الجزائر

علي العقوني رفيق مصالي الحاج



علي العقوني رفيق مصالي الحاج
افكار الحزب ما تزال قائمة غلى اليوم وعلى الشعب أن يحافظ على وحدته الوطنيةمرت السبت الماضي 11 مارس الذكرى 80 لتأسيس حزب الشعب الجزائري الذي كان أيقونة النضال الوطني في مرحلة من التاريخ الجزائري، في هذه الذكرى التقت جريدة مسار العربي علي العقوني مناضل في الحزب وأحد المقربين من مؤسس الحزب مصالي الحاج وسرد لنا محطات هامة من عمر هذا الوعاء السياسي الذي استطاع في فترة ما أن يكون منبعا للوطنية، ورغم الخلاف والشقاق الذي دب في الحزب اثناء الحركة الوطنية إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن أغلب الوجوه الثورية نهلت من افكار الحزب وناضلت فيه وآمنت بأفكاره التحررية ومنه كانت انطلاقتهم للثورة المظفرة لغية تحقيق الاستقلال تمر اليوم الذكرى 80 على تاسيس حزب الشعب، السيد علي العقوني أولا هل يمكن أن تحدثنا عن ظروف التي تم فيها انشاء خذا الوعاء السياسي ؟أولا قبل الحديث على الحزب وجب الحديث عن صاحب مشروع الحزب، وعن مراحل أخرى قبل التأسيسوهنا لا بد بأن نذكر أن مصالي الحاج أو كما كان يسميه أنصاره "سيدي الحاج" بدأ نضاله في سن مبكرة، و تأثر بأفكار مصطفى كمال اتاتورك التحريرية وهو في السن الثالثة عشر، والأكثر من هذا جهر بها في وقتكان الجهر بالافكار التحريرية في ذلك الوقت ضرب من الجنون، ووصل به الأمر وهو في سنه تلك أن خاطب الشعب في مقهى تيطراوي بتلمسان وراح يشرح أفكار كمال اتاتورك التحريرية مطالبا بتحرير الجزائر، وعلى إثر ذلك تم القاء القبض عليه إلا أن السلطات اطلقت سراحه لحداثة سنه. لكن كيف تبلور هذا الفكر لدى مصالي الحاج وترجمه إلى وعاء سياسي طالب من خلاله بتحرير الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسي ؟وعي مصالي الحاج بالقضية الوطنية كما سلف وان قلنا كان مبكرا، فبعد بحث وتمحيص درس كل المقاومات الشعبية التي واجهت الاستعمار، وبحث في اسباب فشلها وعدم تحقيقها للاستقلال، وخرج بنتيجة واحدة وهي أن هذه المقاومات كانت فئوية وغابت عنها وحدة الشعب، فكل مقاومة كانت تنطلق في منطقة معينة يقودها اشخاص بنية صادقة ولكن انطلاقا من مناطقهم بعيدا عن وحدة الأمة، فكانت فرنسا توحد قواها وتشحن لها كل عتادها المادي والبشري لمواجهتها لانها مطمئنة لباقي المناطق وبالتالي يتم القضاء على أي مقاومة او حركة تحرر في ظرف سنوات قليلة رغم ضراوة وشجاعة من قاموا بهذه المقاومات إلا أن ما استنتجه مصالي الحاج أن وحدة الشعب لم تكن حاضرة في المقاومات، ما دفعه للتفكير في تأسيس حزب وغرس الروح الوطنية من خلاله في مختلف فئات الشعب واقناعه بقضية التحرر والاستقلال التي كانت في تلك الفترة فكرة لا تخطر على بال الجزائريين بعدما صار الاستعمار في نظر العامة أمر واقع وشر لا بد منه. ما هي الخطوة الأولى التي قام بهام صالي الحاج لتوعية الشعب بضرورة التحرر ..؟