بسبب العولمة والتغيّرات الحديثة
عادات وتقاليد الجنوب الجزائري مهددة بالاندثار!
تحفل المناطق الصّحراوية بالجنوب الجزائري بعديد العادات والتّقاليد التي دخلت ضمن منظومة القيم الاجتماعية وتطبع الحياة اليومية للسكان بتلك المناطق ولعلّ بعض تلك العادات التّقاليد قد تخلّت عنها الأجيال بسبب العولمة والتغيّرات الحديثة وأيضاً بسبب عدم الدعوة إلى تعريف الأجيال المتعاقبة بها أو السعي إلى الحفاظ عليها وتنميتها.
فهي تشكّل جزءاً من هويّة سكان هذه المناطق التي كانت معبراً لعديد الثقافات والحضارات وهو ما جعلها تشكّل مزيجاً من الأجناس والأعراق البشرية واللّهجات ولا يمكننا في هذه الورقة أن نُلمّ بجميع هذه العادات التّقاليد ولكن حسبنا أن نتوقّف عند بعضها للتعريف بها والحديث عن بعض الأبعاد التواصلية التي تربط هذه المناطق الصّحراوية بالجنوب الجزائري بغيرها من المناطق الأخرى خصوصاً منها المتاخمة لها.
اعداد: ي. تيشات
لم تعد العادات والتّقاليد بالمناطق الصحرواية بالجنوب الجزائري تحظى بالاهتمام الذي تستحقه من طرف الباحثين والدارسين والمهتمين خصوصاً المتخصصين منهم في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والأدب واللّهجات وغيرها. فهي ذات أبعاد أنثروبولوجية واسعة تعبّر عن الذهنية الشعبيّة والخلفيات المختلفة التي تعتمدها كمنطلقات في التفكير عبر مختلف المجتمعات التي تنتمي إليها مُبرزة شبكة العلاقات الاجتماعية وأساليب ارتباط الناس مع بعضهم البعض من خلال تلك العادات التي توارثتها الأجيال وأصبحت تشكّل عنصراً دينياً أساسياً يتصّل بالأفراد قبل ويصل ذلك إلى حدّ الاعتقاد الراسخ بأنّها جزء لا يتجزأ من الدّين وقد تمّ التعبير عنها في عديد النصوص الشفهية بمختلف اللّهجات التي تُستعمل في الأحاديث اليومية في مختلف نواحي مناطق الجنوب الجزائري.
الأولياء الصالحون بالصّحراء
وقد تحدث عن هذه العادات والتّقاليد بالجنوب الجزائري بعض الرحالة والمؤرخين العرب والغربيين نذكر من العرب ابن بطوطة والعياشي ومن الأجانب نذكر جاكوب أوليل وإدوارد بلانكوكاميل ساباتيير هذا الأخير الذي أذهله نظام السقي التقليدي باستعمال نظام الف_ارة ولأنّ هذه الموروثات الشعبية بدأت تندثر شيئاً فشيئاً بسبب عدم ممارستها وأيضاً بسبب عدم تدوين وتسجيل ما تتعلّق بها من معارف فإنّنا أنشأنا بجامعة غرداية فريق بحث في إطار المشاريع الوطنية للبحث (PNR) بعنوان: المُدوّن والمنطوق في المنتجات الثقافية بالجنوب الجزائري واستطعنا من خلاله الوقوف عند عديد العادات التّقاليد التي تناقلتها الأجيال في تلك المناطق والتي يوجد أغلبها في وضعية الحاجة إلى خطّة استعجالية للعناية بها.
المعروف أو الزِّيارة أو الوَعْده
ومن تلك العادات نجد ما يُسمى ب: المعروف أو الزِّيارة أو الوَعْده وهي عبارة عن لقاء سنوي يُقام تخليداً لمناقب بعض الأولياء الصالحين يجتمع فيه مريدوهم وأحفادهم ومحبوهم من أجل المشاركة في قراءة القرآن والأدعية والمدائح وإطعام الطعام وصلة الأرحام وتقام على هامش هذه اللقاءات بهذه المناسبة أسواق واحتفالات شعبيّة. ومن تلك الزيارات مثلاً في منطقة توات نجد زيارة الشيخ عبد المالك الرقاني التي تُقام في الفاتح من شهر ماي من كل سنة وذلك بقصر زاوية الرقاني وأيضاً الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف ببني عباس في منطقة الساورة بولاية بشار وبتيميمون في زاوية كنتة بولاية أدرار وأيضاً وعدة سيدي الشيخ أو ركب سيدي الشيخ [6] التي تتّم في منطقة الأبيض سيدي الشيخ بولاية البيض.
