أرجع عدد من الأساتذة في علم الاجتماع الانتشار غير المسبوق لجرائم القتل في المجتمع الجزائري، إلى ضياع القيم، ممثلة في الصدق والأخلاق والأمانة والتضامن والرأفة، ليحل محلها السعي وراء كل ما هو مادي حتى وإن كانت الوسيلة المتبعة هي إزهاق الأرواح.ليس هناك أي مبرر لجرائم القتل إلا عندما يتعلق الأمر بحالات الدفاع عن النفس، يقول عبد الودود نجيب، أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة، "مجتمعنا للأسف الشديد، ضيع الكثير من قيمه وهويته وابتعد كثيرا عن أصول التربية المبنية على قواعد الدين والخوف من الله، وفتح المجال واسعا أمام مختلف الأمراض النفسية الدفينة، لتتحكم فيه، كالحسد والغيرة والبغض، ولعل ما زاد الطين بلة، الطريقة التي يجري بها التعامل مع مثل هذه الجرائم التي يتم في أغلب الأحيان الحكم على مقترفيها بالمؤبد، بالتالي الطريقة التي يعاقب بها الفاعلون تفتقر للصرامة، الأمر الذي غيب مبدأ الاعتبار، أي أخذ العبرة، والنتيجة تفشي الجرائم بشكل غير مسبوق".يطرح الأستاذ نجيب السؤال التالي: لماذا أصبح الجزائري يعالج مشاكله باللجوء إلى العنف؟ ويجيب قائلا: في اعتقادي، التفسير الوحيد هو الاعتماد على لغة العنف في تحصيل الحقوق، فالمفروض أن الاختلاف في الرأي لا يقودنا إلى القتال، لكن الواقع يثبت لنا العكس، الأمرالذي أثر على تركيبة مجتمعنا بطريقة سلبية.ويضيف الأستاذ نجيب بأن الحل الوحيد لمعالجة مختلف الجرائم على اختلافها، هو الرجوع أولا إلى ثقافتنا وديننا، والابتعاد عن تعليق ما نعانيه من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية على الغير، ومواجهة ذلك بتحمل كل طرف لمسؤولياته، وثانيا ينبغي على السلطة ألا تتساهل في معالجة القضايا المتعلقة بالقتل والتنكيل عن طريق تطبيق ما جاء في الشريعة، أي أن القاتل لا يعاقب إلا بالقتل ليعم الهدوء والسكينة".من جهته، أرجع ياسين مشتة، أستاذ في علم الاجتماع بجامعة بوزريعة، تفشي جرائم القتل في المجتمع الجزائري إلى التأثر الكبير بالثقافة الغربية التي نجحت عن طريق مختلف وسائل الاتصال الحديثة، كالأنترنت، في الترويج لنمط حياة معين قائم على العنف في معالجة مختلف المشاكل، الأمر الذي انعكس سلبا على الثقافة المحلية، وتحديدا في الجانب الديني، حيث أصبح أغلب الشباب يعانون فراغا دينيا رهيبا، وفي النتيجة "برزت مجموعة من الأمراض النفسية، يأتي على رأسها مرض "الهزيمة النفسية" التي يشعر معها الفرد بأنه مشلول فكريا، الأمر الذي يقوده إلى فقدان الأمل في الحياة، ولعل من نتائج ذلك؛ لجوؤه إلى تضييع الوقت الذي يتزامن وضعف اليقين، وفي مرحلة من مراحل حياته، يرغب في التعبير عما يختلج بداخله في شكل أفعال، وعند أول مشكل يواجهه، سواء كان ماليا أو اجتماعيا، بغض النظر عن حجمه، يرتكب بعض الأفعال الإجرامية التي يعبر بارتكابها عن حالته النفسية التي أضحت اليوم تتجسد في جرائم القتل والتنكيل.إصلاح المجتمع وإعادة تقويمه صعب، لكنه غير مستحيل، حسب الأستاذ ياسين، يكفي فقط التشبع بالقيم الدينية التي لم نعد نعيرها الاهتمام المطلوب، والوقوف على حقيقية العبادات القلبية فيما يتعلق بالتوكل على الله، بتبني قاعدة "احفظ الله يحفظك"، إلى جانب التأكيد على فكرة المسؤولية، أي على كل فرد في المجتمع أن يتحمل مسؤولياته، فالأسرة مطالبة بالسعي إلى تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية صحية، والمدرسة مطالبة بأداء دورها التربوي والتوجيهي، مع ضرورة إعادة برمجة الأفراد نفسيا واجتماعيا، بالاعتماد على قواعد البرمجة العصبية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/11/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com