المنعرج الكبير كان في مؤتمر الكفاح ضد الإمبريالية ببروكسل "فيفري 1927" حيث كان المؤتمر أكبر حدث سياسي على الصعيد العالمي. حضرته مجموعة من الشخصيات التي تقود حركات التحرر في قارات مختلفة أمثال: نهرو و سوكارنو وهوشي منه وغيرهم، وحضره مصالي الحاج ممثلان باسم نجم شمال إفريقيا و لقد كان لهذا المؤتمر الدور الكبير للتعريف بالقضية الجزائرية .وفيه أخذ مصالي الكلمة وتوجه بخطابه نحو ممثلي 134 دولة وكشف في خطابه عن الوجه البشع لفرنسا وجرائمها في الجزائر مطالبا بجرأة كبيرة تحرير دول شمال افريقيا من الاحتلال الفرنسي "المغرب الجزائر تونس". بعد هذا الحراك، ماذا كان موقف فرنسا من الرجل ..؟افكار مصالي الحاج التي بدأت تسري بين مختلف فئات الشعب كالنار في الهشيم صارت تقلق فرنسا وصار الرجل يشكل خطرا عليها، ما دفعها لحل حزب نجم شمال افريقيا، إلا أن مصالي الحاج رغم الصعوبات واصل نضاله في السرية و بنفس الأفكار ونفس العزيمة ولكن خطورة الفكر التحريري لدى الرجل وزرعه بين الشعب الجزائري دفع بالسلطات لأخذ الحيطة من الرجل ووضعه وتسليط الضوء عليه بعدما اصبح الخطر رقم واحد. في ظل هذا ما كان موقف الهيئات الجزائرية الاخرى سواء على مستوى النخب أو الحركات السياسية ..؟في تلك الفترة كانت الأمور صعبة، وكانت المواقف متباينة وكان الاختلاف شاسع ربما مصالي الحاج الوحيد الذي كان يغرد خارج السرب، فمثلا قبل سنة 1936 تشكل المؤتمر الاسلامي المكون من جمعية العلماء المسلمين، وحركة فرحات عباس، والحزب الشيوعي وهيئات اخرى واتفقوا على تقديم لائحة مطالب الى الحكومة الفرنسية، من ضمن هذهالمطالب تمكين الجزائريين من لغتهم وحرية المعتقد ومطالب اجتماعية بالاضافة إلى مطلب الاندماج، مصالي الحاج الذي كان رافضا للمطلب الأخير التقى بالوفد في الفندق الكبير بباريس، وأوضح لهم أن المطالب المتعلقة بالدين واللغة والمطالب الاجتماعية مقبولة، لكن الارتباط بفرنسا ومحاولة الاندماج مطلب باطل ولا يمكن ربط مصير الشعب الجزائري بفرنسا الذي لا تجمعنا بها أي روابط، وطبعا قدموا مطالبهم ولكن تم رفضها من قبل سلطات الاحتلال. ما يزال التاريخ يذكر مداخلة مصالي الحاج القصيرة في ملعب 20 أوت الذي شاركت فيه عدة هيئات سياسية، هل يمكن أن تحدثنا عن هذا التجمع وكيف شارك فيه مصالي الحاج ؟يجب ان نعرف أن مصالي الحاج لم يتم دعوته إلى هذا التجمع الذي جرى في الثاني من اوت 1936، ولكنه حين علم بتاريخه انتقل من باريس الى الجزائر وشارك من تلقاء نفسه، و لم يكن مبرمجا لإلقاء أي خطاب للجماهير التي شاركت بحكم أنه لم يكن مبرمجا ضمن الشخصيات التي ستلقي كلمتها. وكيف تناول مصالي الكلمة ؟