فتح قاهر الألمان ومبدع "الغراف"، صالح عصاد، قلبه ل"البلاد" بعد سنوات من الصمت التام، ليعيدنا إلى الوراء ويذكرنا بالماضي الحافل الذي دون فيه أحرفه من ذهب في المنتخب الوطني، كيف لا وقد بنى المدرب الوطني السابق اليوغوسلافي رايكوف خطة لعب "الأفناك" على صالح عصاد الذي كان الركيزة في المنتخب دون أي منازع. وتطرق عصاد في هذا الجزء الأول من الحوار إلى عدة أمور هامة تتعلق بمسيرته مع الخضر وملحمة خيخون وبعض الأمور الطريفة والشيقة.في البداية، نشكرك على استضافتنا وموافقتك على طلبنا.
لا شكر على واجب.
لما اختفى صالح عصاد وما سر غيابك عن الوسط الكروي الجزائري؟
أنا لم أختف بل موجود في القبة رفقة العائلة الكريمة وأساير حياتي اليومية مثل كل الجزائريين. أستيقظ في الصباح، أمشي قليلا ثم أتوجه بعد ذلك إلي الدكان ثم أذهب بعد ذلك إلى المقهي لارتشاف فنجان قهوة. صحيح أن حياتي اليومية أبعد ما يكون عن الرياضة لكن الوسط الكروي المتعفن أجبرني على ذلك. ولو قارنا الوسط الكروي الحالي بوقتنا، نجد أن هناك فرقا شاسعا من حيث التربية. كما أن اختفاء معاقل الأنصار التي كانت بوابة لتربية الأنصار عجلت بتراجع مستوى الوسط الكروي.
هل تجربتك كمناجير عام لفريق رائد القبة أجبرتك على طي صفحة الكرة الجزائرية دفعة واحدة وإلى الأبد؟
لكي أوضح الأمور أكثر، شغلت منصب مستشار في رائد القبة، وكانت الأمور في البداية تبشر بالخير مع وجود بعض الوجوه الكروية المعروفة في النادي التي أقنعتني بالعودة وهو ما وافقت عليه، خاصة أن العودة إلى فريق القلب شكلت بالنسبة إليّ علاجا للماضي الأسود الذي عشته في "لوزيانة" (يقصد رڤان)، لكن ما وجدته أمر غير معقول ولا يصدق، ولا يقارن بوقتنا حيث كان المسير مربيا ويعملنا كيف نحترم الآخرين بل أيضا يقوم بتحسيسنا وتعليمنا، الأمر الذي لم أجده في القبة، ووجدت في المقابل شبانا يصارعون المشاكل التي تأتيهم من كل حدب وصوب. باختصار وجدت فريقا مهجورا ولم نجد حتى أماكن للاجتماع، وكنا في كل مرة نجتمع عند أحد الممولين الذي يجود علينا بمكتبه. كانت تلك الظروف والعوامل غير مشجعة على الإطلاق جعلتنا لا نقوى على توعية الشبان وتعليمهم. وبودي إضافة شيء مهم.
* ما هو، تفضل؟
* أين هو الاحتراف الذي يتحدث فيه اللاعب في كل مرة عن المستحقات العالقة وعن أمواله؟ لا أثر لوجود احتراف في الجزائر.
هل يتابع صالح أخبار البطولة الوطنية والأندية العاصمية، وهل لنا أن نعرف انطباعاتك حول الاحتراف في كرة القدم بالجزائر؟
والله لا أملك أدنى معلومة حول البطولة الوطنية وكيف تسير الأمور الكروية في الجزائر. طلقت كرة القدم الجزائرية إلى الأبد، ولا أتابع حاليا لا بطولة الرابطة الثانية ولا بطولة الرابطة الأولى، باستناء المنتخب الوطني الذي أتابع مبارياته أحيانا، ونادرا ما أشاهد مباراة خاصة بالبطولة لا سيما الدرابيات. ومجنون من كان يقول إنه يأتي يوما يبتعد فيه صالح عصاد عن الوسط الكروي، لكن للأسف هذه هي الحقيقة. وفي المقابل أسمع أخبارا من بعض الأصدقاء وبمجرد سماعها أتمسك بموقفي ويزيد بعدي عن الكرة الجزائرية.
ما رأيك في الوضعية التي يعيشها فريقك السابق رائد القبة الذي تدحرج إلى بطولة القسم الثاني هواة؟
المشكل لا يكمن فقط في رائد القبة بل كل الأندية الجزائرية والبطولة الوطنية على حد السواء، كشبيبة القبائل، وشباب بلوزداد واتحاد العاصمة ومولودية وهران. أما عن رائد القبة فهو فريق طفولتي وحيّ وهو ناد عريق يعتمد بالدرجة الأولى على التكوين، أي أن اللاعبين الذين يقطنون في الضواحي المجاورة يختارون هذا النادي من أجل التكوين. أما عن السبب الرئيسي الذي جعل الرائد يتدحرج إلى البطولات السفلى فيكمن في عدم وجود استقرار إداري مما جعل جل النوادي تخطف أي لاعب يتألق ويظهر في الواجهة.
هل من توضيح أكثر من فضلك؟
كل الأندية الجزائرية تعيش الوضعية نفسها سواء تعلق الأمر بالأندية العاصمية الكبرى أو الصغرى. باختصار هناك مبالغ مالية لتسيير الأندية الجزائرية وفي حال غيابها تعجز الفرق عن بلوغ الأهداف.
ما جديد نجليك اللذين كانا ينشطان في رائد القبة؟
كرة القدم موهبة من الرب عز وجل ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون وراثية، ولا تنطبق مقولة ذلك الشبل من ذاك الأسد عليها، والدليل على ذلك والدي الذي كان متفوقا في الدراسة وبلغ درجات عليا في التعليم، أما أنا فلم أختر طريقه وفضلت شق طريقي في كرة القدم. أما بشأن نجلاي فالأول كان ينشط ظهيرا أيمن، والثاني مثلي يلعب كمهاجم وكان متفوقا، إلا أن مجيء ربراب جعل كل الشبان يهمشون، وابني المهاجم كان يعد بالكثير وكان لديه مستقبل واعد في كرة القدم والدليل على ذلك هو ذكاؤه، حيث كان مدربه يضعه في وضعيات صعبة إلا أنه كان يجد دائما الحل المناسب. لكن سوء التأطير حال دون مواصلته المشوار وبسبب أناس دخلاء على كرة القدم ضيع ابني مستقبلا زاهرا.
ما السبب الرئيسي الذي جعلك لا تتقمص ألوان شبيبة القبائل بالرغم من أصولك الأمازيغية؟
صحيح أن قبائلي الأصل، لكن المهم ليس ذلك بل هو أنني جزائري ومسلم. أما عن السبب الذي حال دون تقمصي ألوان الشبيبة فيكمن في إمضائي لرائد القبة. وكما هو معلوم فالأمور كانت صعبة للغاية لكي يتنقل لاعب من فريق إلى آخر. فالشبيبة تمسكت بي وأراد مسيروها أن يضموني إلى التشكيلة، وكانوا يرغبون حتى في تغيير القانون الخاص بتنقل اللاعبين وحتى اتحاد العاصمة، لكن الأمور بقيت مجمدة ولم أتمكن من الحصول على وثيقة تسريحي. باختصار شديد، الاستقرار كان لغة الأندية واللاعب كان يستمر في النادي على المدى الطويل، وحتى المدربون، وهو ما جعل كرة القدم تتطور ومستواها يرتقي.
* هلا حدثتنا عن أول مباراة لك مع الأكابر؟
* أول مباراة لي مع أكابر رائد القبة كانت ضد مولودية الجزائر وكانت سني لا تتعدى 16 ربيعا، وكان وقتها عميروش مدربا ولاعبا في آن واحد، وطلب مني أن أشارك ضد فريق المولودية، وكنت يومها أعاني من إصابة على مستوى الكاحل تعرضت لها في ملعب زيوي. وعلى الرغم من ذلك ألح عليّ عميروش وقال لي بالحرف الواحد إن هذه الفرصة قد لا تتاح لك مستقبلا، وطلب مني أن أغتنمها مادام هو المدرب، ولعبت أول مواجهة لي ضد المولودية في ملعب 20 أوت. ولن أنسى ذلك اللقاء لأنه الأول في مسيرتي كلاعب في صنف الأكابر، واللعب ضد دراوي وعمر وباشطا وزنير أمر لا أنساه، وقدمت أداء في المستوى بدليل أن الجمهور الذي كان حاضرا يومها وقف وصفق لي مطولا، وانتهت نتيجة ذلك اللقاء بالتعادل الإيجابي بين الفريق 1-1. وقد حفزني ذلك اللقاء على مواصلة مشواري الكروي بخطى ثابتة.
* متى كانت أول مشاركة لك مع المنتخب الوطني؟
* أول مشاركة لي مع المنتخب الوطني كانت قبل الألعاب الإفريقية وكانت ضد السينغال. أما عن المشاركة التي لا أنساها مع الخضر فكانت خلال الألعاب الإفريقية، وتحديدا في مواجهة مصر، حيث كان هذا المنتخب متفوقا بنتيجة 10، وتحصلنا بعدها على ضربة جزاء تكفل بتنفيذها اللاعب بتروني لأنه كان الأكثر خبرة والأكبر سنا، لكن المدرب رشيد مخلوفي قام من مكانه من على دكة البدلاء وطلب من بتروني أن يترك لي الكرة لكي أنفذ ضربة الجزاء، وشاهدت وقتها عمر بتروني يحتج على القرار تخوفا من تضييعي ضربة الجزاء، ونظرت إلى وجهه قبل تنفيذ الضربة وقلت له هل أسدد الضربة في المكان المعتاد لكي أرفع من معنوياته خاصة أنني كنت واثقا من تسجيلها، ووضعت بعدها الكرة في نقطة الجزاء ولم أترك مسافة كبيرة بيني وبين الكرة ونفذت الضربة بنجاح، معلنا هدف التعادل لصالح المنتخب الوطني.
* ماذا حدث بعد تسجيلك هدف التعادل أمام المنتخب المصري؟
* كما تعلمون أن ضربة الجزاء تتطلب برودة دم وأنا كنت واثقا من تسجيلها، ومباشرة بعد تسجيلها توجهت نحو زملائي وتقاسمت معهم فرحة الهدف وفرحة تعديل النتيجة. باختصار شديد كنا مجموعة متكاملة وكان كل لاعب واثقا من إمكانياته ويتحمل كامل مسؤولياته.
* ما سر اختيارك الرقم 3 مع المنتخب الوطني رغم أنك كنت مهاجما؟
* رشيد مخلوفي منحنا حرية اختيار الأرقام لكي ينزع من أذهاننا الأفكار السيئة والخرافات، الأمر الذي جعلني أختار الرقم 3، خاصة أنني كنت دائما أميل إلى اختيار رقم فردي موحد وكنت أكره الرقم 11 ولا تسألني لماذا، لأنني لا أعلم.
* نعود بك إلى الوراء وقصتك مع "الغراف"، متى بدأت استعمال تلك اللقطة الفنية الفريدة من نوعها؟ وما سر نجاحك في استعمالها في كل المباريات؟
* "الغراف" هو إحدى طرق المراوغة التي تعلمتها منذ الصغر، وكانت سني لا تتعدى السابعة، كنت أستعمل هذه النوع من المراوغة في ساحة وسط المدينة، وكما هو معلوم، عندما يكون المرء في أولى خطواته يريد أن يبدع أمورا يتميز بها، وأنا أبدعت "الغراف"، وأنجزت تلك اللقطة بالحجارة وبالورق المقوى بعدما كررتها عدة مرات. ولكي أكون أكثر وضوحا فإن تلك اللقطة صعبة للغاية خاصة أنها تتطلب السرعة الفائقة لإنجازها.
