الجزائر - Houari Boumediene

صالح بن قبي للشروق: بومدين هدّد الحسن الثاني بعدم حضور القمة الإفريقية سنة 1972 ‬إذا لم يمض على اتفاقية الحدود



صالح  بن  قبي للشروق: بومدين  هدّد  الحسن  الثاني  بعدم حضور  القمة  الإفريقية  سنة  1972 ‬إذا  لم  يمض  على  اتفاقية الحدود
السفير الجزائري الأسبق صالح بن قبي
* بومدين رحل بنفس الطريقة التي رحل بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات

كشف السفير الجزائري الأسبق صالح بن قبي، أن الرئيس الراحل هواري بومدين، أرغم ملك المغرب الحسن الثاني على توقيع اتفاقية الحدود، بعد أن هدّده بمقاطعة القمة الإفريقية الثانية التي انعقدت بفاس، كما تحدث قبي في لقاء جمعه بـ"الشروق" في بيته عن خلفية بعض السياسات التي اعتمدها بومدين في تسيير شؤون البلاد والتي جعلته محل انتقاد لدى خصومه .

معظم كتاباتك عن التاريخ الجزائري، هل تعتقد أن ما كتب حتى اليوم عن ثورة نوفمبر كاف؟
أنا متأسف مما آل إليه تاريخ ثورتنا، الشعوب الأخرى صنعت تاريخها من العدم ونحن أصحاب تاريخ مجيد أهملناه، وتحوّلت أمجاده إلى موضع خصام، انتصارنا على أكبر دولة استعمارية بأسلحة بسيطة جعلتنا اليوم محل تجاذب بين المغرضين وحتى بين أبناء الثورة، حتى أصبح الشهيد عميروش مثلا متهما بالخيانة، وإذا أنصتنا إلى أصحاب هذه الادعاءات نجد أن الثورة ونجاحها مبني على ماقاله الجنيرال ديغول، بينما الحقيقة هي غير ذلك لأن الاستقلال كان نتيجة حتمية للثورات التي قادها الشعب الجزائري في كل مناطق التراب الوطني تمسكا بحريته وحبه لأرضه وعزمه الصادق .

هل تعتقد أن هناك جوانب كثيرة لم يكتب عنها في الثورة الجزائرية؟
لم يقل إلا القليل عن ثورتنا وأكثر ما كتب عنها كان بأقلام غربية، أما ما كتبه الجزائريون فلا يعدو أن يكون شهادات شخصية لأشخاص عاشوا الأحداث ويفتقدون لنظرة شاملة عن أمجاد الجزائر، فعندما نتحدث عن فرحات عباس مثلا يجب أن نعرف أنه عاش مراحل مختلفة من الثورة، بدءا بالفترة التي كان ينتمي إليها، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأنه اضطر إلى التراجع عن مطلب الاندماج الذي ينادي به أو إنشاء جمهورية جزائرية تحت وصاية فرنسية، بعد أن أدرك رفض الشعب للفكرة واستماتته من أجل الحرية جعله يغيّر رأيه.

كنت سفيرا في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، كيف وجدته من خلال تعاملك معه؟
كان رجلا فذا وصاحب شخصية قوية، لديه سعة اطلاع وصاحب ثقافة عربية إسلامية واسعة، أخذها من دراسته في الزوايا، وكانت آخر محطة له في الكتانية بقسنطينة، غير أنه واعتمادا على نفسه استطاع أن يترقى في كل مناصب القيادة، سواء في فترة الكفاح المسلح أو بعد الاستقلال، وشاءت الأقدار أن ألتقيه في زفاف المرحوم خميستي 1962، وبقينا منذ ذلك الحين أصدقاء إلى أن استدعاني ليكلفني بمهمة سفير في موريتانيا، وهو الأمر الذي سمح لي بأن أكون قريبا منه في مناسبات عديدة، أين كنت ألتقيه للتشاور معه وإبلاغه بفحوى المهام التي يكلفني بها بموريتانيا التي كان يوليها اهتماما خاصا .