كان عمر أوزقان هو مسؤول التنظيم في ذلك التجمع، وبحكم برمجة أسماء الشخصيات ووفقا للتنظيم رفض منحه كلمة، ولكن تدخل الشيخ ابن باديس الذي كان حكيما ويعرف قيمة الرجال، حال دون منع مصالي من القاء كلمته، وفيها توجه للشعب، ومن جملة ما قال أنه لا اعتراض له على مطالب اللغة والعقيدة، ولكنه يرفض رفضا قاطعا مطالب الاندماج وربط الجزائر بفرنسا وأطلق جملته الشهيرة حين انحنى للأرض وحمل حفنة من تراب ورفعها بقبضة يده وقال " هذه الأرض لها ملاكها وورثتها وهي ليست للبيع ولا للشراء ولا للإيجار ولا للرهن" بعد كل هذه الأحداث كيف تم تأسيس حزب الشعب :فكرة الحزب جاءته وهو في السجن حتى أني لا أذكر تواريخ سجنه لأنه قضى 20 سنة بين السجونو والمنفى يدخل ويخرج ، وفي سجنه نظم أفكار الحزب وبرنامجه، وبعد خروجه من السجن قرر العمل في إطار هذا الحزب، حيث قرر في الحادي عشر من مارس 1937 تقديم ملف الحزب في باريس و رافقه في هذا الموقف عبد الله فيلالي وهو احد المناضلين الكبار في الحركة الوطنية، بعد اداع ملف الحزب لدى الإدارة الفرنسية في باريس عقدوا اجتماعا في مقهى ملك لاحد الجزائريين بالعاصمة الفرنسية وبالضبط في أوبار فيلي، وهناك ألقى خطابا على الجزائريين شرح فيه الخطوط العريضة للوعاء السياسي الجديد الذي سماه في خطابه" المزيود"، وهنا على الشعب الجزائري والجيل الجديد خاصة أن يعلم أن حزب الشعب لم يكن حزبا مرحليا لفترة استعمارية فقط بل فكر فيه مؤسسه حتى لمرحلة ما بعد الاستقلال ووضع النقاط الرئيسية على رأسها حرية الشعب في اختيار حكامه بعد الاستقلال، فضلا عن السماح للجمعيات السياسية والنقابية بالنشاط. كيف كان تجاوب الشعب الجزائري مع الإعلان عن تأسيس هذا الحزب ؟مباشرة بعد التأسيس بدأ تحرك الرجل الأول في الحزب، والعودة إلى نشاطه النضالي وشرع في غرس الروح الوطنية في المهاجرين وكانت أول جولة له بعد التأسيس الى العاصمة البلجيكية بروكسل حيث قام بنشاط توعوي كبير بين المهاجرين واستمر في نشر افكاره، إلى غاية 20 جوان حين قرر دخول الجزائر ونشر الأفكار التحريرية في أوساط الشعب. كيف كان تفاعل الجزائريين هنا في الجزائر مع الحزب الجديد :شخصية مصالي الحاج في تلك الفترة لم تكن شخصية عادية، الرجل كان جامعا للجزائريين تحت جناحه لم يفرق بين منطقة وأخرى بالنسبة له الجزائر وحدة لا تتجزأ، وهو ما زاد في تعاظم شأن الحزب، وفي سبيل افكار التشكيل السياسي وغرس الروح الوطنية، جال الرجل في شرق البلاد وغربها شمالها وجنوبها واين حل التف حوله الناس يأتون لمشاهدة هذا الرجل صاحب اللحية الطويلة والطربوش والشخصية القوية والذي يتحدى السلطات الفرنسية دون خوف مطالبا بحرية الجزائر، حتى أن الشيوخ الذين يذكرون تلك المرحلة وما يزالون على قيد الحياة يذكرون تلك اللحظات المهمة في تاريخ الجزائر و أعرف شخصا في منطقة القبائل ما يزال يحتفظ بمقعد حجري إلى هذا اليوم وقف عليه مصالي الحاج يخطب في جموع الشعب في المنطقة، فشخصية مصالي الحاج كانت مقبولة من كل فئات الشعب وكان دفاعه عن استقلال الجزائر يزيد في ثقة الشعب به.