إنَّه لمن دواعي سروري أن أباشر مطالعة ما كتبته الأديبة العربيَّة مي زيادة 1882 -( 1941 ) - و أعثر عليه أثناء قراءتي للطبعة الإلكترونية لأحد كتبها عنوانه ، الأعمال المجهولة لمي زيادة الذي عمل على جمع نصوصه و تحقيقها الباحث الفلسطيني ، الدكتور جوزيف زيدان، و قدمته الأديبة غادة السمان، على رسالة كتبتها أديبتنا إلى الأمير سعيد، حفيد الأمير عبد القادر، أعربت فيها عن اعترافها، هي و نصارى الشام، لجده بأنه كان، بدفعه الكيد و الأذى عنهم، مثالا مرموقا في الأخلاق الإنسانية الرفيعة .
مي زيادة هذه تعد من أبرز أعلام النهضة العربية. ولدت في مدينة الناصرة بفلسطين لأب ماروني لبناني و أمُّ أرثوذكسية فلسطينية. تابعت دراستها في معاهد داخلية في لبنان لأربع سنوات، ثم قضت بقيَّة حياتها في مصر ( منذ 1908 حتى وفاتها )، حيث أنشأت صالونها الأدبي المشهور ونشرت مؤلفاتها و دبجت مقالاتها و ألقت خطبها و محاضراتها.
جذب ذلكم الصالون، طيلة عقدين من الزمن، أعلاما بارزة من أمثال أحمد شوقي و حافظ إبراهيم و خليل مطران و مصطفى صادق الرافعي و مصطفى عبد الرازق و عباس محمود العقاد و طه حسين و غيرهم الكثير . و أما جبران خليل جبران فما كان تعاطي مي معه إلا من خلال المراسلة .
لما ارتأيت أن هذه الرسالة التي نشرت لأوَّل مرَّة في جريدة بيروتية عنوانها" البرق" بتقديم جاء فيه : " إطلعنا على كتاب (رسالة) للآنسة مي بعثت به إلى سمو الأمير سعيد عبد القادر، فرأينا فيه قطعة نفيسة من الجمال و لا غرو، و للآنسة مي في إنشائها ما يصحّ أن يكون مثالا عاليا للأدب العربي ... " جديرة بأن يطلع على فحواها كل الجزائريين و الجزئريات لفائدتها في معرفة جانب هام من مآثر الأمير عبد القادر و شخصيته، اخترت فضاء موقع أصوات الشمال من حيث هو فضاء للأدب و أهله، لنشر نصِّ الرسالة المذكورة و هو كالآتي :إلى حفيد عبد القادر
من الآنسة مي
القاهرة في 2 يوليو 1921يَا سُمُوَّ الأَميرِ،اِسْمُ اَلأميرِ عَبْدِ اَلْقادِرِ اَلْجَزَائِرِيِّ اِسْمٌ نَتَلَقَّنُهُ نَحْنُ أَبْنَاءُ سُورِيَّا أَطْفَالاً مَعَ اَلْكَلِمَاتِ اَلأُولَى، وَ نَلْثَغُ فِي لَفْظِهِ مُتَمَهِّلِينَ كَما تُداعِبُ شَفَتا اَلرَّضِيعِ حُرُوفَ اَلأَسْماءِ اَلْمَحْبُوبَةِ ، فَيُمَثِّلُ ذِكْرُهُ لِمُخَيِّلَتِنَا جَناحًا كَبيرًا يُخَيِّمُ عَلَيْنا بِأَلْوانِ قَوْسِ قُزَحٍ.
ثُمَّ نَشُب،ُّ وَ تَتَّسِعُ اَلْمَدَارِكُ مِنَّا بِاتِّساعِ اَلْمَعْرِفَةِ، فَتَبْدو لَنَا فُروقُ اَلْجِنْسِ وَ اَلْعَقيدَةِ وَ اَلدَّرَجَةِ اَلْقائِمَةِ بَيْنَ اَلْبَشَرِ. وَ إِذْ يَتَّصِلُ بِنا أَنَّ اَلأَميرَ عَبْدَ اَلْقادِرِ هُوَ »حامي اَلنَّصارى«، تَتَّضِحُ عَواطِفُنَا اَلْمُوَجَّهَةُ إِلَيْهِ وَ نُجِلُّهُ لأَنَّهْ أَجارَ جَمَاعَةً وَ أَبْعَدَ عَنْها اَلأَذى. وَيَصْبَحُ جَنَاحُ ذِكْرِهِ مُخَيِّمًا بِأَلْوانٍ حارَّةٍ مِنَ اَلشِّعْرِ وَ اَلْخَيَالِ تُلازِمُ عادَةً صُوَرَ النَّخْوَةِ وَ الشَّهامَةِ. ثُمَّ نَجْتازُ مِنَ اَلْحَياةِ أَعْوامًا أُخْرَى نَعْرِفُ خِلاَلَهَا أَنَّ التَّارِيخَ اَلْحَقيقِيَّ هُوَ غَيْرُ التَّوارِيخِ اَلْمَقْبولَةِ وَأَنَّ اَلأَسْبَابَ اَلْمُسَلَّمَ بِهَا فِي اَلثََّوَراتِ وَ الْقَلاقِلِ هِيَ غَيْرُ اَلسَّبَبِ اَلْجَوْهَرِيِّ، وَ نَعْلَمُ أَنَّ اَلْفُروقَ بَيْنَ بَني اَلإِنْسانِ سَطْحِيَّةٌ عَلَى عُمْقِها وَ أَنَّ اَلأَعاظِمَ مِنْهُمْ يَقْطِنُونَ عالَمًا سَما فَوْقَ اَلطَّوَائِفِ وَ اَلأَحْزابِ وَالتَّعَصُّباتِ وَ الدَّرَجاتِ - عَالَمَ اَلْجامِعَةِ اَلإِنْسانِيَّةِ اَلشَّامِلَةِ.
