هذا ابن عم ورع واعطاه الله من الخير الكثير وافادنا بهذا العطر الجميل من سرد لواقع تاريخ مهم لابناء جاكن في كثير من انحاء القطر العربي فجزاه الله خيرا
محمد بن احمد بن احمد بابا
قال لي أبي : لمّا عشتُ صباي ـ وحيدا في كنف أمي وخالتي ولا أرى من أقاربي وذوي رحمي سوى قصصاً وحكاياتٍ وأسماءً تتردّد في مسامعي منهما أو من والدي عندما يبدأ في سرد حكاية هجرته ـ عندها شغفت برؤية قرابتي ..
ومنذ أن اعتمدتُ بعد الله عزّ وجل على نفسي في ترتيب أمور حياتي وعيشي وأنا أنتهز الفرص للوقوف عن كثب على من يمتّون إليّ بنسبٍ رؤيةً وزيارةً وصلةَ رحم ..
فبدأت بالسّفر برفقة خالتي لزيارة والدتها وهي عائشة بنت محمد آدّ من أصل قبيليّ في الجنوب الليبي (جدّتي) في مجاهل تركيا قرية (قوزان) في الجنوب وكم كانت فرحتي برؤيتها ورؤية أخوالي الثلاثة هناك الأفاضل (عبدالرحمن وأحمدّو وعبدالجليل) أبناء محمد السالك من أشراف الجنوب الموريتاني وأبنائهم وأحفادهم رغم أن اللغة وقفت عائقا دون مزيد من التواصل مع الجيل الصغير منهم ..
وأتيتُ الأردن أيضا لزيارة خالي الأكبر (الشيخ العالم محمد بن محمد السالك) الذي بقي في الأردن وبنى مسجداً في الجبل الهاشمي الشمالي مازال يعرف حتى اليوم واشتهر بالتعليم والإفتاء على مستوى الأردن بأحمعه ..
وقدِمتُ إلى ليبيا في عام 1369م وتجوّلت في جنوبها بحثاً عن أخوال والدتي من قبائل (كَلَنْصَرْ) و (مَنْغَسَاتِنْ) و(كِيلَسوكْ) حتى وصلت إلى مدينتي (سبْها) و(أَوْباري) والتقيت بأبناء عمومة جدّتي وأقاربهم من (الطوارق) وكانوا شيوخ تلك المنطقة نسباً وعلماً وكرماً ..
وزرتُ الجزائر وتوغّلت حتى مدينة (بشًّار) ومنها إلى (تِينْدوف) مُنْطَلَق القبيلة الجَكَنيَّة التي أنتمي إليها ونعمْتُ بضيافة وإكرامٍ منقطع النظير من كوكبة فاضلة من أبناء العمّ هناك الذين حرصوا رغم جنسيّتهم الجزائرية على أن يكون لقبهم العائلي في أسمائهم الرسميّة لجميعهم هو(الجكاني) نسبة لأصلهم ..
وفي سنة من السّنوات أيضا ذهبتُ إلى السودان وكانت في الزمن القديم أيام هجرة الشناقطة من (موريتانيا) آخر محطّة الرحلة البرية لهم فكانوا يصلون إلى (بور سودان) ويستقِلّون البواخر الشراعية لجدة ومن ثمّ إلى الحجاز . وزرتُ في السودان عددا غفيرا من الشناقطة هناك وكان السودانيون يسمّونهم الأشراف نظراً لعلمهم وفضلهم ومنهم الشيخ الفاضل (محمد صالح الشنقيطي) الذي أصبح رئيساً للبرلمان السوداني في زمن من الأزمان وسُمّي باسمه شارع رئيس بأم درمان ..
وكنتُ قبلها قد زرتُ المغرب وفيها جمع غفير من أبناء عمومتنا والكثير الكثير من الشناقطة المستوطنين في أنحاء المملكة المغربية فقد كان كل ما هو غرب مصر يسمى (المغرب العربي) قبل أن تفصل الحدود الجغرافية بين الأقارب وأبناء الأصل الواحد ، وفي المغرب التقيت بعائلة(البيضاوي) وكان جدهم هو (باشا تارودانِتْ) بمعنى عمدة المدينة أو القرية ولهذه العائلة أثر علمي ومهني كبير في عامة المغرب ..
أمّا (مصر) أرض الكنانة فقد تردّدتُ عليها كثيرا وفي أزمنة متقطّعة وكان يسكنها كثير من (الموريتانيين) إما للعمل أو الدراسة مستعطِرين بسيرة فوّاحة لأثر علمي كبير تركه الأجداد العلماء هناك مثل الشيخين الفاضلين (أبناء ميايبا) وقبلهم العالم الفذ المشهور (محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي) وكذلك العالم الشيخ الفاضل (محمد عبدالله بن زيدان الشنقيطي) الذي ذكره الشيخ محمد متولي شعراوي في مذكّراته أنه من مشائخه ، وكذلك (محمد حبيب الله بين ميابا الشّنقيطي) صاحب كتاب : زاد المسلم فيما تّفق عليه البخاري ومسلم ..
حتّى أتى عام (1980م) وقرّرْتُ زيارة البلد الأم (بلاد شنقيط موريتانيا) برفقة صديق العمر والأخ العزيز (القاضي بن عبدالجبار الشنقيطي) رحمه الله تعالى واتيتُ فعلاً لموطنهم هناك في الجنوب الموريتاني ما يسمى (القِبْلة) وهي مناطق (الرّكيز) و(النّباك) و (تِنْهمّد) و (آجوير) و (أمّيْسيّة) والتقيت هناك بحمد الله بأعمامي إخوة والدي قبل وفاتهما (محمدْ ومحمداً) رحمهما الله تعالى وسعدت طيلة شهر كامل بلقاء لم اعرف ولن أعرف مثله على الإطلاق رغم فقرهم وعوزهم وعيشتهم القروية والبدائية هناك . وزرتُ أيضا (الخِزْباري) وهي بئر يقطن عندها أخوالي أهل والدة أبناء (العطّاي) من (أهل الحاجْ الغُربي) وفيهم الكثير من المعمّرين سنّا والعلماء الأثرين الذين يحفظون العلم عن ظهر قلب رغم تقدّمهم في السن ..
وجئْتُ كذلك لتونس الخضراء في بعثة للعمل من قبل الجامعة الإسلامية والتقيت هناك بعدد كبير من أقاربنا وأهلنا الأكارم الذين استوطنوا ذلك البلد وحملوا جنسيته ومازالوا يحنّون للتواصل مع أهلهم وذويهم ..
وكنتُ في ذلك كلّه وغيره ليس من الأهداف سوى (صلة الرحم) رغم المشقة وعناء السفر رغبة أن يكتب الله لي من الأجر ما عجِزْتُ عن تحصيله في عبادته وأن يعود ذلك بالتوفيق عليَّ وعلى أبنائي وذرّيتي من بعدي ..
فاعلم يا بني : بأن صلة الرّحم من أورع المشاعر العاطفية التي تسكن نفس الإنسان وتجعل منه عزيزا في أهله وذويه فضلا عن كونها ركيزة دينية عظيمة حثّ الشارع الكريم عليها فوصل من وصلها وقطع من قطعها ..
تاريخ الإضافة : 26/08/2010
مضاف من طرف : bou3lam
صاحب المقال : انا
المصدر : من هنا