ويروي لي عم الوزير سيد احمد فروخي في سنة 1989 أن مصالي الحاج خلال نشاطه في تلك الفترة تواجد في بيتهم في مليانة، و كان شاهدا على موقف بقي راسخا في ذهنه، حيث كان مصالي يرتاح في حديقة البيت حين تقدم نحوه ضابط فرنسي وسلمه رسالة قال أنها من السلطات الفرنسية تطلب منه عدم التحرك والنشاط الا برخصة فرنسية، وهنا يروي لي الرجل كيف تصدى مصالي الحاج لهذا الموقف، وواجه الضابط بكلام يقول الرجل أنه ما يزال يذكره بكل تفاصيله إلى تلك اللحطة التي اخبرني بها، حيث قال: ليس لي اي أمر آخذه منكم، وشمر على ذراعية وابرز ساعديه للضابط وواصل " الدم الذي يجري في هذه الشرايين دم حر، وأنا في وطني وليس لي اي خضوع لكم" وقوة هذا الموقف حسب ما روى لي عم الوزير فروخي أنه لم يكن ثمة جزائري في تلك الفترة يمكنه أن يتكلم مع ضابط فرنسي بتلك القوة وردة الفعل . حسب كلامك الأمور بين الجزائريين وفي الحزب كانت تسير في طريقها الصحيح، لكن أين بدا الخلاف داخل الحزب:قبل أن نخوض في تفاصيل الخلاف فإنه وجب التذكير أنه صدر قرار بحل حزب الشعب في 26 سبتمبر 1939 و بحظر صحيفتيه الأمة و البرلمان الجزائري .و أصدرت المحكمة أحكاما قاسية يوم 28 مارس 1940 على رئيس الحزب و هي السجن لمدة ستة عشر عاما مع الأشغال الشاقة، كما أصدرت أحكاما أخرى على عدد آخر من أعضاء الحزب، لكن بعد حوالي شهر من صدور هذه الأحكام و في يوم 24 أفريل 1940 أطلق سراح رئيس الحاج مصالي و وضع تحت الإقامة الجبرية بقصر البخاري حتى انتهت الحرب العالمية الثاية ونجم عن ذلك أن دخل حزب الشعب الجزائري مرحلة السرية المطلقة التي ستستمر طيلة مدة الحرب العالمية الثانية 1939-1945. وظهر الخلاف للعلن في سنة 1952 في هذه السنة توجه مصالي للبقاع المقدسة لأداء مناسك الحج بعد أداء واجبه الديني طلب لقاء الملك السعودي سعود ابن عبد العزيز، وأعلمه أن التحضير للثورة في الجزائر يجري على قدم وساق وأن الجزائر بحاجة لدعم سعودي" كان الحزب قد كلف في سنة 1947 محمد بلوزداد بقيادة المنطمة الخاصة السرية لجمع السلاح والتحضير للثورة" ومباشرة بعد هذا اللقاء انتقل إلى القاهرة والتقى عدة شخصيات، على رأسها الأمين العام للجامعة العربية عبد الخالق حسونة، كما اجتمع مع عدة شخصيات أسوية وافريقية التي تمثل شعوبها المضطهدة، وكان لقاءه الأبرز مع عبد الكريم الخطابي زعيم المقاومة المغربية وأعلمه بأن الشعب الجزائري صار مستعدا للثورة وفي هذا اللقاء تم الاتفاق على ارسال عدد من الشباب الجزائري إلى الأكاديميات العسكرية العربية في مصر والعراق تحضيرهم للعمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، بعد هذا النشاط أرسل مصالي الحاج مبعوثا له لا يحضرني اسمه الآن إلى بن يوسف بن خدة الذي كان أمينا عاما للجنة المركزية للحزب وافضى عليه بما اتفق عليه مع الخطابي وعلى ضرورة تجهيز شباب للتدريب في الأكاديميات العسكرية، إلا أن بن خدة رفض هذا المقترح معتبرا أن الإقدام على ثورة أمر محفوف بالمخاطر، فاستدعاه رئيس الحزب والتقى الرجلان في باريس وهنا شرح لبن خدة وجهةنظره وبين له ما تمخضت عنه لقاءاته مع الشخصيات الدولية والافريقية والأسيوية و على الخطة التي اتفق فيها مع عبد الكريم الخطابي لارسال شباب للتدرب على العمل العسكري تحضيرا للثورة، وطلب منه الشروع في تطبيق الخطة وهل اقتنع بن خدة ؟