وصف العيون الجميلة كانت من أهم إبداعات العرب خاصة العيون الّتي يمتزج فيها الغموض والجمال والسّحر، وكان من أهم صفات الشعر الذي يصف العيون أنّه دُرج تحت مسمّى الشعر العذري.
إيليا بن ضاهر أبي ماضي، ولد وتوفي (1889م-1957م)، من كبار شعراء المهجر ومن أعضاء (الرابطة القلمية)، ولد في قرية (المحيدثة) بلبنان، وسكن الإسكندرية سنة 1900م، أولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعةً ونظماً، ولم يستطع إيليا أبو ماضي إلّا أن يكتب قصيدة في العيون السود، حيث إنّ سحر العيون السوداء وجمالها لا يستطيع أن يقاومه أيّ قلب، فما استطاع من رأى سحرها إلّا أن يقع في شباك هيامها، وفي ذلك قال الشاعر :
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا
لَولا نَواعِسُها وَلَولا سِحرُها
عَوِّذ فُؤادَكَ مِن نِبالِ لِحاظِها
إِن أَنتَ أَبصَرتَ الجَمال وَلَم تَهِم
وَإِذا طَلَبتَ مَعَ الصَبابَةِ لَذَّةً
يا وَيحَ قَلبي إِنَّهُ في جانِبي
مُستَوفِزٌ شَوقاً إِلى طَحبابِهِ
بَرَأَ الإِلَهُ لَهُ الضُلوعَ وِقايَةً
فَإِذا هَفا بَرقُ المُنى وَهَفا لَهُ
جَشَّمتُهُ صَبراً فَلَمّا لَم يَطُق
لَو أَستَطيعُ وَقَيتُهُ بَطشَ الهَوى
هِيَ نَظرَةٌ عَرَضَت فَصارَت في الحَشا
صَوتٌ فَهوَ أَنَّةُ نائِحٍ
يَهَبُ البَواغِمَ أَلسُناً صَدّاحَةً
ما لي أُكَلِّفُ مُهجَتي كَتمَ الأَسى
وَيَلَذُّ نَفسي أَن تَكونَ شَقِيَّةً
إِن كُنتَ تَدري ما الغَرامُ فَداوِني
يا هِندُ قَد أَفنى المَطالُ تَصَبُّري
ما هَذِهِ البيضُ الَّتي أَبصَرتُها
ما شِبتُ مِن كِبَر وَلَكِنَّ الَّذي
هَذا الَّذي أَبلى الشَباب وَرَدَّهُ
عَلَّمتِ عَيني أَن تَسُحَّ دُموعُها
وَمَنَعتِ قَلبي أَن يَقَرَّ قَرارَهُ
دَلَّهَتني وَحَمَيتِ جَفني غَمضَهُ
لا تَعجَبي أَنَّ الكَواكِبَ سُهَّدٌ
أَسمَعتُها وَصفَ الصَبابَةِ فَاِنثَنَت
مُتَعَثِّراتٍ بِالظَلامِ كَأَنَّما
وَأَنَّها عَرِفَت مَكانَكَ في الثَرى
أَنتِ الَّتي تُنسي الحَوائِجَ أَهلَها
ما شِمتُ حُسنَكَ قَطُّ إِلّا راعَني
وَإِذا ذَكَرتُكِ هَزَّ ذِكرَكِ أَضلُعي
فَحَسِبتُ سِقطَ الطَلِّ ذَوبَ مَحاجِري
وَظَنَنتُ خافِقَةَ الغُصونِ أَضالِعاً
وَأَرى خَيالَكَ كُلَّ تَرفَةِ ناظِرٍ
وَإِذا سَمِعتُ حِكايَةً عَن عاشِقٍ
مُستَيقِظ وَيَظُنُّ أَنّي نائِمٌ
وَلَقَد يَكونُ لِيَ السُلُوُّ عَنِ الهَوى
نزار بن توفيق القباني (1923م-1998م)، دبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في أسرة عربية دمشقية عريقة، إذ يعتبر جده أبو خليل القباني من رائدي المسرح العربي، إن العيون السوداء جعلت كل هم أن تبقى تلك العيون بسلام، فقط ليطمئن ويرتاح، فقال:
ذات السوداوين المقمرتين
ذات العينين الصاحيتين الممطرتين
لا أطلب أبداً من ربّي
إلّا شيئين
أن يحفظ هاتين العينين
ويزد بأيامي يومين
كي أكتب شعراً
في هاتين اللؤلؤتين
أحمد بن علي بن ، أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، لم يجد الشاعر المصري شوقي ما يشكو له تعب الشوق والحب إلّا عيون المحبوبة ذاتها، فجعل العيون الذابلة الفاترة قصده وملجأه، فقال:
أُداري العُيونَ الفاتِراتِ السَواجِيا
قَتَلنَ وَمَنَّينَ القَتيلَ بِأَلسُنٍ
وَكَلَّمنَ بِالأَلحاظِ مَرضى كَليلَةٍ
