفتـــــــنا
أغرى بنا الأعجمــين الطير و الوتر
فصاح ذاك على أفنان دوحـــــته
حي على الأنس إن طيف الهموم سرى
و بث ذا ببنان الذيل حـــــركة
حذ ما صفا لك و انبـذ كل ما كدرا
و البحر مثل مذاب التبر حـــاك به
كف النسيم دروعا حــسنها سحرا
و الورق تسقط في أمواجـــه دررا
كما سقطت على بحر الــعلا عمرا
حبر الجزائر و الدنيا برمتهـــــا
من عالج العلم حتى ذاع و انتــشر
بدر الجلال و مصباح الكمال و مقباس
الجمال الذي كــــل الورى بهرا
شيخ أحاط بأنواع المــــديح فما
أبقى لمن بعده شيـــئا و ما وذرا
أن تنم أهل العلا إلى محاسنـــــة
تجد جميعهـــــم من بحره نهرا
ذو همة شغفت بالمجد عـــــالية
هم بها أحد النســـرين فانكدرا
إلى شمائل ازرت بالنسيم ضــحى
و خلق كالخلوق قد هــفا سحرا
من يبلغ الأهل أنب بعد بينهــم
جالست بدر هدى بالشمس متعجرا
و قد ظفرت بما قد كنت آملــه
لما قضت منيتي من نوره وطـــرا
حتى لقد خلت آمالي قوائــل لي
قدك ابن زاكور هذا البحر فاقتصـرا
من ذا يطاولني و المجد صافحــني
و البدر اقتبسني و العلم لي سفــرا
قد كنت قبدما احس اللنوى ضررا
فاليوم حين اكتسب المجد لا ضـررا
ما أحسن البين إذا كانت إسـاءنه
تفضي إلى مثل مصباح الدجى عمرا
قاضي القضاة الذي لا شيء يعد له
في عدله اللذ فشا في الناس و اشتهر
بحر العلوم التي غاضت مناهلهــا
منذ زمان و سيل الجهل فيها جـرا
شمس الأصول التي تعشي أشعتهـا
عين الجهول فلم يسطع لها نصـرا
كم فوائد أولاني غدوت بهـــا
أطوال العالم الحبر الذي مهـــرا
هذا و "جمع الجوامع" الذي هـرت
غر معانيه من غاب و من حضـرا
أبدى لنا كل ما تحويه من نـكت
نفيسه تخجل الياقوت و الــدررا
واها لها من لال قد ظفرت بهــا
فالحمد الله حمدا طيبا عطـــرا
سحت على قبر تاج الدين غـادية
تخفف الأثقلين الترب و الحــجر
و لا تخطت محليه بتحليـــــة
يا هي بها الثقلين الجن و البشــرا
نعم المحلي مولانا المحــــلي إذا
نـــظم من ذرة ما كان متشرا
يا رحمــة الله غوجي بضريحمها
و لا تــــزالي تنشي لهما خبرا
إن الإمام أبا حفص الرضى عمرا
أضحى يطرز ما حكى و مـا ابتكر
بدر الجزائر صـــان الله بهجته
عن أن يرى بخوف الــبدر مستترا
و بحرها اـلعذب لا زالت جداوله
تروض الـــعالمين البدو و الحضرا
و لما عزمت على الترحال، و نويت أن أعمل فيه الوخذ و الإرفال طلبت منه الإجازة فيما أقبسني من أنواره و أودعني من أسراره، فكتب لي بعد الآمتناع بخطه ما أزرى بالدر النثير الخ...
و ذكر المجيز في هذه الإجازة ما نصه: وكنت (رأي المنڤلاتي) قرأت على مشايخ جلة أعلام، و من أجلهم عندي سيدي و مولاي الذي لازمته أربع سنة نهارا و ليلا و غالب الأوقات أبو الحسن سيدي علي بن عبد الواحد السجلماسي الأنصاري، قدس الله رحمه في دار النعيم مع جماعة من الطلبة الأخبار و النجباء الأبرار، أخذت عنه في الأصول و البيان و المنطق و مصطلح الحديث و الفقه و الحديث و السير و التصو، ففي الأصول قرانا "جمع الجوامع" مرارا و "مختصر ابن الحاجب" نصفه و في البيان "تلخيص المفتاح" مرارا، و في المنطق "الجمل" للخونجي مرارا و "مختصر الشيخ السنوسي" و نظم الشيخ سيدي عبد الرحمن الأخضرين وفي المصطلح "ألفية العراقي" مرارا، و جملة من كتب السير، وفي الحديث "صحيح البخاري"، و "مختصر الخليل" في الفقه، و "نظم ابن عاصم في الأحكام" كما قرأنا كتاب "الشفا" للقاضي عياض، مع "البردة" للإمام البوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، و السينية، وعقائد الشيخ السنوسي قراءة ضبط و تحقيق.
و كنت أخذت عن غيره من المشايخ من أعظمهم و أولاهم شيخ الإسلام سيدي سعيد بن ابراهيم الجزائري إمام الجامع الأعظمن نفع الله به و به و نفعه بعلومه و اسكنه بحبوحة الجنان، الحديث و الفقه و النحو و شيئا من علم الوقت إلى غير ذلك، وعن غيرهالحساب و الفرائض و شيئا من علم الوقت إلى غير ذلك، و أخذت عن غيره من ذكر الخزرجية بشرحها للشريف الغرناطي، و أقرأتها للطلبةما ينيف على أربعين ختمة، كما أخذت لا مية ابن مالك في التصريف، كل ذلك بجد و اجتهاد مع التفرغ و الاشتغال بالعلوم، وهم رضي الله عنهم أخذوا ذلك عن مشايخ جلة من أعلام المغرب و المشرق قراءة و إجازة و إعلاما، وها أنا أكملت غرضه (أي ابن زاكور) و أذنت له أن يروي ذلك عني بشرطه عمن رويته، عنه، و والله مع هذا ما ظننت أني في هذه الطبقة، ولكن خلت الديار فسدت غير مسود، و كان شيخنا أبو عثمان سيدي سعيد بن إبراهيم يتأوه عند ذكر مشيخته، و ينشد لابن الحاجب:
لقد سئمت حياتي اليوم لولا
مباحث صاحب في الاسكندرية
كأحمد سبط أحمد حين يأتي
بـكــل مليحة كـالعبقرية
تذكرني مباحثة زمـــانا
و إخوانا عهدتهـــم سويه
زمانا كان الابياري فــينا
يدرسنـــا و تغبطنا البرية
مضوا فكأنهم إما منـــام
و إما صبـيحة أضحت عشيه
و كذلك نحن مضى أشياخنا و إخواننا الذين كنا نتذاكر معهم و تألفنا بهم و خلفنا، و تحولت الأحوال و اشتغل البال، نسأل الله أن يحقنا بهم غير مبدلين و لا مغيرين بجاه سيد المرسلين، و كتب عن عجل و القلب في وجل صبيحة الأربعاء المكمل عشرين من شهر جمادى الأخرى من عام أربعة و تسعين و ألف عبد الله و أصغر عبيده عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الجزائري الدار و المنشا، المانقلاتي نسبا، أصلحه اللهن وكان له و لذريته و ليا و نصيرا آمين آمين آمين، والحمد الله رب العالمين.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)