أقبل، أمس، المصريون على التصويت بشكل متزايد مع مرور ساعات النهار، في جولة الإعادة الحاسمة بالانتخابات الرئاسية، واصطف الناخبون في طوابير طويلة للاختيار بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي وأحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. ومع التوقعات بمزيد من الإقبال، قررت اللجنة العليا للانتخابات مد التصويت في اليوم الأول حتى التاسعة بدلا من الثامنة مساء. ويستمر التصويت، اليوم، في انتخابات تتزامن مع أجواء سياسية متوترة، وفي غياب الدستور والبرلمان، بعد حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون العزل الذي كان يمنع شفيق من الاستمرار في السباق الرئاسي، وكذلك الحكم ببطلان مجلس الشعب. مراسل االجزائر نيوزا في مصر انتقل إلى الإسكندرية ونقل أجواء الاقتراع في يومه الأول... تابعوا
قبل أن يرمي صيادو الإسكندرية شباكهم نحو البحر، ويترقبوا حصاده الذي إما أن يصبهم بفرحة مستحقة أو بخيبة لا تنهي أسباب الأمل.. كانت الاستعدادات قد بلغت أهبتها على شواطئ اسكندرانية أخرى.. حيث ازفت معزوفات القوارب بحثاً عن مراسي ممكنة وآمنة، للمرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد منذ منتصف فيفري .2011 على كافة اللجان الانتخابية كانت الاستعدادات تجري بوتيرة عالية، الكل يتأهب كما لو كان سيغامر نحو البحر، في هذه المدينة التي لم يعد البحر واجهة وعنوانا لها فحسب، بل أضحى مفرزاً لهويتها المتداخلة والمزدوجة الانتماء لضفتي المتوسط، شمالاً وجنوباً، مما جعل منها في العديد من مفاصل التاريخ عنوانا بارزاً ومميزاً في مسيرة مصر التاريخية الساعية بخطى حثيثة لإستعادة مجد التاريخ.
على واجهة البحر
في السابعة صباحاً كان البحر يقابل موجا آخر موازياً.. اللجان الانتخابية تضع آخر اللمسات الفنية لاستقبال ''الناخبين'' وإن كان بوتيرة أقل من تلك التي شهدتها المدينة الساحلية في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وبحماس أقل أيضاً سيما وأن مرشح ''الإسكندرانية'' قد حل في المرتبة الثالثة بعد أن منحوه أكثر من 75 من أصوات مدينتهم الآسرة، ليقصى في نهاية المطاف، أمام صعود قطبي الإخوان ومن يتهم بعلاقته بالنظام السابق.
بدا الإسكندرانية سليلو البحر بإصرارهم الموروث من طبائع من يعاند الموج فسقط سبعاً وينهض ثمانية، هكذا بدا الأمر بالنسبة لمن رفض شفيق رئيساً ولم يقتنع بمرسي ممثلاً للثورة والثوار.
عمي جمعة (بائع خضر بمنطقة ميامي) تحدث معنا بالقول: كنت أتمنى وصول حمدين للجولة الثانية لكن أهو الحمد لله على كل حال.. ربنا يولي علينا اللي فيه خير ''وفي سؤالنا عن قرار التصويت بالنسبة له رد بكل اقتضاب: مش حنتخب حد''!
ثم استدرك القول بسرعة فائقة، ليضيف: النهارده مش حنتخب بس ممكن بكرا اروح عشان ابطل صوتي وأكنسل على الاتنين (أي يلغي ورقته الانتخابية عبر الإشارة بالخطأ على المرشحين). وعند سؤالنا عن أسباب ذلك يسخر عمي جمعة بالقول: يعني انتوا مش عارفين ايه يعني النظام السابق ولا الإخوان.. هما شبه بعض بالضبط''.
ننهي حديثنا وننتقل لمنطقة سيدي جابر المزدحمة بالسكان والباعة، لا يبدو السوق الشعبي مهتماً بتفاصيل الانتخابات أكثر من اهتمامه بأسعار الخضروات والفواكه والأسماك التي تحتل حصة الأسد من مائدة الإسكندرية. هنا تنتشر وحدات كبيرة من الشرطة العسكرية والمدنية لتأمين مركز انتخابي يشخص نحو البحر في موازاة للكورنيش التاريخي.. الكل هنا على أتم الاستعداد، المجندين، مفوضي اللجنة العليا للانتخابات، مندوبي المرشحين المراقبين، الكل ينتظر وصول القضاة وطابور الناخبين، حيث من المقرر أن تنطلق العملية في الثامنة صباحاً وتنتهي في التاسعة ليلاً نظرا للأحوال الجوية التي تتميز بالحرارة العالية.
