الشيخ الزاهد العابد السالك السني المتواجد، ذو الأحوال الربانية، و الإسارات العرفانية، و المعارف الوهبية، المقطوع بولايتهن المتفق على جلالته و خصوصيته العارف بالله الدال عليه بطاهره و نجواه أبو محمد سيدي عبد السلام بن صالح البركة سيدي الحاج محمد التواتي الجعفري ثم الفاسي، ينسب لسيدنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي.
كان رحمه الله في أول أمره على ماذكره الشيخ التاودي في "فهرسته" غبارا، قال فيها: قلت له يوما: هل كنت تصلي في ذلك الزمان؟ قال: لا.اهـ.
و قال غيره: كان يتعطى أسباب الدنيا، فلم يحصل له مقدار نصاب الزكاة منها أصلا، و كان يبيع الكبريت قرب سوق الغزل من عدوة فاس القرويين، ثم إنه ورد لفاس مولاي التهامي الوازاني فذهب إلى وزاره، و تبرك به، ثم جعل يتردد لسيدي عزوز دفين طالعة فاس، فحصلت له حينئذ الكرامة للدنيا و الخوض فيها، و كان في زمان غفلته قد يضيع صلوات كثيرة، فتجرد لقضائها حتى قضى صلاة ثلاث عشرة سنة، ثم خرج لبعض الكهوف بجبل زعفران خارج باب الجيسة، و جعل يتعبد فيه ويقتصر على القوت من الأعشاب، و ما يسقط من التين قبل طيبه مما يلتقط من الجهات، و يشرب عليه الماء مع إدمان الصوم و الذكر، يذكر كل يوم سبعين ألفا من الهيللة و مثلها بالليل، ورأى في ذلك من العجائب ما لا يحصى، وكانت الجمادات تكلمه و تبشره بما حصل له من الفتح العظيم، وتقول له: هنيئا لك لم يبلغ هذا المقام أحد إلا أمن من السلب إلا القليل، ثم كشف الحجاب بينه و بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار لا يشاهد في العالم إلا وجهه الشريف حيث توجه و بقي كذلك، مدة قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: ها لا يكيف من السرار و اللطائ، ولقي الخضر عليه السلام و قال له: أن الخضر بعثني الله إليك لأخبرك بأن ما تشاء يعطيكا لله إياه و أذن له في الجلوس في القرويين فلازم الجلوس فيها، وكان يجلس إليه أقوام لاستماع معارفه، فكان يأتي من ذلك بما يسحر الألباب، ويقضي منه العجب العجاب.
و كان رضي الله عنه من الذاكرين الله كثيرا، لا تراه قط ساكن الشفتين، مستغرقا في مشاهدة النبي صلى الله عليه و سلم، وكان يظهر ذلك عليه في بعض الأحيان، فتارة بهم و تارة يمازح بأمور في طيها فوائد، وكان إذا اعتراه الحال احمرت عيناه، وعلا صدره عن جسده حتى تراه يستند في مشيه إلى الجدران، و ينفخ نفخا شديدا، و يعرق جبينه جدان وترى العرق ينحدر منه كالجوهر، وكان إذا دخل في الصلاة خلف الإمام لا يكاد يطيق ما يتلقاه من المشاهدات فإذا سلم الإمام سلم هو وقام بسرعة، و يخبر عن نفسه بأنه يستريح بالتحرك و المكالمة مع الناسن وكان من لا علم عنده ينكر عليه ذلك.
و من كلامه: أجساد الشرفاء أقوى على المشاهدة من أجساد غيرهم، وكان أيضا يقول: أولها يعني الطريق فنون، و وسطها، جنون، وآخرها قيل: يكون و قيل: لا يكون، ويقول: من اشتغل بالله عن غيره فهو حي، و من غاب عن الله في غيره فهو ميت.
أدرك رحمه الله جماعة من الأولياء و تبرك بهم، وأخذ عنهم منهم سيدي عبد الرحمن معاذ، دفين خارج باب الجيسة، و سيدي عنتر الخلطي دفين داخل باب الفتوح، وطريقته الأولى عن أبيه، عن جده، عن سيدي علي ابن أحمد اللنجري دفين صرصر، عن سيدي عيسى بن الحسن المصباحي الخلطي دفين الغرب، ثم أخذ كما سبق عن مولانا التهامي الوزاني، عن أبيه، عن جده، ثم عن سيدي عزوز أكل طعاما عند وفاته و قاءه و أمرني بأكل، فأكلته ففتح علي.
و كان له أصحاب و أتباع تلامذة و أشياع يذكرون عنه أمورا كبيرة، و مقامات خطيرة، و ينهون أمره لما أدركه كبار الأولياء و خاصة الخاصة من الأصفياء، وكان الناس كلهم يتبركون به، و يرجون من الله الفضلبسببه و كان أكثر دعائه إذا سئل منه الدعاء: الله يرحمنا بالمرحوم.
و كان يتفجر علما مع كونه أميا لا يعرف الحرف، و وقع لغير و احد من الناس معه مكاشفات و أخبار بمغيبات، قال: الشيخ التاوديفي "فهرسته": و أخبرني بعض من وثقت به أنه جاءه رجل يوما و هو بحصن لقرويين فقال له: يا سيدي أردت أن أرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فقال: ائتني بحميع ما تملك، فذهب ثم جاء بعد يوم أو يومين بدارهم، وقال: هذه القرويون و بالله الذي لا إله إلا هو لا أملك شيئا آخرن فجمع منه، و جعل يقول له: أنت هبيل أحمق، اذهب حتى يرجع لك عقلك و الرجل يبكي و يقول: لا أقيلك، فلم يزل به حتى رجع لك عقلك، و الرجل يبكي و يقول: لا أقيلك فلم يزل به حتى يرجع قال له: اذهب سيدي محمد بن الحسن، و ارجع فرجع الرجل، و ذكر أنه عندما خرج من باب الجيسة إذا بالنبي صلى الله عليه و سلم منحدر من ناحية القلة عن يسار الباب، هو و أبو بكر و عمر و عثمان و على رضي الله عنهم، فكلمه و قال:أقرئ عبد السلام مني السلام، فلما و صل له قال له: اسكنت فوالله ما ذكر له ذلك حتى قال له: و الله إن حدثت بها أحدا لا تنظر بعينيك، فما حدث به إلا بعد موته، و بالجملة فمقامه كبير و عظيم، و شأنه رفيع فخيم.
توفي رحمه الله في مهل رجب سنة خمس و خمسين و مئة ألف (1155).
قال في "النشر": و دفن بدار براحا اشتريت له، بقصد أن يدفن فيهان وبني عليه فيها قبة بعض الرؤساء قرب سيدي أبي الرجاء من طالعة فاس، و اتخذ ضريحه مقبرة للدفن، و هو رئيس الأنوه الشيخ أحمد بن الشيخ موسى السنوسي الشرقي، كما صرح به في "النشر" في بعض نسخه.
و قال في "الروضة المقصودة": دفن برحبه قنديل من طالعة فاس، أسفل من قبة شيخه و لي الله سيدي أبي الرجاء و بنيت عليه قبة اهـ. و روضته هي المقابلة لدرب أهل تادلا عن يمين الهابطن وهي مشهورة معروفة، و على ضريحه بها دربوز يزار به و يتبرك.
ترجمه في "النشر" و "التقاط الدرر" و "سلوك الطريق الوار" و "الروضة المقصودة" و غيرها، و أورده الشيخ التاودي في "فهرسته" فيمن لقي من صلحاء المغرب.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف