المرأة مركز العالم وما إن يأخذ الرجل السلطة حتى تكون أول ضحية
عجاني انسحبت لأنها كانت مرهقة نفسيا وتحت ضغط رهيب
يرى المخرج الجزائري المقيم بإيطاليا رشيد بن حاج، أن الحديث عن فترة العشرية السوداء ضروري جدا، لأن الجزائر نموذج حقيقي للشعوب التي تعرف اليوم ما يسمى بالربيع العربي، مضيفا في حوار ل ''الخبر'' أنه علينا أن نتحدث عن تلك الفترة لننسى وليس العكس. كما فنّد كل الشائعات التي تحدثت عن أسباب انسحاب إيزابيل عجاني، مرجعا السبب إلى ريتم العمل وحالتها الصحية التي حالت دون مواصلته.
''عطر الجزائر'' عنوان مثير، فعن أي العطور تتحدث في فيلمك؟
يروي الفيلم قصة فتاة جزائرية تعمل مصورة فوتوغرافية، تعيش منذ مراهقتها بباريس، فقد غادرت الجزائر وعمرها 20 سنة، بسبب خلافات عائلية كثيرة، وقطعت كل صلة بأسرتها. لكن بعد 20 سنة من الغربة تتصل بها أمها وتطلب منها العودة إلى البيت. وكان لها ذلك، لتكتشف عالما مختلفا تماما عما تركته قبل الرحيل، ليس فقط على المستوى العائلي، بل على مستوى وطنها الجزائر. إنه تصوير لما عرفته الجزائر نهاية العشرية السوداء، ورؤية أنثوية للتغيرات التي طرأت على المجتمع الجزائري.
إذن، الفيلم عبارة عن إسقاط لقصة عائلة جزائرية على قصة وطن؟
في الواقع، القصة بسيطة في محتواها، خلافات بين الأب والأم والأخ والأعمام، قصة صراع عائلي بالدرجة الأولى، لكنها رمزيا تتحدث عن العائلة الكبيرة لكل الجزائريين وهي الجزائر. لقد تركت البطلة (مونيكا غيتوري) الجزائر في الثمانينيات لتعود سنة 1998 وتقف أمام تحولات عميقة في عائلتها (أحد إخوتها التحق بالجبل) وفي المجتمع، فتطرح عديد التساؤلات حول ما حدث، ومن خلالها نصوّر كيف عاشت العائلات الجزائرية تلك الفترة، مع العودة إلى بعض الأسباب التي أدت إلى هجرتها إلى فرنسا.
نحن نتحدث هنا عن فترة الإرهاب وتداعياتها على المجتمع الجزائري، فأنت بذلك مع فكرة فتح النقاش حول هذه الفترة والتحدث عن آلامها ؟
لا يمكن للإنسان أن ينسى ذاكرته، هي جزء منه، أرى أنه من المهم جدا أن نتكلم عنها. الحديث عن تلك المرحلة مهم جدا بالنسبة للجزائريين، لكن أيضا بالنسبة للآخرين، خاصة مع ما يحدث في العالم العربي، ليبيا، تونس ومصر. أرى أن ما حدث في الجزائر مثال واضح على ما سيحدث لهذه الشعوب، لأننا عشنا من قبل ما سيعيشونه لاحقا، لذلك تسجيل الذاكرة مهم جدا، يجب أخذ الدروس مما حدث في الجزائر، لقد واجهت وحدها ظاهرة الإرهاب، لكن الظاهر أن لا أحد أخذ الجزائر كنموذج لتفادي الوقوع في الهاوية.
لقد تطرق مرزاق علواش في فيلمه ''التائب'' إلى نفس القضية، هل هناك نقاط اشتراك بينكما؟
أبدا.. هناك اختلاف كبير بين الفيلمين، فأنا أنقل في ''عطر الجزائر'' نظرة امرأة، أي رؤية نسائية للأحداث.. امرأة تحكي حالتها. أعتقد أن رؤية المرأة مهمة جدا، لأنها لا تقوم بالحرب، فهي دائما ضحية لما يحدث، شاهد على المآسي وجزء منها. يُطلب من البطلة في الفيلم أن تعود وتصلح الكثير من الأمور.
ماذا أردت القول عبر فيلم ''عطر الجزائر''؟
أولا، من المهم جدا أن ننتج فيلما يتحدث عن تلك الفترة، وضروري جدا أن نتحدث عنها ونناقشها فنيا لأنها جزء من تاريخنا وواقعنا. أصبحت السينما سفيرا للدول والفيلم سيمثل الجزائر في العديد من المهرجانات، بعد العرض الشرفي ببن زيدون في رياض الفتح في الجزائر العاصمة يوم 11 أكتوبر المقبل.
علينا أن نوصل للعالم رسالتنا وبهذه الطريقة نستطيع أن نساعد غيرنا في تخطي مراحلهم الصعبة، رغم أن الفيلم لا يغيّر في الواقع شيئا، لكن أهميته تكمن في تقاسم المحن والتجارب والهموم كبشر.