حَبَبتُكِ ذاتَ الخالِ وَالحُبُّ حالَةٌ
وَإِنَّكِ دُنيا القَلبِ مَهما غَدَرتِهِ
صُدودُكِ فيهِ لَيسَ يَألوهُ جارِحًا
وَبَينَ الهَوى وَالعَذلِ لِلقَلبِ مَوقِفٌ
وَبَينَ المُنى وَاليَأسِ لِلصَبرِ هِزَّةٌ
وَعَرَّضَ بي قَومي يَقولونَ قَد غَوى
يَرومونَ سُلوانًا لِقَلبي يُريحُهُ
وَما العِشقُ إِلا لَذَّةٌ ثُمَّ شِقوَةٌ
جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي من تميم، ولد ومات في اليمامة، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم، وكان هجاءً مرّاً فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل، وكان عفيفاً، وهو من أغزل الناس شعراً، وفي هذه القصيدة يصف سحر العيون الحوراء الكفيل بأن يصرع الناس العقلاء، على الرغم من رقتها، فقال:
إنّ العيون التي في طرفها حور
يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به
يصف هنا الشاعر نزار قباني جمال العيون الزرقاء قائلاً:
أَسُوحُ بتلكَ العيُونْ
على سُفُنٍ من ظُنُونْ
هذا النقاءِ الحَنُونْ
أَشُقُّ صباحاً أَشُقُّ
وتَعْلَمُ عيناكِ أنِّي
أُجَدِّفُ عَبْرَ القُرُونْ
جُزْرَاً فَهَلْ تُدركينْ
أنا أوَّلُ المُبْحِرينَ على
حِبَالي هناكَ فكيفَ
تقولينَ هذي جُفُون
تجرحُ صدرَ السُكُونْ
تساءلتِ والفُلْكُ سَكْرَى
أَفي أَبَدٍ مِنْ نُجُومٍ
ستُبْحِرُ هذا جُنُونْ
قَذَفْتُ قُلُوعي إلى البحر
لو فَكَّرَتْ أنْ تَهُونْ
على مرفأٍ لَنْ يَكُونْ
عزائي إذا لَمْ أعُدْ
أَفي أَبَدٍ مِنْ نُجُومٍ
ستُبْحِرُ هذا جُنُونْ
قَذَفْتُ قُلُوعي إلى البحر
لو فَكَّرَتْ أنْ تَهُونْ
ويُسْعِدُني أَنْ ألُوبَ
على مرفأٍ لَنْ يَكُونْ
عزائي إذا لَمْ أعُدْ
أَنْ يُقَالَ انْتَهَى في عُيُونْ
يقول الشاعر نزار قباني في وصفه للعيون الخضراء:
جاءت وفي يدها دفتر صغير
ورغبت إلى الشاعر أن يكتب
في عينيها
فإلى صباح عينيها الخضراوين
هذه الحروف
قالتْ ألا تكتُبُ في محْجَري
وانشقَّ لي حُرْجٌ ودربٌ ثري
إنْهَضْ لأقلامكَ لا تعتذِرْ
من يعصِ قلبَ امرأةٍ يَكْفُرِ
يلذُّ لي يلذُّ لي أن أرى
خُضْرةَ عينيَّ على دفتري
وارتعشَتْ جزيرةٌ في مدىً
مُزَغْردٍ مُعَطَّرٍ أنورِ
خضراءُ بين الغيم مزروعةٌ
في خاطر العبير لم تَخْطُرِ
يَرْوونَ لي أخبارَ صَفْصَافةٍ
تغسلُ رجْلَيْها على الأنهُرِ
لا تُسْبلي ستارةً غَضَّةً
دمي لشُبَّاكِ هوىً أخْضَرِ
خَلِّي مسافاتي على طُولها
باللهِ لا تُحطِّمي منظري
جاءتْ مع الصباح لي غابةٌ
تقولُ من نَتَّفَ لي مِئْزَري
حَشَدتِ أوراقَ الربى كلَّها
ضمنَ إطارٍ بارعٍ أشقرِ
يا عينُ يا خضْرَاءُ يا واحةً
خضراءَ ترتاحُ على المرمر
أفدي اندفاقَ الصيف من مُقلةٍ
خيِّرةٍ كالموسِمِ الخيِّرِ
يا صَحْوُ أطعَمْتُكَ من صحَّتي
لا يُوجدُ في أشْهُري
في عينِها لونُ مشاويرنا
نَشْرُدُ بينَ الكَرْمِ والبَيْدَرِ
والشمسُ والحِصادُ والمنحنى
إذْ نهدُك الصبيُّ لم ينفُر
أيُّ صباحٍ لبلادي غفا
وراءَ هُدْبٍ مطمئنٍ طري
عيناكِ يا دنيا بلا آخِرٍ
حُدُودُها دنيا بلا آخِرِ
كسَّرتُ آلافَ النجوم على
دَرْبٍ ستجتازينه فَكِّري
وصف إيليا أبو ماضي في هذه جمال العيون:
رأيت في عينيك سحر الهوى
فبتّ لا أقـوى على دفـعـه
يـا جنـّة الحب ودنيا المنى
مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر العمري، (1298 هـ- 1356 هـ الموافق 1 يناير 1880 - 10 مايو 1937 م) ولد في بيت جده لأمه في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية وعاش حياته في طنطا، ينتمي إلى مدرسة المحافظين وهي مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي لقب بمعجزة الأدب العربي، وقال في وصفه للعيون الناعسة:
يا ناعسَ الطرفِ كم أشكو وتظلمني
لو أن غيرَ فؤادي يشتكيكَ معي
يصف نزار قباني العيون الزرقاء ببر الأمان الذي يلجأ إليه كلما خاف الضياع، فقال:
في مرفأ عينيك الأزرق
أمطار من ضوء مسموع
وشموس دائخة وقلوع
ترسم رحلتها للمطلق
في مرفأ عينيك الأزرق
شباك بحري مفتوح
وطيور في الأبعاد تلوح
تبحث عن جزر لم تخلق
في مرفأ عينيك الأزرق
يتساقط ثلج في تموز
ومراكب حبلى
أغرقت الدنيا ولم تغرق
في مرفأ عينيك الأزرق
أركض كالطفل على الصخر
أستنشق رائحة البحر
وأعود كعصفور مرهق
في مرفأ عينيك الأزرق
أحلم بالبحر وبالإبحار
وأصيد ملايين الأقمار
وعقود اللؤلؤ والزنبق
في مرفأ عينيك الأزرق
تتكلم في الليل الأحجار
في دفتر عينيك المغلق
من خبأ آلاف الأشعار
لو أني لو أني بحار
لو أحد يمنحني زورق
أرسيت قلوعي كل مساء
في مرفأ عينيك الأزرق
ولد أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم في قرطبة في 10 رمضان 246 هـ، جده سالم كان مولى للأمير هشام الرضا، توفي ابن عبد ربه في 18 جمادى الأولى 328 هـ، ودُفن في قرطبة، وقد أصيب بالفالج قبل وفاته بأعوام، وقال ابن عبد ربه في وصفه للعيون:
الْجِسْمُ في بَلَدٍ والرُّوْحُ في بَلَدِ
إِنْ تَبْكِ عَيناكَ لِي يَا مَنْ كُلِفْتُ بهِ
قال الشاعر في وصفه للعيون:
عيناكِ كنهري أحـزانِ
نهري موسيقى حملاني
لوراءِ وراءِ الأزمـانِ
نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي ثمَّ أضاعـاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيـانِ
عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعدِ محتـرقٌ
نيراني تأكـلُ نيـراني
أأقول أحبّكِ يا قمري
آهٍ لـو كانَ بإمكـاني
فأنا لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني
سفني في المرفأ باكيـةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ
ومصيري الأصفرُ حطّمني
حطّـمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟
يا ظـلَّ الله بأجفـاني
يا صيفي الأخضرَ ياشمسي
يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني
يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجـداني
إني لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ ..و أحزاني
أأقـولُ أحبكِ يا قمـري
آهٍ لـو كـان بإمكـاني
فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعـني درب ضيّعَـني
إسمي ضيَّعَـني عنـواني
تاريخـي! ما ليَ
إنـي نسيـانُ النسيـانِ
إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ
ماذا أعطيـكِ أجيبيـني
قلقـي إلحادي غثيـاني
ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ
يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألـفُ أحبّكِ فابتعدي
عنّي عن نـاري ودُخاني
فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني
تاريخ الإضافة : 27/06/2019
مضاف من طرف : mawdoo3
صاحب المقال : مالك وليد
المصدر : www.mawdoo3.com