للأسف رجع بن يوسف بن خدة إلى الجزائر ولم يقتنع بفكرة الثورة ولم يستوعب خطتها الاولية التي عرضها عليه مصالي الحاج، لهذا لم ينفذ طلب رئيس الحزب . ماذا كان رد مصالي الحاج بعدها :في هذا المنعرج والظروف الحساسة قام مصالي الحاج بإقالة جماعة بن خدة وكون لجنة مؤقتة ووضع على راسها فيلالي عبد الله احمد مزغنة ومولاي مرباح. وكيف سارت الأمور بعد هذه الخطوة :بعد هذه الخطوة تم الدعوة لمؤتمر الحزب الذي كان ينشط في السرية في منطقة أورني ببلجيكا في 14 و 15 و16 جويلية في 1954، وتمت دعوة اللجنة المركزية التي تم حلها لحضور المؤتمر ولكن جماعة بن خدة رفضت المشاركة ، وحضر أعضاء اللجنة المؤقتة، وحضر علي زعموم ممثلا لمنطقة القبائل حيث تم ارساله من قبل كريم بلقاسم وحضر أيضا نمشاوي محمد، كما تم ارسال دعوة لممثلي الحزب في القاهرة لحضور هذا المؤتمر " خيضر وبن بلة وايت أحمد" إلا أنهم اعتذروا بذريعة أن لهم انشغالات أخرى وأن ظروفهم لا تسمح بسفرهم وماذا تمخض المؤتمر:علينا أن نذكر أنه أثناء انعقاد هذا المؤتمر كان مصالي الحاج متواجدا بالسجن، ولكن تم عقده بمعرفته وبتخطيطه وبرعايته، وقد خرج المؤتمرون بنتائج أهمها، تفجير الثورة في الفاتح جانفي 1955 ، اقصاء المركزيين وتم تأييد مصالي الحاج زعيما للحزب مدى الحياة . ماذا كان رد فعل خصوم مصالي الحاج على هذا المؤتمر:تم اتهامه بالتسلط وحب الزعامة، وهنا دخل محمد بوضياف على خط الأزمة وشكل اللجنة الثورية للوحدة والعمل والتي كان يهدف منها الاستثمار في الخلاف واستقطاب جماعة من المركزيين والمصاليين، و تشعب الخلاف وتعددت أطرافه وتعدته إلى خارج حدود البلاد و اقحمت فيه حتى اطراف أجنبية . كيف ذلك ؟الاستعمار الفرنسي كان يعلم مدى التأثير الذي يشكله مصالي الحاج على الشعب وتوحيد صفه نظرا للنضال الكبير الذي قام به الرجل، وكان يهمها جيدا أن يتضاعف الخلاف بين الأخوة وتدخلت بعدة طرق _وسيكشف التاريخ يوما الطرق الخبيثة التي غذى بها الاستعمار هذا الخلاف ومن هي الأطراف التي ساهمت فيه_ وكانت تعلم بعد حرب فيتنام أن الثورة في الجزائر ستندلع لا محالة وكانت كل مؤشراتها واضحة و بما أن الأمور كانت واضحة كان لا بد من وجهة نظر فرنسا أن لا تقوم ثورة يكون رجل مثل مصالي الحاج مساهما فيها، وربما ابلغ ما قيل في هذه القضية هو عبارة الدكتور الراحل رابح بلعيد المختص في الحركة الوطنية أن"الثورة تم السطو عليها وهي بين يدي مصالي الحاج" ، هذا من جهة من جهة أخرى كان ظل جمال عبد الناصر من خلال ممثله فتحي الذيب رئيس المخابرات ظاهرا وضاعف هذا الخلاف . هل من توضيح أكثر في هذه النقطة :بعد انقلاب جمال عبد الناصر على محمد نجيب سنة 1952 قدم نفسه على أنه مخلص الأمة العربية من الاستعمار، ومن البداية وفي التحضيرات الأولية للثورة حاول أن يكون له يد في هذه الثورة، وهذا ما تفطن له مصالي الحاج وكان له لقاء مع الرئيس المصري في 1952 لما لاحظ محاولات التدخل المصري في التحضير للثورة الجزائرية، وقالها صراحة لجمال عبد الناصر " إننا نثمن كجزائريين