الإجازة أهم استحقاق
عباس السيد هو سائق تاكسي تنقلنا معه لأكثر من وجهة، وبعد حديث مقتضب عن أحوال الحياة كشف لنا أنه موظف لحساب إحدى المؤسسات الحكومية، وأنه استغل الإجازة المدفوعة الثمن - التي منحتها الدولة أمس السبت واليوم الأحد بغرض الانتخابات - لتأجير سيارة تاكسي والإستفادة من هذه الإجازة لما يحقق دخلاً له ولأبنائه.. هذه هي الفائدة الوحيدة العائدة عليّ من الانتخابات، يقول عباس وهو يضحك بصوت عال.
لم يصوت ''عباس'' في الدور الأول من الانتخابات ولا ينوي التصويت هذه المرة أيضا، حيث أن مسؤوليات الحياة والعيال، كما يقول، أهم من المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي، قبل أن يضيف أن عملية الانتخابات في حد ذاتها تحتاج إلى تنقله لمسقط رأسه في منطقة ''الفيوم'' وهذا يتكلف جهدا ومالا هو بحاجة إليه. نسأله بخبث ألا تستحق مصر هذا الجهد والمال؟ يرد بنباهة ممعنة في المصرية ''يا بيه اللي يعوزو البيت يحرم على الجامع''. وعند سؤاله عن الانتخابات والمرشحين يبدو ''عباس'' غير معني بشكل كافي، كل ما كان يشغل باله، هو انتهاء المرحلة الانتقالية بسرعة، لأن البلد حسبه ''حالها واقف'' وأن الاقتصاد ينهار كلما طال أمد المرحلة الانتقالية، ويدلل على ذلك بهيئته الحكومية التي لم تعد كما في السابق تعمل وتحقق أرباحا لأن ''عجلة الانتاج متوقفة ولأن المستثمرين قلقون من العودة لنشاطهم في ظل هذه الظروف الملتبسة'' يقول عباس.
الأسكندرانية الأكثر التزاماً
كمعظم الشعوب المتوسطية يميل الاسكندرانيون للالتزام بروح القانون، لا ترى الكثير من المخالفات المرورية في شوارع الاسكندرية - كما هو بالقاهرة مثلا- كما لا تلحظ تكدس القاذورات، مدينة يلفها الهدوء ويعزف البحر معزوفاتها. لذلك لم يكن غريباً أن تبدو الأكثر التزاما بروح القانون، خلال جولتي الانتخابات، والأقل ارتكابا للتجاوزات الانتخابية بل والأكثر انحيازاً للثورة أيضاً في النتائج النهائية للجولة الأولى. وكما الأولى بدت الجولة الثانية أيضاً مشابهة لسابقتها، حيث أكد الدكتور أسامة الفولي، محافظ الإسكندرية، نجاح فترة الصمت الانتخابي بمختلف أحياء الإسكندرية، على عكس العديد من المدن المصرية الأخرى.
وأكد الفولي في تدخله أمس عبر أمواج الإذاعة المحلية أن التنسيق الأمني بين القوات البحرية والمنطقة الشمالية العسكرية ومديرية أمن الإسكندرية لتأمين اللجان الانتخابية، منع أي تجاوزات حتى اللحظة، مضيفاً ''تم تشكيل غرفة عمليات مركزية لتلقي كافة الشكاوى، والتجاوزات والتعامل معها فور تلقي الشكوى، وتوفير الكشوف الانتخابية خارج اللجان، لعدم التزاحم ومعرفة رقم الناخب من خارج اللجنة، وقبل دخوله للإدلاء بصوته الانتخابي''. ونوه الفولي إلى أن السلطة التنفيذية تقف على حياد تام بين المرشحين، ولا تنحاز لأحد منهم، ويقتصر دورها على سلامة وتأمين العملية الانتخابية، دون حدوث أي تجاوزات، وخروج النتيجة بما يتطلع إليه الشعب المصري في اختيار من يمثلة لرئاسة الجمهورية، خلال المرحلة الهامة من تاريخ مصر الحديث.
