يقدّر عددهم بـ22 ألف إمام، إلا أن تأثيرهم أصبح محل جدل، بسبب ضعف منظومة التكوين من جهة، وانحسار جل مُعتلي المنابر في خطب ألفها جمهور المصلين، إلى درجة أنهم أصبحوا يحفظونها عن ظهر قلب من جهة أخرى.
لايزالون في صراع مع الوزارة، من أجل حملها على الاعتراف بحقهم في تأسيس نقابة تدافع عن حقوقهم مثل باقي المهن الأخرى دون جدوى لحد الآن، خاصة مع التهميش المفروض على الأغلبية الساحقة منهم، والامتيازات التي أصبحت، كما يُجمعون على ذلك، محصورة على ثلة من الأئمة المحظوظين دون سواهم، وفق معايير بعيدة عن الكفاءة والمؤهلات العلمية.
يرفع معظمهم شعار الشكوى لغير الله مذلة
أجرة الإمام لا تكفي عشرة أيام
يقدّر عدد من الأئمة بأن أجرتهم الشهرية لا تكفي عشرة أيام، ويضطر أغلبهم للاستدانة لتوفير حاجياتهم، خصوصا عند الدخول المدرسي وعيد الأضحى. كما أن أموالهم الخاصة بالخدمات الاجتماعية لا توفر لهم سوى محفظة بلاستيكية مع كل شهر سبتمبر، لا أكثـر ولا أقل.
يعيش أغلب الأئمة وضعا اجتماعيا لا يناسب مناصبهم، فهم من يؤمون الناس، ويؤم بعضهم رئيس الجمهورية في الأعياد الدينية، حيث وعلى الرغم من رفع أجورهم منذ مدة، إلا أن هذه الزيادة لا تغني ولا تسمن من جوع .
ويقول أحد الأئمة بالعاصمة، في تصريح لـ الخبر ، بأن محن الإمام أكبر من محن بعض الأسلاك، خصوصا أن المفروض أن يقيه راتبه من الاستدانة .
ويضيف المتحدث: نحن نطالب بمراجعة الزيادة في الأجر، لأننا نعتبرها غير قادرة على مواجهة غلاء المعيشة، فنحن لا نستطيع اقتناء أضحية العيد إلا بعد الاستدانة، ويتكرر المشهد قبل وبعد الزيادة المعلنة .
وفي الوقت الذي حسنت فيه الزيادة في الأجور أجرة الإمام، حيث صارت تتراوح بين 27 و37 ألف دينار، إلا أن ذلك لم يحسن من أداء ومستوى الخدمات الاجتماعية لأزيد من 22 ألف إمام عبر الوطن، حيث وعلى عكس القطاعات الأخرى، لا يستفيد الأئمة من أي امتيازات ، ولا يدركون بأن لهم خدمات اجتماعية إلا عند الدخول المدرسي، حيث يقول أحد الأئمة بسطيف: لا نتحصل إلا على محفظة بلاستيكية لا تحفظ حتى ماء وجهنا مع أبنائنا، حتى أننا رفعنا شعار: الشكوى لغير الله مذلة .
ويطالب الأئمة بضرورة مراجعة الزيادة المطبقة، وتفعيل دور الخدمات الاجتماعية، بما يمكنهم من العيش بكرامة، كما يحظى بذلك غيرهم من الأئمة في باقي أنحاء العالم.
بورتري
درس في الزيتونة ويعترف بأن المسجد فقد بريقه
الشيخ حموش.. ألقى آخر خطبة يوما قبل استقالة الشاذلي
ذكر الشيخ عبد الله حموش، الذي عمل كإمام متطوع في مسجد حداد بالمنظر الجميل في قسنطينة وقبله مسجد البشير الإبراهيمي، أن قطاع الشؤون الدينية، وخاصة الإمام، لم يلق الاهتمام اللازم من قبل السلطات العمومية منذ سنوات طويلة، ما جعل المسجد يفقد مكانته التربوية والتعليمية في المجتمع.
أكد الشيخ عبد الله حموش أن الجزائر خلال السبعينات والثمانينات كانت تضم العديد من الأئمة ذوي التعليم الضعيف، نظرا للعديد من الاعتبارات في ذلك الوقت، وهو ما جعلها في حاجة ماسة للأئمة المكونين، والذين كانوا في غالبيتهم متطوعين، كما هو الحال لمحدثنا الحاصل على شهادة من جامع الزيتونة، حيث بدأ الإمامة بداية السبعينات، بعد بناء مسجد البشير الإبراهيمي في الحي الذي يقطنه، حيث وجد نفسه مضطرا للصعود إلى المنبر بعد أن أثبت المصريون جهلهم للمجتمع الجزائري الذي كانوا يعتبرونه شعبا جاهلا بدينه، واستمرت مسيرته إلى غاية جانفي 1992 وبالضبط قبل يوم واحد من استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، حيث قدم آخر خطبة جمعة له.
محدثنا اعتبر أن ظروف عمل الإمام الحالي وإمام سنوات السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات تختلف كثيرا. فإمام تلك المرحلة، وحتى المسجد، كان أكثر تأثيرا في المجتمع، وكان المصلي أكثر إقبالا على تطبيق ما يقال في الدروس، عكس اليوم، فالمتلقي لا يطبق في كثير من الأحيان ما يسمعه في المسجد، كما أن الآفات المنتشرة حاليا كانت نادرا ما تحدث في تلك الحقبة، من رشوة، اعتداءات، مخدرات، وغيرها.
كما قال الشيخ عبد الله حموش إن الدولة لطالما أهملت هذا القطاع، عدا مولود قاسم الذي قدم الكثير، والذي يعتبر واضع أركان الإمامة في جزائر الاستقلال. مضيفا أنه بحكم احتكاكه بالأئمة، فوضعيتهم ماتزال ضمن المراتب الأخيرة بين كل القطاعات، سواء الأئمة الحاليين أو المتقاعدين الذين يعيشون ظروفا صعبة، وهو من بين أسباب فقدان المسجد والإمام لبريقه خلال سنوات عديدة.
شاهد من أهلها
الوزارة تعتبر العمل النقابي خطا أحمر
لا يحق للإمام الإضراب وتعطيل صلاة الجمعة
لا تزال شريحة الأئمة تصارع من أجل تأسيس نقابة تدافع عن حقوقها وانشغالاتها، مثل بقية الشرائح العمالية الأخرى، لكن دون جدوى، في ظل إصرار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف المتمسكة بموقفها الرافض لهذا المطلب الذي نادت به مؤخرا العديد من الولايات، حيث ردّ وزير القطاع في كلمة ألقاها في حفل اختتام أسبوع القرآن الكريم على بعض الأئمة الذين نادوا بجمعة صامتة، احتجاجا على أوضاعهم المهنية والاجتماعية، قائلا بأن الإمام لا يمكنه أن يضرب عن أداء واجبه ، مضيفا بأن الإمام غير مسموح له بالتصرف كأي موظف آخر، ولا يحق له بأي حال من الأحوال الإضراب عن أداء واجبه وتعطيل أداء صلاة الجمعة ، تاركا الانطباع بأن العمل النقابي غير ممكن من الناحية العملية بالنسبة لسلك الأئمة، ولا يتوافق مع وظيفة الإمام. وفي هذا السياق، استنكر السيد بوسنة، أمين عام نقابة الأئمة بوهران، التي تم تأسيسها مؤخرا تحت مظلة الاتحاد العام للعمال الجزائريين في تصريح أدلى به لـ الخبر : المسؤول الأول على مديرية الشؤون الدينية بوهران يرفض لحد الآن الاعتراف بنقابتنا الشرعية، بالرغم من استيفائنا لجميع الإجراءات القانونية، علما أن أكثر من 70 بالمائة من أئمة الولاية أبدوا تعاطفهم معنا، ويؤيدون فكرة تأسيس فرع نقابي يدافع عن حقوقهم المهضومة، لاسيما أننا أصبحنا مهمشين من طرف الإدارة التي ترفض حتى مجرد استقبالنا في بعض الأحيان .
وبرأي ذات المتحدث، فإن المشاكل التي يتخبط فيها الإمام موجودة إلا أنها تختلف من إمام إلى آخر، معتبرا بأن الحل الأمثل يكمن في تشكيل نقابة مهمتها الدفاع عن حقوق منخرطيها، على غرار بقية المهن الأخرى.
أئمة محظوظون يثيرون الغضب
رواتب بالأورو والتعيينات بـ المعارف
تطرح عملية انتداب الأئمة لمهام بالخارج، يُشرفون من خلالها على تأطير مساجد ومصليات تؤمها الجالية الجزائرية بالمهجر، وبالتحديد في فرنسا، الكثير من الأسئلة والتأويلات، حيث أجمع كل من تحدثت معهم الخبر على أن عملية اختيار هؤلاء الأئمة لا تستند إلى معايير الخبرة والكفاءة والمؤهلات العلمية، مثلما تفرضه التنظيمات القانونية، بقدر ما تعتمد على ميزات أخرى خارج المؤهلات المذكورة، خاصة أن الامتيازات المكفولة للمحظوظين الذين يرسى عليهم الاختيار كبيرة جدا، وبالتحديد الرواتب الشهرية التي يتقاضونها بالعملة الصعبة، ناهيك عن المزايا الأخرى التي تعود عليهم بمنافع كبيرة، على غرار الإشراف على مراسيم الفاتحة التي تسبق عقود القران، وغيرها من المناسبات الأخرى.
والغريب في الأمر، حسب ذات المصادر، هو أن هذه المهام التي تستغرق قانونا أربع سنوات على أقصى تقدير، يتم تجاوزها بالنسبة لبعض الأئمة، حيث إن هناك ثلة من الأئمة الذين يزاولون مهامهم بالخارج لمدد تفوق المدة القانونية المذكورة بكثير، وذلك عن طريق التجديد المتواصل دون أي مبررات تستدعي ذلك، خاصة أن هناك شريحة عريضة من الأئمة تقدر بالآلاف تنتظر فرصة الاستفادة من هذا الامتياز الذي أصبح حكرا على كمشة صغيرة من موظفي القطاع.
مصلون ينتابهم النعاس والضجر
عندما تتحوّل الإمامة إلى مجرد وظيفة
تطرح المواضيع التي يتناولها جمهور الأئمة على مستوى مختلف المؤسسات المسجدية إشكالية التكوين، في ظل ركاكة الخطاب الديني للأغلبية الساحقة من أئمة الجمهورية، حيث أن أغلب الخطب أصبحت تتمحور في دائرة ضيقة من المواضيع الفقهية التي تدخل في خانة البديهيات، في الوقت الذي يشهد فيه العالم حركية تستوجب من الإمام التأقلم معها لمسايرة الأحداث.
تحوّلت منابر الأغلبية الساحقة من المساجد خلال السنوات الأخيرة، إلى أماكن لترديد خطب ألفها المصلون، إلى درجة أنهم أصبحوا يحفظونها عن ظهر قلب، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين منهم ينفرون من بعض المساجد والبحث عن مساجد أخرى تروي عطشهم في التعرف على أمور دينهم، خاصة الأمور المستجدة التي تتلاءم مع تطورات العصر، حيث أن الكثير من الخطابات الدينية لا تزال تنحصر في تعريف الناس بفرائض الوضوء وسنن الاغتسال، وغيرها من المسائل التي من المفروض أنها من المسلمات التي يعرفها كل مسلم، ولا تحتاج إلى تخصيص خطب ودروس في كل مرة. وحسب انطباعات الكثير من المصلين الذين استجوبتهم الخبر ، فإن الخطب الدينية الجيدة التي يتعلم عن طريقها المتلقي أمور دينه أصبحت عملة نادرة، محملين مسؤولية ذلك للجهات الوصية على تكوين أئمة تحوّل دورهم في المساجد إلى مجرد وظيفة بالمعنى البحت للكلمة، وهو ما أدى إلى تحول بعض المساجد إلى أماكن مهجورة تخلو من المصلين، لاسيما أثناء خطب الجمعة، حيث يفضل الكثير من الناس التنقل إلى مساجد حتى ولو كانت بعيدة نسبيا عن مقرات سُكناهم من أجل الاستماع إلى خطب تروي عطشهم حول مسائل دينية تتساير مع تطلعاتهم ومشاكلهم اليومية واستفساراتهم المستجدة، وغالبا ما يكون هؤلاء الأئمة من المتطوعين الذين لهم صيت في الدعوة، ويملكون أسلوب خطابة، ولديهم دراية واطلاع معتبرين بجوانب كثيرة تخص المسائل الفقهية والحياتية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/09/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: زبير فاضل / قسنطينة: ف. زكرياء / وهران: محمد درقي
المصدر : www.elkhabar.com