الجزائر

شتان ما بين العلم والخرافة



لقد تابعت مؤخرا ريبورتاجين أحدهما عرضته فضائية جزائرية و الثاني بثته فضائية ألمانية ناطقة بالعربية.أما الأول فقد تمحور حول الجدل المتواصل بخصوص مصدر التلوث المتسبب في اندلاع وباء الكوليرا , و طيلة عرض الريبورتاج , يشعر المشاهد أن منجزه بدا كشاهد إضافي ضمن الشهود الذين شككوا في صحة نتائج التحاليل المخبرية التي أجراها معهد باستور وأثبت من خلالها وجود جراثيم المسببة لداء الكوليرا في مياه منبع بالبلدية التي هب منتخبوها وبعض مواطنيها للدفاع عن المنبع دليلهم في ذلك تقارير روتينية تجريها مكاتب النظافة البلدية , وعدم تسجيل أية حالة بداء الكوليرا ممن شربوا و يشربون مياه المنبع بين سكان البلدية ؟؟؟
اللافت للانتباه أكثر , أن الريبورتاج استعان بشيخ قدمه على أنه يملك قدرات خارقة تمكنه من الكشف عن المياه الباطنية و التمييز بين الملوثة منها و غير الملوثة , بمجرد مد ذراعه أمامه وإبقاء يده مفتوحة (لالتقاط ذبذبات الماء المترقرق تحت الأرض ) .
منجزو الريبورتاج قطعوا مع الشيخ عدة كيلومترات وسط الأدغال ليريهم مسار المياه الجوفية غير الملوثة ,لينتهي بهم المطاف أمام مصب للمياه القذرة المختلطة بمياه تنبجس من تحت الأرض ؟؟؟
وينتهي الريبورتاج دون أن يقدم وجهة نظر معهد باستور و طريقة إجرائه التحاليل المخبرية المعقدة على العينات المشتبه فيها, و كيفية التأكد من وجود الجراثيم الناقلة للداء, وتكرار العملية عدة مرات تفاديا للأخطاء و حفاظا على مصداقية المعهد و مخبرييه .
القاسم المشترك بين هذا الريبورتاج و ريبورتاج القناة الألمانية يكمن في ادعاء بعض المشعوذين امتلاك قدرات خارقة تمكنهم رصد المياه الجوفية والمعادن تحت الأرض بوسائل بدائية , حيث يتحدث الريبورتاج الثاني عن جمعية من العلماء مقرها بمدينة فورتسبورغ بألمانيا تجند أعضاؤها للتصدي للخرافة و للمشعوذين بتحديهم لإخضاع قدراتهم الخارقة للتجربة العلمية , ورصدت لمن يثبت صحة ادعائه جائزة مبلغها 10 آلاف يورو . نشاط هذه الجمعية التي استقطبت عضوية 1200 عالم عبر العالم , انطلق منذ 14 عاما , و طيلة هذه الفترة لم ينجح ولا «مشعوذ»في الفوز بالجائزة , بل استطاع رئيس الجمعية إقناع 60 مترشحا بالتخلي عن نظرياتهم الخاطئة و منهم أحد المدعين بقدرته على رصد وجود المياه تحت الأرض باستعمال قضيب معدني , و آخر ادعى قدرته على اكتشاف المعادن تحت الأرض بواسطة البندول الرقاص و كلاهما فشل في تجاوز اختبارات التجربة العلمية .
كان لا بد من تقديم هذه المقارنة , لعلها تنفع في توجيه المشعوذين و أصحاب الخوارق نحو المدينة الألمانية ليجربوا حظهم لنيل جائزة جمعية فورتسبورغ العلمية من جهة ,و تقديم من جهة أخرى ,فكرة حول كيفة إنجاز الريبورتاجات حول المؤسسات العلمية المرجعية والمحترمة التي لا يمكن للمشعوذين و لا أشباههم التشكيك في مصداقيتها .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)