كل المساعدات التي ستقدمها مصر للثورة ولكن العقل المدبر والمخطط للثورة سيبقى وسيظل جزائري" بمعنى أنه لا يمكن لأحد أو لطرف خارجي أن يكون طرفا في هذه الثورة بحكم مساعدات يقدمها، ومن هذه اللحطة اتخذ جمال عبد الناصر موقفا من مصالي الحاج، وفي مؤتمر باندونع الذي تم عقده في إندونيسيا 18 افريل 1955 أرسل مصالي الحاج وفدا إلى المؤتمر على رأسه شلي المكي وبعث مع الوفد خطاب باسمه، وقام المكي بتسليم الخطاب للال نهرو الذي ترأس الجلسة وقرأه على المؤتمرين وثمن الجميع ما جاء في الخطاب، ورغم أن الثورة انطلقت منذ شهور ومصالي في السجن إلا أن جمال عبد الناصر امتعض من هذا الخطاب الذي قرأه نهرو نيابة عن مصالي الحاج لأنه يدرك أن مصالي رجل وطني وله ثقله الدولي في تلك الفترة، وبالتالي صار يهدد خطط عبد الناصر في الجزائر، للإشارة كان شلي مكي ومزغنة وفلالي ممثلين عن الحزب في مصر ولما عادوا من المؤتمر اتصلوا ببن بلة وبن خدة وخيضر ليذكروهم بموقف الحزب في مؤتمر بروكسل ومعرفة مواقفهم حيث اجتمعوا بهم ومباشرة بعد انتهاء الاجتماع القى رجال فتحي الديب القبض على المكي و مزغنة بينما فر فيلالي وبقي الرجلين في سجون عبد الناصر إلى غاية الاستقلال. ما كان موقف مصالي بعد اندلاع الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954 ؟كان فرانسوا ميتران في تلك الفترة وزيرا للداخلية ومباشرة بعد تفجير الثورة تم توجيه اصابع الاتهام لحزب الشعب ورئيسه، حيث تم اعتقال مصالي الحاج بل اختطافه ونقله إلى وجهة مجهولة، والقاء القبض على الكثير من اطارات حزب الشعب، وبعد ضعوط دولية من قبل التروتسكيين في فرنسا تم السماح لأحد المحامين بزيارة مصالي الحاج والكشف عن مكان اعتقاله، وفي الثامن من نوفمبر من نفس السنة أعلن المحامي أن مصالي الحاج يعلن تأييده للثورة ويدعو الشعب لالتفاف حولها وأن رئيس حزب الشعب أعلمه أن المهم هو أن الثورة اندلعت، بل وارسل هذا النداء مكتوبا مع المحامي وخرج النداء لوسائل الإعلام، ومن سجنه أرسل مصالي الحاج وفدا خاصا على رأسه مشاري محمد ومولاي مرباح إلى منطقة القبائل وهناك التقوا كريم بلقاسم وسلموه مبلغا ماليا كان حزب الشعب قد جمعه من قبل تحضيرا للثورة وقد طلب كريم بلقاسم نشر حيثيات هذا اللقاء في جريدة صوت الشعب التابعة للحزب وتكلم باسهاب عن الثورةليس هذا وحسب بل عند اعتقال زعماء الثورة من خلال خطف طائرتهم التي كانت تقلهم في 22 اكتوبر 1956 ارسل الحاج مصالي باسمه محمد ماروك وهو شخصية قيادية في الحزب الى سجن لاسونتي بفرنسا اين كان يقبع الزعماء الخمس والتقى الرجل بأحمد بن بلة وعقدوا اتفاق سياسي عسكري اقتصادي اجتماعي للوحدة بين FLN و MNA والوثيقة موجودة في كتاب للمؤرخ محمد حربي، ومحفوظ قداشوقع ماروك على الاتفاق بينما ارسل بن بلة الوثيقة لتونس لاستشارة جماعته هناك الذين رفضوا الاتفاق جملة وتفصيلا، ورغم ذلك طالب مصالي الحاج من السلطات الاستعمارية الحفاظ على سلامة المعتقلين في سجن لاسونتي ووكل محاميا للدفاع