*ما هي المباراة التي استعملت فيها "الغراف" ونجحت في تغيير نتيجتها؟
* قمت بالغراف عندما كنت في صنف الأشبال، واللاعب الذي أراد أن يوقفني نقل على جناح السرعة إلى المستشفى. وعاودت الكرة في صنف الأكابر فحدث الشيء نفسه مع المدافع الذي أراد أن يتصدى لمحاولتي ونقل إلى المستشفى. والشيء الذي ساعدني على إنجاح "الغراف"، هو قلة وسائل الإعلام، وكانت الجماهير تتابع الأخبار في التلفزيون فقط ولم يكن الأمر كافيا للترويج لتلك اللقطة الفنية، رغم أنني استعملت "الغراف" مع نصر حسين داي، شباب بلوزداد، مولودية الجزائر وغيرها من الأندية.
* وهل تركت بصمتك باستعمالك "الغراف" مع المنتخب الوطني؟
* أتذكر جيدا المباراة الودية التي لعبتها مع المنتخب الوطني ضد فريق بوردو، وكان وقتها المدافع الأيمن الألماني روهر ينشط في النادي الفرنسي، ففي الوقت الذي كان فيه روهر يفكر في إيقافي باستعمال بنيته المرفولوجية، خططت لاستعمال "الغراف" للتخلص منه، وصدقني، أنني عبثت بروهر يومها، إذ إنه لم يشاهد سوى سرعة الكرة ولم يشاهدني كيف تخلصت منه وكيف مررت بقوة، بدليل أنني واصلت زحفي نحو المرمى وقمت بالتوزيع بقوة وارتطمت الكرة في صد أحد المدافعين وزارت الشباك. وكان روهر لا يزال يتدحرج على الجهة اليمني، وشمت فيه زملاءه الذين ضحكوا مطولا على اللقطة وعلى الطريقة التي عبثت فيها بذلك اللاعب. وقد بقيت تلك اللقطة عالقة وذكرى سيئة في مسيرة روهر، كما أن عدسة الكاميرا التابعة للتلفزيون الفرنسي عجزت عن التقاط اللقطة كاملة بسبب سرعة التنفيذ، وأصبحت أشكل كابوسا حقيقا للاعب روهر.
* كيف كنت كابوسا حقيقيا للاعب روهر ولم تواجهه سوى مرة واحدة؟
* عندما انضممت إلى نادي "ميلوز" قص عليّ لاعب المنتخب الفرنسي سابقا والمدرب الحالي لمنتخب السينغال آلان جيراس قصة طريفة خاصة باللاعب روهر، عندما التفينا في حفل تكريمي نظمته الاتحادية الفرنسية، حيث تحصلت على لقب أحسن لاعب أجبني وتحصل هو على لقب أحسن رقم 10 في البطولة الفرنسية، وقال لي جيراس إنه خلال مواجهة المنتخب الفرنسي أمام نظيره الألماني كان يستفز روهر بمقولة بلومي وماجر وعصاد لكي يفقدونه تركيزه لأنه كان مدافعا قويا. وعندما واجهت روهر مجددا في الدوري الفرنسي أعدت له اللقطة نفسها التي خرج على إثرها مصابا. في الحقيقة أن الإصابة كانت حجة فقط أراد روهر من خلالها تفادي المهزلة فقط ولا يكمل اللقاء.
يكشف صالح عصاد في الجزاء الثاني من الحوار عن عدة أمور هامة، على كمساعدة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد له على الاحتراف في نادي ميلوز والأسباب التي حالت دون تأهل المنتخب الوطني إلى الدور الثاني من مونديال 82 والخروج المبكر للخضر من مونديال 86.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/07/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : وليد حمدادو
المصدر : www.elbilad.net