اللجان تترقب وإقبال متوسط
وفي جولات صباحية قادتنا نحو عدد من اللجان في مناطق سيدي جابر، سيدي بشر، مصطفي كامل، ميامي، محطة الرمل، العصافرة.. بدا إقبال الناخبين متوسطا خلال الساعات الأولى من عملية الإدلاء بالأصوات. فيما برر لنا المتابعون لسير العملية الانتخابية تراجع أعداد الناخبين إلى ارتفاع معدلات درجات الحرارة، أمس السبت، مع توقعات بتزايد الإقبال تدريجيا خلال الساعات المقبلة، سيما وأن الإسكندرية ضمن أكبر خمس محافظات تضم ناخبين؛ حيث يحق فيها التصويت لثلاثة ملايين و291 ألف و734 ناخب موزعين على 17 مركزا انتخابيا يمثلون دوائر أقسام شرطة المحافظة. وتختلف الكثافة الجغرافية للناخبين بالمحافظة؛ حيث تأتي دائرة ''المنتزه أول'' في المرتبة الأولى بإجمالي 544 ألف و737 ناخب موزعين على 49 مقرا انتخابيا، وأقلهم كثافة انتخابية بدائرة ''المنشية'' لتشمل 33 ألفا و538 ناخب موزعين على ثلاثة مقرات فقط. فيما تتقارب نسبة الناخبين من الجنسين بفارق مائتي ألف للرجال البالغ عددهم مليون ناخب، وتتولى القوات المسلحة بالتعاون مع مديرية أمن الإسكندرية عملية تأمين اللجان والمقار الانتخابية، فضلا عن تمركز وحدات تابعة لها بدوائر أقسام شرطة الإسكندرية.
القضاة والمراقبون يتحدثون
من جهته، يقيم رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية بالإسكندرية المستشار مسعد أبو سعدة، جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية أنها حتى اللحظة تسير بانتظام كامل بمختلف الدوائر الانتخابية على مستوى المحافظة، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يعكر سير العملية الانتخابية أو إدلاء الناخبين بأصواتهم في صناديق الاقتراع حتى الآن.
ويوضح بالقول: أنه حدثت بعض المناوشات العادية بين بعض الناخبين خارج اللجان الانتخابية يتم فضها على الفور، من خلال الجهات الأمنية المخولة بذلك، حرصا على سير الإجراءات الانتخابية ولردع المخالفين، مشيرا إلى أنه تم ضبط إحدى السيدات في إحدى اللجان الانتخابية، وهي تحاول الخروج بالبطاقة الانتخابية خارج اللجنة، حيث تم تحرير محضر بتلك الواقعة، وجاري عرضها على النيابة العامة، لاتخاذ الإجراءات القانونية في هذا الشأن.
أما المراقبون فلهم رأي آخر حيث سجل بعضهم عدد من المخالفات والخروقات التي استدعت تقديم شكاوى للهيئات المختصة من قبيل ما يعرف بالبطاقة الدوارة والحبر المزور وغيرها من الاتهامات المتبادلة من حملة المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، وهو ما أكده المستشار عادل عمارة، المحامي العام لنيابات شرق الإسكندرية، أن النيابة العامة تجري التحقيق في واقعتي خروقات في العملية الانتخابية، إحداهما خاصة بوكيلة مدرسة إعدادية حاولت دس ورقة بيضاء بصندوق اللجنة رقم 6 بمدرسة المنشية التابعة لقسم شرطة المنشية، وعند اكتشافها سبَّت رئيس اللجنة، وجاري التحقيق مع المشكو في حقها.
وأضاف المحامي العام أن نيابة أول العامرية تجري التحقيقات مع سائق توك توك تم ضبطه بقسم شرطة أول العامرية، أثناء توزيع دعاية لأحد المرشحين. وكشف اللواء خالد غرابة، مدير أمن الإسكندرية، عن أن قسم شرطة أول العامرية حرر محضرًا ضد أحد المواطنين، بعد ضبطه ببطاقة دوارة لصالح أحد المرشحين، وجاري عرضه على النيابة العامة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمود أبو بكر
المصدر : www.djazairnews.info