كيف كانت نظرته إلى دول الجوار؟

يمكنني أن أتحدث عن موريتانيا بصفتي كنت سفيرا للجزائر بها، ويكفي أن أقول أنه كان يعيرها أهمية كبرى رغم افتقارها إلى كل مؤهلات الدولة آنذاك، التي بإمكانها أن تصمد أمام التحديات المختلفة، ورغم ذلك فإن المرحوم بومدين كان يحاول بكل الطاقات المتوفرة لديه إعطاء هذا البلد الجار كل مؤهلات الثبات والارتقاء إلى مصاف الدول الكبيرة، لدرجة أن الموريتانيين أنفسهم طالبوا بالاندماج في الجزائر لأنهم كانوا يدركون مقدار المعزة التي كانت تكنها لهم الجزائر، وكانت هناك مشاريع عديدة لتشييد صرح المغرب الكبير، لكن الأقدار سارت عكس ذلك، حيث ساءت بعدها ظروف البلدان النامية وخاصة العربية الإسلامية، بعد أن ابتليت بعضها بالعنف المنسوب للإسلام ظلما .

هذا يعني أن بومدين كان يؤمن إلى حد بعيد بفكرة الوطن المغاربي الكبير؟

كان ينتمي إلى جيل ترسخت لديه هذه الفكرة، وموقع الوسط الذي تحتله الجزائر في المغرب جعلها تسعى لتشييد هذا الصرح منذ مطلع الاستقلال، كما أن توّسطها دول المغرب العربي أعطاها شعورا بضرورة العمل من أجل الوحدة ولم الشمل، ومن ثمة فإن بومدين ورغم تربيته البسيطة وثقافته العربية المحضة استطاع أن يرقى إلى مستوى كبار المسؤولين في الدول النامية، حيث توّج عمله في ثورة نوفمبر بالسعي نحو لم شمل المغرب العربي .

قيل وكتب الكثير عن شخصية بومدين، إلا أننا نشعر في كل مرة بحاجتنا إلى اكتشاف هذا الرجل أكثر، فما السبب ياترى؟
يكذب من يقول إنه يعرف بومدين، لأنه كان إنسانا كتوما جدا، ونادرا ما يبوح بشيء، اللهم إلا بعض المقربين جدا منه، وتبقى صرامته وعدم تساهله مع الأمور أكثر ما يميزه .

بالتأكيد هو الجانب الذي جعله يتمتع بهيبة بين زعماء الدول وأكسبه احترام شعبه خاصة؟

هذا صحيح، ففي سنة 1972 كان يقوم بزيارة رسمية إلى غينيا وفي طريق العودة توقف في موريتانيا، أين كنت سفيرا، وأذكر أن تلك الزيارة تزامنت مع موعد انعقاد القمة الإفريقية الـ12 للاتحاد الإفريقي، وفي حدود الساعة الواحدة صباحا فوجئت باتصال هاتفي من أحمد بن هيمة الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للخارجية بالمغرب، حيث طلب مني أن أسأله عن موعد وصوله إلى المغرب للمشاركة في القمة التي كانت ستعقد بفاس، ولدى إخبار بومدين بفحوى المكالمة الهاتفية التي تلقيتها غضب غضبا شديدا، وقال لي بالحرف "أولا، قل له هل هم مستعدون لتوقيع اتفاقية الحدود، ثم نتحدث عن موعد وصولي إلى المغرب، وأنتم تعلمون أنه في سنة 1963 جرت معركة بيننا وبين المغرب على منطقة تندوف وانتصرنا عليهم، لكن بقي الحال على ما كان عليه وبقيت الأوضاع عالقة بدون اتفاقية رسمية، فقمت بالاتصال بوزير الخارجية المغربية وأخبرته بما قاله بومدين، فرد علي بقوله "جلالة الملك بفاس ولا يمكنني الاتصال به"، وبعد نصف ساعة رنّ هاتفي، وإذا به أحمد بن هيمة الذي أخبرني بأن جلالة الملك قبل شرط التوقيع على الاتفاقية، وهكذا وقعت الاتفاقية بعد أن رفض بومدين الذهاب إلى الرباط للمشاركة في القمة الإفريقية التي انعقدت بالمغرب، وكان دائما يرى ضرورة العمل في وحدة مع صفاء الأجواء بين البلدان العربية، خاصة وأن أكبر قنبلة موقوتة تركها المستعمر هي قضية الحدود، ولو حاولت كل دولة رسم حدودها كما تراها هي، لدخلنا في متاهات تغرق القارة السمراء في حروب أهلية، ولهذا كان بومدين يرى أولوية وضع حل نهائي للأزمة، وهو احترام الحدود الموروثة من الزمن الاستعماري، وعوض أن تكون حدودا تصبح جسورا للتعاون، ولهذا في عهده وقع بومدين اتفاقيات مع المغرب ومع مالي والنيجر وكذلك مع ليبيا، كما كان يشجع البلدان الأخرى على الوصول إلى نفس النتائج مع جاراتها حتى نتجاوز تلك المرحلة، ونصل إلى مرحلة الوحدة للتفكير في العمل المشترك، والمعروف أن العمل الذي أدّاه بومدين من أجل القارة السمراء كبير، لدرجة أن الرئيس الموريتاني مختار بن دادة كان يرسل إلى بومدين كل تقارير الزيارات التي يجريها، وكان الرجلان يعملان بشكل مشترك من أجل القضية العربية والإسلامية، لمواجهة الخطر الإسرائيلي الذي نشط سياسته في القارة السمراء بدعم أمريكي، وقام بومدين مع ولد دادة بعمل جبار حتى يعيد الصلة بين الأفارقة وبين العرب، ولهذا فإن القضية الفلسطينية وجدت مساندة في إفريقيا بفضل المجهودات الجزائرية التي عملت على إبرازها لا كقضية عرقية بين العرب، ولكن باعتبارها قضية تصفية استعمار .