عن بن بلة وضمان حقوقه، وفيقضية أخرى يجب التذكير بها أن علاقة مصالي الحاج بالشهيد مصطفى بن بولعيد كانت قوية وعلاقة احترام متبادل سواء بين الثورة أو قبلها، ووجب التذكير ايضا أن بن بولعيد قبل يومين او ثلاثة من استشهاده دعى الى اجتماع بين MNA وجيش التحرير وحضر عاشور زيان ممثلا عن MNA رافقه سي الحواس الذي بقي وفيا لحزب الشعب وشخص ثالث اسمه سي عمر ووفد يرأسه بن بولعيد ممثلا عن جبهة التحرير الوطني جناحها العسكري "جيش التحرير" لأن كلا الطرفين كان يسمى جيشه جيش التحرير" في هذا اللقاء طرح سي مصطفى فكرة توحيد الجيشين ما دام أن الهدف واحد ومحاولة توجيه كل الجهود لتحرير البلاد سيما وان كل منهما يحارب فرنسا من اجل استقلال الجزائر، بعد هذا اللقاء استشهد سي بن بولعيد عن طريق راديو قيل ان فرنسا فخخته وتركته في مكان قريب من تمركز الشهيد و باقي القصة التي تم روايتها معروفة، ولكن وجب على المؤرخين أن يبحثوا في التفاصيل وعن الذي حدث بالضبط دون اتهام طرف لأن الحقيقة تخدم الجميع وبالدرجة الأولى تخدم الشعب الجزائري.حزب الشعب كان له جيشه الخاص ممثلا في MNA هل يمكن ان تعطونا تفاصيل عن دوره في الثورة:الجناح المسلح للحزب كان له دور كبير في مقاومة الاستعمار، وهنا أذكر لك بعض المعارك في سنة 1955 خاض معركة شرسة قادها ملزي علي استهد فيها 13 من عناصرنا، ولم يعترف بهم كشهداء الى غاية 2010 بجهة بني بوادو وتم دفن رفاتهم والاحتفاء بهم كشهداء، ونذكر معركة زمرة في سنة 1959 في جهة بوسعادة بأولاد عامر استشهد فيها 134 شهيد ويقال أن جيش الحزب قضى فيها على قرابة 900 جندي فرنسي المعركة قادها بن دغمان محمد وتوجد شهادة موثقة عن هذه المعركة في بلدية يوسعادة معركة شلالة العذاورة الكبيرة التي اسقطنا فيها طائرةحربية معركة جيل بوكحيل معركة آفلو معركة عين بوسيف في المدية، ومعارك كثيرة لا يحصرها مقال. كيف كانت علاقتكم بالافلان خلال هذه الفترة :إلى غاية 1956 كان الهدف واحد وهو مواجهة الاستعمار والوصول بالثورة إلى بر الأمان، حتى انه حين تم القاء القبض علي في نواحي خميس الخشنة طلب أحد المجاهدين الشباب في الافلان الذي القي عليه القبض ايضا لقاء وكان لقاؤنا وديا وسألني لماذا يوجد لدينا جيشين رغم أننا نحمل نفس الراية ونعلقها في ملابسنا العسكرية ولنا نفس الهدف فلماذا لا يوحد القادة هذا الجيش ؟ في رأيك لماذا كانت تلك الفرقة رغم وحدة الهدف ونبله:المشكلة في حب السلطة هذا باختصار قلت أن الأمور تغيرت في 1956 ؟؟:نعم تغيرت الأمور بعد مؤتمر الصومام في 1956، خلال تلك الفترة وصل الى القيادة في جبهة التحرير خصوم مصالي الحاج من المركزيين ، فانزلقت الأمور وسال الدم بين الإخوة وبدأت المعارك تندلع بين الجيشين، وهذا شيء مؤسف وجرح كبير في التاريخ، ولكن يجب مواجهته بشجاعة من كل الأطراف وترك العمل لأهل الاختصاص في التاريخ خلال تواجد مصالي بالسجن اثناء الثورة هل جرت بينه وبين السلطات الفرنسية اتصالات:بعد فترة قضاها في السجن وضع تحت