ويمكن القول أنّ مفهوم الركب تأسّس بوفاة الأب الروحي والديني سيدي الشيخ بنواحي الكراكدة نتيجة الوصية التي أعدّها بعد شعوره بقروب الأجل بسبب الجراح التي أصابته وهو يحارب الأسبان في شواطئ وهران فاضطرّ سكان استيتن والكراكدة إلى نقل جثمانه الطاهرة إلى الأبيض تلبية لطلبه في موكب جنائزي سمي الركب . فأصبح هؤلاء السكان متمسكين بإحياء ذكرى وفاة الشيخ سنويا تكريما وتخليدا لمناقبه.
ويقودنا الحديث عن الأولياء الصالحين بمناطق الجنوب الجزائري إلى الحديث عن بعض العادات التي ترتبط بعدد من الطرق الصوفيّة التي انتشرت في تلك المناطق والتي تصاحب بعض ممارساتها عدداً من العادات التّقاليد والممارسات الصوفية المحلية مثل ما هو موجود في منطقة توات (ولاية أدرار حالياً) حيث تعتبر من المناطق التي انتشرت بها الطريقة الطيبية أو الوزانية.
البراح
ما تزال الأخبار والمعلومات في كثير من قرى وقصور منطقة توات تُتداول عن طريق البَرَاح وهو ذلك الشخص الذي ينقل المعلومات والأخبار إلى أهل القصر فهو بمثابة وسيلة إعلامية لنقل كل ما يستجد في القصر من أخبار ومعلومات تخصّ الإعلان عن الوفيات ومواقيت وأماكن الصلاة عليها وأيضاً الولائم خصوصاً العامة منها أو ما يُطلق عليها السَّلْكَه عْلَى حَدّْ المُكَلفْ والتي يُستدعى إليها كل المُكلّفين أي كل من وصل سنّ البلوغ وأيضاً يُكلّف البَرّاح باستدعاء الناس إلى ما تُسمى محلياً ب تْوِيزَه . وهذه الأخيرة كلمة أمازيغيّة تعني التعاون فكلّما احتاج الناس إلى حفر بئر تنقية ساقية من السواقي من أتربة الرياح أو وضع سدّ من سعف النخيل لمنع تقدّم الرياح أو بناء مشروع عمومي كالمساجد أو الزوايا أو دار السبيل (المُسماة محليا دارْ الزَّاوْية ) أو غيرها من الموضوعات الأخرى كلّما احتاج الناس إلى ذلك تمّ تكليف البراح بالقيام بإعلام الناس.ويكون هذا الإعلان عادة في المناطق العمومية والتي تشهد حضور عدد كبير من سكان القصر وتبدأ عملية الْبْرِيحْ بقول البَرَّاحْ: سمعوا يا السامعين ما تسمعوا الخير والعافية ثم يذكر بعدها الموضوع.
مدائح السُّلوك والحُفُوضْ
إنّ ممّا تفتخر به مناطق القطر الجزائري عموما ومنطقة توات بأخص الخصوص هو وجود الزوايا القرآنية والتي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتوجد تقريبا على مستوى كل قصر من قصور المنطقة إمّا في شكل زاوية أو كتَّاب. والزاوية هي التي تدرّس القرآن وعلومه والفقه والحديث ويدرّس فيها طلبة من مختلف المناطق وعادة تكون ذات هيكل مستقل بذاته أمّا الكتاب فعادة لا يحفظ فيه إلا القرآن الكريم ويدرس به فقط طلبة من القصر أو المكان الذي يوجد به وعادة ما يكون تابعا لمسجد من المساجد .
اللباس الخاص و أطباق التمر و اللبن
وتجرى كل عملية الاحتفال من إلباس داخل البيت وفي الوقت الذي يكون الأولاد يلبسون لباسهم تحضر أطباق التمر واللبن ثمّ بعد الانتهاء من كل ذلك يخرج السالكون والحافظون جميعا إلى المسجد يلتقون فيه جميعا مع كلّ المدعوين ويجلس الشيخ أو الطالب في المقدمة وتحضر الألواح وقد كتب عليها ثمن الحزب الذي يبدأ ب يستبشرون بنعمة من الله وفضل ... إلى نهايته بالنسبة للسالكين أمّا الحافظين للقرآن من بدايته أي من الحمد لله رب العالمين والثمن الأول من سورة البقرة فيأخذ الشيخ قلما ودواة ويشرع في القراءة وهم يردّدون معه. يبدأ بالسالكين ثمّ الحافظين وهو إذ ذاك يقوم بعملية تشكيل الكلمات وفي الأخير تقام ما تسمى الفاتْحة أو الدعاء ثمّ في الأخير توزّع أطباق التمر والحليب على الحاضرين ليخرج الكلّ بعدها للقيام بعملية التطواف بالسالكين والحافظين عبر بعض الأماكن المجودة في القرية أو القصر وسنأخذ مثالا على ذلك قصر زاوية كنته.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 29/09/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com