يريد الجزائري اليوم أن يوصل صوته، أن يسمع الناس قصته، أن يتكلم عن تاريخه وماضيه ويتقاسم مع الآخرين مشاعره وأفكاره ويطرح إشكالياته ويقدم مقترحاته، فمجرد أن نتحدث عن تلك الفترة بيننا ومع غيرنا بطريقة حرة، مفيد جدا، فالجزائر كان لها دائما دور مهم في العالم العربي، وليس سهلا أن تتأخر، وعليها أن تواصل دائما في نفس الدور.
لما اخترت أن تكون البطلة امرأة؟
المرأة هي مركز العالم، مركز المجتمع، هي من تربي وتنشئ ومع ذلك لم تأخذ حقها في المجتمع.. غير معترف بها كعنصر فعال وأساسي، وهذا بالنظر إلى وضعيتها خاصة في مجتمعنا الجزائري. وأعتقد أنه مهم رؤية الماضي والتاريخ والحاضر والمستقبل من وجهة نظر المرأة. لكن للأسف، هي تناضل وتشارك، لكن بمجرد أن يأخذ الرجل السلطة، تكون هي أول ضحية، مثل ما حدث في تونس وليبيا.
هل من مشاهد عنيفة في الفيلم؟
لا يوجد مشاهد عنف، رغم أن القصة تتحدث عن العشرية السوداء، إلا ظهور حاجز أمني. لكن هناك العنف النفسي من خلال القصة والحديث، خاصة عن المرأة وكيف عاشت تلك المرحلة.. مشاعر قوية ومؤثرة ومؤلمة في نفس الوقت.
لقد ركزنا على مشاعر الخوف الذي انتاب الجميع آنذاك.. الخوف من الحاضر، من المستقبل، من الأشياء الموجودة والتي لا نراها ولا نعلم توقيتها، فهذا ما يرعبنا أكثر.. كالحديث عن القنابل والخوف منها.
كيف تم اختيار الممثلين وبكم تقدر ميزانية الفيلم؟
لقد اخترت نخبة الممثلين الجزائريين، امحمد بن فطاف، شافية بوذراع، أحمد بن عيسى، سيد احمد أقومي، كما أن البطلة ''مونيكا غيتوري'' من أهم الممثلات الإيطاليات، ومدير التصوير فكتوريو ستورارو، الذي نال ثلاث أوسكارات.
والفيلم إنتاج جزائري مائة بالمائة، وميزانيته صغيرة مقارنة مع قيمته.. لقد قرأت أنني أنفقت أموالا كثيرة على المشاركين الأجانب، لكن أشير فقط إلى أن مدير التصوير صديق لي وقد شارك مؤخرا في فيلم بإيران بلغ أجره 5,1 مليون دولار، لكنه حضر من أجلي. كما أن الممثلة الإيطالية تشارك في الفيلم، حبا في القصة ورغبتها في التواجد في فيلم جزائري يصوّر بالجزائر.
أسال انسحاب الممثلة الفرانكو جزائرية إيزابيل عجاني من الفيلم الكثير من الحبر، ما تعليقكم؟
قرأت الكثير من التعاليق في الصحف حول أسباب الانسحاب. أؤكد هنا أننا بدأنا العمل معها بشكل عادي جدا وكانت سعيدة بذلك، لكنها بعد أسبوع من التصوير قررت أن تتوقف لعدم قدرتها على الاستمرار لأسباب صحية، لم تكن في حالة جيدة كانت مرهقة نفسيا وتحت ضغط كبير. كما أشير إلى أنها تحصلت على كل طلباتها عكس ما أشيع، مكان مريح للإقامة، سيارة بسائق، وقد أحبت مشروع الفيلم وأعتقد أن ريتم العمل السريع أعاقها، خاصة صحيا. للأسف، كان يمكن أن تكون إحدى القصص الرائعة التي تؤديها إيزابيل.
اخترت إيزابيل وبعدها ممثلة إيطالية، ألم تجد وجها جزائريا بنفس الملامح والمواصفات التي تبحث عنها؟
بعد انسحاب إيزابيل عجاني كان علي أن أجد بطلة في أقرب الآجال، كان الوقت ضيقا، كما أن هناك من كن مرتبطات بمشاريع أخرى، وكان من الصعب أن أعيد ''الكاستينغ''، فذلك يتطلب توقيف الفيلم على الأقل أسبوعا وهذا مكلف جدا ويعرقل سير العمل، ولولا ضيق الوقت، لكنت اخترت ممثلة جزائرية مقيمة هنا أو في فرنسا، وحتى لبنانية، كانت هناك اقتراحات. أما مونيكا، فهي صديقة، تعاملت معها سابقا وكانت مستعدة لبدء التصوير مباشرة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/10/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مسعودة بوطلعة
المصدر : www.elkhabar.com