انتقد الرجل خلال حكمه الجزائر بأنه أسرف في الإنفاق على مشروعه الصناعي، ما مدى منطقية هذه الانتقادات في اعتقادكم؟
تفكير بومدين هو تفكير كل الجيل الذي عاش وتجرّع ويلات الاستعمار، خاصة الفكرة التي أرادت فرنسا تكريسها، وهي أن الجزائر فلاحية ويجب أن تبقى سلة حبوب لأوربا، رغم الإمكانيات المادية والثروات الطبيعية التي تمكنها من تأسيس صناعة ثقيلة ومتنوعة في جميع المجالات، كما تمنحنا فرصة التطور إلى مصاف الدول المصنعة، لكن أوربا التي كانت ترفض هذا سعت جاهدة من أجل إبطال المشروع، وكل المجهودات التي بذلها كانت من أجل بناء اقتصاد منافس ومتكامل، ما يعاب على الإستراتيجية البومدينية هي فكرة الفلاحة، وهو شخصيا كان يفكر في إعادة النظر في النظام الاشتراكي، وأعتقد أن بومدين ربما تسرّع لكون الاشتراكية التي اعتمدها كانت مبنية على التسيير الذاتي، وهي أعلى مرتبة في الاشتراكية وتتطلب تكوينا، وهذا ما أخطأ بخصوصه بومدين، إلا أنه لا يؤخذ عليه ذلك لأن تفكيره كان نابعا من حبه للجزائر وبشعوره بالاضطهاد الذي عاشه الفلاحون أيام الاحتلال الفرنسي .

استعان الرئيس بومدين بضباط فرنسا الجزائريين في تكوين الجيش الوطني الشعبي، مارأيك في هذا النهج؟
الجزائر في ذلك الوقت كانت بحاجة إلى كل الخبرات، وشاءت الأقدار أن أكون أول مدير في الخارجية للتعاون الدولي في المجال الثقافي والتقني والفني وغيرها، وكثيرون يعيبون سياسته التي تعطي أولوية للتعاون مع الدول العربية والاشتراكية، على خلفية أنه كان عليه أن يتعامل مع فرنسا، وعلى الصعيد الداخلي كان هذا الأخير يرى ضرورة الاستفادة من خبرات الجزائريين ومن بينهم هؤلاء الضباط، الذين كان من بينهم أشخاصا دستهم فرنسا، وهم الذين لغموا الوضع في الجزائر فيما بعد، وأعتقد أن ما تعرّضت له الجزائر لم يكن صدفة، ومنها الفتن التي عاشتها بسبب الإسلام السياسي، ليس هناك شعب في العالم العربي الإسلامي يملك علاقة خاصة مع الإسلام، كما هي علاقته بالجزائر والتاريخ يثبت ذلك، ويبدو لي أن سي بومدين رحمه الله كان يشعر بحجم كل تلك المخاطر، لكنه كان يعتقد أن البعد الزمني بإمكانه إصلاح الأمر فعاجلته المنية وترك مشروعه معلقا .