الاقامة الجبرية وكان ذلك في السنوات الأخيرة للثورة حيث ارسل ديغول ممثلا عنه ممثلا في وفد يقوده وزيره بيرنارد تريكو، و طلب هذا الاخير باسم الرئيس الفرنسي مباشرة مفاوضات مع الحركة، ومع الأفلان من جهة، إلا أن مصالي رفض معتبرا أن الجزائر واحدة "وإن اردتم مفاوضات حقيقية لا يجب ان تكون مع كل طرف عن حدى بل يجب أن يحضرها كل الأطراف جنبا الى جنب ولا يمكن أن نتفاوض معكم وحدنا وتفاوضكم جبهة التحرير بمفردها" ولما رفضت السلطات الفرنسية هذا الاقتراح اعتبر مصالي أنه لن يفاوض فرنسا لوحده ولن يكون سببا في تقسيم الجزائريين و قال لن اقع في هذه المصيدة وبالتالي أفشل هذا اللقاء لكن جبهة التحرير دخلت في مفاوضات ايفيان .؟مصالي لم يعارض هذا الأمر فكل حرب تنتهي بمفاوضات، ومن الطبيعي أن يوافق على ما جاء فيها من الأمور المعلومة المتعلقة بالاستقلال أما الأمور المجهولة فتبقى عند أصحابها وعن من فاوض . حدثنا عن نشاطكم بعد الاستقلال:مباشرة بعد الاستقلال عقد مصالي الحاج لقاء إطارات الحزب وقال حينها أن الاستقلال تحقق ولكن ما زال ثمة كفاح لتحقيق الديمقراطية والعدالة وإرجاع الكلمة للشعب، وانطلق في مرحلة اخرى وصار معارضا لهيمنة حزب واحد على الحياة السياسية في البلاد وخلال هذا اللقاء عاد النشاط العلني لحزب الشعب الجزائري في المنفى وبدأت مرحلة أخرى بعير الملامح السابقة. هل تواصلتم مع السلطة الجديدة بعد الاستقلال :كان هناك اتصال ببن بلة أثناء توليه الرئاسة حيث التقى ممثلا عن حزبنا ، وكان اللقاء حول عودة مصالي إلى أرض الوطن، إلا أن أحمد بن بلة أعلن للمبعوث أن " سيدي الحاج " كما كان يناديه الجميع لن يعود في الوقت الراهن لأن الظروف لا تسمح بذلك. بعد الانقلاب على بن بلة راسل مصالي هواري بومدين طالبا منه أن يكون انقلابه من اجل رد الحريات والكلمة للشعب، إلا أن الرئيس الجديد لم يرد على رسالة مصالي الحاج، وللتاريخ الرئيس احمد بن بلة بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين واطلاق سراحه اتصل بنا والتقى بمسؤول الحزب مشاري محمد وكان حينها مصالي الحاج قد توفي في الثالث جوان 1974، حيث دعمنا وكانت افكاره نفس افكار حزب الشعب وكان ينشر مقالاتنا في جريدته التي كانت تصدر في المهجر واعترف أن " سيدي الحاج" تم ظلمه كثيرا، وفي زمن التعددية توجه إلى قبره بتلمسان وترحم على روحه الطاهرة . بعد مرور 80 سنة من تأسيس حزب الشعب ماذا بقي منه :ربما مات الكثير من الرجال الذين آمنوا بأفكاره وعلى رأسهم مصالي الحاج مؤسس الوعاء السياسي الذي وحد الجزائريين في فترة حالكة من تاريخ البلاد، ولكن افكاره ما تزال تزدهر والشباب بدأ يعرف الكثير من الأمور والأفكار التي تبناها حزب الشعب الذي حفظ وصان مبادئ الأمة الكبيرة، اليوم وبعد هذه المرحلة حان الوقت ليعمل أهل التاريخ، وحان الوقت لوحدة الشعب بكل أطيافه لأن حزب الشعب اصلا قام على وحدة الشعب وهويته الحقيقية حاوره محمد دلومي


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)