يَوْمذاكَ نُقَدِّرُ اَلأَميرَ عَبْدَ اَلْقادِرِ حَقَّ قَدْرِهِ ، وَ نُجِلُّ خُلُقَهُ، وَنَرْفَعُهُ عَلَى عَرْشٍ مَعْنَوِيٍّ خالِد،ٍ هُيِّئَ لَهُ لَيْسَ لأَنُّهُ حَمى اَلنَّصارَى فَعَزَّزَ بِرِعايَتِهِ كَرامَةَ اَلإِسْلامِ - وَ ما اَلإِسْلامُ وَ الْمَسيحِيَّةُ سِوَى أُخُوَّةٍ رَضِيَّةٍ فِي حِضْنِ اَلرَّحْمانِ - بَلْ لأَنُّهُ بَطَلٌ مِنْ أَبْطالِ تِلْكَ اَلْجامِعَةِ اَلْإِنْسانِيَّةِ اَلْعُلْيَا. إِذْ ذَاكَ يَزِيدُ نَجاحُ ذِكْرِهِ اِنْبِساطًا وَ رَوْعَةً لأَنَّهُ تَلَوَّنَ بِأَلْوانِ اَلْمَجْدِ وَ الْفَخارِ. فَنَفْعَلُ مَا تَفْعَلُهُ اَلأُمَمُ بِأَبْطالِهَا، أَيْ أَنَّنا نُحَوِّلُ اِسْمَهُ إِلَى أَبْسَطِهِ تَجَرُّدًا مِنَ اَلأَلْقاب،ِ وَيَغْدو فِي عُرْفِنَا »اَلْجزائِريَّ اَلْكَبيرَ«.
وَ لا أخَالُكَ لائِمِي، يا صاحِبَ اَلسُّمُوِّ، إِنْ أَنَا صَرَّحْتُ بِأَنَّ أَوَّلَ ما وَقَعَ عَلَيْهِ نَظَري مِنْ رِسالَتِكَ هُوَ ذَلِكَ اَلإِسْمُ اَلْعَظيمُ اَلَّذي تَلا تَوْقيعَكَ. وَ لا أَراكَ إِلاَّ باسِمًا إِنْ أَنا اِعْتَرَفْتُ بِأَنِّي اِبْتَسَمْتُ لَهُ. ثُمَّ قَرَأْتُ سُطورَكَ اَلْجَلِيَّةَ فَوَجَدْتُها - ما يُنْتَظَرُ أَنْ تَكونَ - مِصْداقًا لِذَلِكَ اَلْمَبْدَإِ اَلْعِلْمي اَلْقائِلِ إِنَّ اَلْمَوْتى يَحْيَوْنَ فِي ذَرارِيهِمْ بِمُمَيِّزاتِهِمْ وَ شَمَائِلِهِمْ اَلْبَاهِرَاتِ. وَ ظَهَرَتْ لِي كَلِماتُ تَشْجيعِكَ آياتِ كَرَمٍ مُلَوَّنَةً هِيَ اَلأُخْرى بِأَلْوانِ قَوْسِ قُزَحٍ وَ بِأَلْوانِ اَلشِّعْرِ وَالْخَيالِ ، وَ بِأَلْوانِ اَلْمَجْدِ وَ الْفَخارِ جَميعًا.
وَ كُلُّ ما يَجُولُ فِي نَفْسِي مِنْ شُكْرٍ يَتَجَمَّعُ بَداهَةً فِي هَذا اَلْهُتافِ اَلْواحِدِ: فَلْيَحْيا اَلْجَزائِرِيُّ اَلْكَبيرُ! كَبيرًا بِأَحْفادِهِ كَما هُوَ كَبِيرٌ بِفِعالِهِ مي
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد بن عمرو الزرهوني
المصدر : www.eldjoumhouria.dz