من الظواهر الشبابية التي أضحت تثير الانتباه في مجتمعنا مؤخرا، قصات شعر بعض الشباب، طريقة لباسهم وحتى تعاملهم مع محيطهم. ولئن كان التغيير مرغوبا فيه في بعض الأحيان، إلا أنه في أحيان أخرى يكون مستهجنا ومثيرا للاستغراب والاستفهام حول سببه وهدفه، ومن ذلك ظاهرة «السراويل الهابطة» التي أضحى بعض الشباب والمراهقين دون أدنى احترام لتقاليد مجتمعه ولا حتى لمعايير الأخلاق.قد لا نخطىء إذا قلنا؛ إن شريحة واسعة من شباب اليوم تهتم بالمظهر أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر، والمثل الشعبي القائل؛ «كول ألي يعجبك واَلبس ألي يعجب الناس» قد يلخص ذلك، لكن قد لا نخطئ أيضا إذا قلنا بأن هذا المثل لم يعد يجد مكانا له وسط ظواهر «ألبسة» لا تعجب إلا مرتديها، ونتحدث هنا عن السراويل التي أفقدها بعض الشباب جماليتها بعد أن جعلوها «تنزلق» طواعية أدنى الخصر، بما يعرف ب»السراويل الهابطة» التي قد يعتبرها البعض مغالطة اتباع لتقاليع الموضة. نحن هنا نطلق أحكاما صحيحة، لكن نُقوْلبُها للقارئ بعد أن استقصينا أراء أهل الاختصاص من علميّ النفس والاجتماع، الذين اعتبروا الظاهرة دخيلة على الثقافة الجزائرية، وهي مستهجنة مهما حاول أصحابها التحجج بالموضة.
هكذا تقول الأستاذة في علم النفس بجامعة بوزريعة، «شفيقة أزداو»، محللة الظاهرة التي تضيف بالقول؛ إن شباب اليوم ضائع بين تقاليد مجتمعه وما يأتيه من المجتمعات الغربية عن طريق ما يصدر إليه من الفضائيات والأنترنت. وإن كانت الأستاذة ترحب بفكرة اعتناء الشباب من الجنسين بمظهره الشكلي وهندامه، إلا أنها تؤكد أن ذلك لا بد أن يكون ضمن المعقول، تقول: «المجتمع الجزائري تسوده الكثير من القيم والضوابط، لكنها مغيبة كثيرا في زماننا هذا الذي أضحت الفضائيات ومواقع الأنترنت تبث قيم المجتمعات الغربية، ومن ذلك؛ الألبسة السائدة حاليا ليس فقط بالنسبة للذكور وإنما البنات أيضا، أعتقد أنه لم يعد هناك معيار معين يسير وفقه مجتمعنا، فالأسرة اليوم أصبحت مفككة معنويا، لأن الآباء يلهثون وراء إشباع حاجات الأولاد المادية دون مراعاة احتياجاتهم النفسية، ونتيجة لهذا الغياب، يتجه الشاب بدءا من سنوات المراهقة، إلى الانفصال عن مجتمعه بعد أن وجد ملاذا غير مقيد في وسائل الاتصال وما تبثه من سموم، ومنها تلك «السراويل الهابطة»، فحتى وإن كانت إرادة الشاب في ارتداء ما يشاء، فإن المسؤولية الأولى تلقى على عاتق الأولياء الذين لم يعملوا على غرس القيم الحقيقية للأطفال أثناء التنشئة».
من جهة أخرى، تلقي المختصة بالمسؤولية على المستوردين الذين يلجؤون إلى استيراد ألبسة رخيصة وأخرى لا تتماشى مع قيمنا الاجتماعية، «ليعلم أولئك الشباب الذين يحبون ارتداء السراويل الهابطة، معتقدين أنها تقليعة موضة غربية، أن سكان المجتمعات الغربية يتبعون من جهتهم قيما أخلاقية واجتماعية تحكم علاقاتهم عموما، فلا تسود مثل تلك المظاهر في أماكن العلم أو العمل، بينما في مجتمعنا تخلط الأمور من منطلق الحرية الشخصية، وهذا خطأ، أضف إلى ذلك نقص أماكن الترفيه المخصصة للشباب من الجنسين بما يجعلهم منفتحين إيجابيا على مجتمعهم، والفراغ هنا عادة ما يُملأ بمواقع الأنترنت، في ظل غياب المراقبة الوالدية التي لها نتائجها الكارثية، ودليله استفحال ظواهر كانت شاذة أو طابوها لوقت قريب، والمعروف أن الطابوهات تخلق المتضادات، وهو ما نعيشه حاليا ضمن جيل يقبل على ارتداء السراويل الهابطة، ويعتبرها أمرا عاديا، وجيل آخر يرفضها إطلاقا ويستهجنها كذلك»، تضيف المختصة.
من جهتها، ترجع الأستاذة في علم النفس التربوي شرفاوي ليلى تراجع القيم التربوية إلى مشاغل الحياة المادية وتراجع التأديب الفعلي في الأسر أثناء تربية النشء، مما جعل الأطفال لا يكتسبون ثقافة التعامل الصحيح مع الأخطاء، وكنتيجة لذلك تراجعت لدى أجيال اليوم قيم كانت لوقت قريب تحكم الأفراد في الأسرة الواحدة، هذه الأخيرة لا يسودها اليوم الاتصال، وهو ما نعتبره أصل الداء، ففي معظم الحالات تهتم الأم بالتربية بينما يتنصل الأب عن مسؤولياته، والأم لا يمكنها التحكم في المراهق ونزعته التمردية، بينما الأب يحتكم لسلطة الردع، وهذا ما يزيد الأمور تعقيدا، والصحيح تقديم تربية صحيحة مبنية على القيم الأصيلة للمجتمع الجزائري، دون إغفال إيجابيات التكنولوجية، فلا يمكن حرمان الشباب من الفضائيات ولا حتى من الأنترنت، ولكني إذا قمت بإشباع ولدي بقيم تربوية صحيحة في أسرة يسودها التواصل واحترام الأراء، فالأكيد أن النتيجة ستكون إيجابية لا محالة».
هذا نفس ما ذهبت إليه أستاذة في علم الاجتماع التربوي، فاطمة الزهراء سليمي أثناء حديثها إلينا، محللة ظاهرة «السراويل الهابطة» لبعض شباب اليوم، إذ علقت الأستاذة على الظاهرة بالقول؛ إنها «أذى بالنسبة للعامة، لأن الأصل أن حرية الفرد تنتهي حينما تبدأ حرية الآخر، والشباب ممن يعتقد أنه يضاهي الموضة بارتدائه لتلك السراويل، وحتى الشابات ممن يتجاوزن بعض حدود اللياقة في ارتداء ألبسة غير محتشمة، أعتقد أنهم يفتقدون لضوابط أخلاقية تستمد في الأصل من الأسرة، هذه الأخيرة إن لم توفر أساليب التربية الصحيحة لأفرادها وإشباعهم أخلاقيا على أساس التنشئة الصحيحة المتبعة لقيم ديننا الحنيف واحترام تقايلد المجتمع، فالأكيد أن النتيجة لن تكون إلا ما هو موجود حاليا من مظاهر تدمي القلب».. ..
وتضيف الأخصائية بالقول؛ إن المسؤولية لا تلقى فقط على الأسرة، وإنما على كل المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي لم تعد تؤدي أدوارها بشكل صحيح، ومنها المدرسة والمسجد، «أصبحنا نعيش في مجتمع تنفصل فيه المؤسسات عن بعضها البعض، ودليله غياب تفعيل البحوث النفسية والاجتماعية التي تقوم بها الجامعة الجزائرية في دراستها لمختلف الظواهر المجتمعية، وبالتالي، فإن تحليل بعض الظواهر يبقى وليد التساؤل والإجابة لا غير».
وترى المتحدثة أن الشباب لا يعلم حقيقة الظواهر، بل يلهث وراء موضة اللباس وقصات الشعر، دون أن يعرف الخلفيات، ف«السراويل الهابطة» سادت في القرن التاسع عشر وسط المجتمعات الإفريقية التي كان أفرادها مضطهدين، وللتعبير عن تذمرهم عن أوضاعهم وسخطهم عن حياتهم، اهتدوا إلى الاحتجاج بما يخالف قيم مجتمعهم بارتداء سراويل تهبط عن الخصر، في حين تشير بعض الملاحظات إلى كون بعض أناس الغرب من الشواذ جنسيا، كانوا يعرفون بعضهم البعض من طريقة لباسهم، ومنه ارتداؤهم لسراويل هابطة تشير إلى انتمائهم للشواذ، وهذه نقطة خطيرة كون أغلب الشباب في مجتمعها لا يدركون خلفيات الأمور، وبالتالي يقلدون الموضة بغباء».
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/09/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حنان س
المصدر : www.el-massa.com