هل نفهم من ذلك أن بعض الرؤساء الذين حكموا الجزائر هم الذين أفشلوا السياسة البومدينية؟
باسم "الرفض الشعبي" للاشتراكية مسوا كل ما تركه حتى ما يتعلق بالأمور السياسية والإديولوجية، ما مكن فرنسا من استرجاع مكانتها ودخلت إلى الجزائر من جديد، ولا أظن أن فرنسا ستترك الجزائر وشأنها ولا أن تترك لنا أوربا حرية التصرف في مصيرنا، ويبقى على الجزائر أن تتعامل بحذر وأن لا تفهم الابتسامة نوعا من الحب والإخلاص في الصداقة، فإذا كنا نجهل تاريخنا ومواقف الجزائر إزاء أوربا طيلة ثلاثة قرون "من القرن الـ 15 إلى الاحتلال الفرنسي"، فأوربا لا تنسى، والأمر الذي شجع الأوربيين على التدخل في شؤوننا والتلاعب بمصيرنا هو الضُعف في معرفة تاريخينا، وعلى قدر ما هو مجيد ومعروف في الخارج على قدر ما هو مجهول لدى شبابنا بسبب سوء تعليمه، كنت في يوم من الأيام أحاضر في منتدى المجاهد وفوجئت بأحد الصحفيين يضع بين يدي كتاب تاريخ إحدى الأطوار التعليمية مكتوب عليه "أن فرنسا ساعدت الأمير عبد القادر على الفرار إلى دمشق حيث توفي"، كيف سنتمكن بعدها من إقناع هذا التلميذ بأن فرنسا لم تساعد الأمير عبد القادر، وهي التي زجت به لمدة خمس سنوات في معتقلاتها في "تولون" و"أمبواز" وأذاقته المر، ورغم ذلك لم يستسلم إلا عندما تيّقن أن وجوده في الجزائر سيؤدي إلى قتل جزائريين آخرين .

رغم مرور 33 سنة على وفاة الرئيس بومدين إلا أن وفاته مازالت لغزا محيّرا، فمنهم من يقول إنه شرب سما ومنهم من يقول أشياء أخرى ..
بومدين مات بنفس الطريقة التي مات بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وكل شيء ممكن في الروايات الواردة بخصوص وفاته، ولكن يجب أن نعترف بأن الرجل قدم ما عليه لهذه الأمة وأنشأ جيلا، ولو أنه بقي على قيد الحياة لأحدث انقلابا في موازين القوى بين الشمال والجنوب، لأن طموحه كان كبير جدا، وكانت الجزائر في وقته من بين الدول الحديثة النشأة التي كانت لها مكانة هامة بين الكبار، والكثير من رؤساء العالم الذين زاروه، على غرار نيهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس تيتو، وحتى العدو كان يشهد له بميزات خاصة، وحتى ألد أعدائه جوس كارديستان الذي اعترف بأنه يملك ذكاء خارقا للعادة، وأنه يملك مصداقية، ويكفي أنه الرجل الوحيد الذي رفض زيارة عدو الأمس فرنسا وسبق لـديغول أن وجه له دعوى رسمية لزيارة فرنسا، وقال له "أخشى عليك من الجزائريين إذا حظيت ببروتوكول زيارات الدولة"، غير أن بومدين رفض ذلك وقال له " أنا رئيس دولة وأطالب بنفس التشريفات التي يخص بها الرؤساء لدى زيارتهم إلى فرنسا " ، وكانت ذريعة من بومدين لعدم زيارة فرنسا .

ما الذي عطّل في نظركم قيام مؤسسة بومدين على غرار المؤسسات التي تحمل أسماء لرموز السياسة والفكر والثقافة؟
بسبب نكران الجميل، والحقيقة أن بومدين كان مخلصا ومتقشفا وصان الأمانة ولا يمكن لأحد أن يتهمه بأنه أخذ فلسا من خزينة الدولة، وكان بسلوكه وبقدوته الحسنة على وشك تكوين مجموعة من الإطارات الصافية والخالصة التي كان بإمكانها كتابة التاريخ الجزائري.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)