سجلت، قرية ويزران بأعالي جبال الصومام، في أكتوبر 1955، سقوط خمسة شهداء، إثر معركة مع الجيش الفرنسي الذي سجل بدوره العديد من القتلى والجرحى في صفوفه. جرت المعركة سبعة أشهر فقط بعد تعيين كريم بلقاسم، للرائد عميروش نايت حمودة كقائد لمنطقة حوض الصومام في أفريل من نفس السنة. واتخذ كريم قراره لإذكاء شعلة الثورة، وتنظيم المنطقة على غرار عرش آث عباس مهد انتفاضة المقراني.
اكتشف سكان قرية ويزران لأول مرة فظاعة الحرب، بعد أشهر من الانتظار والترقب وتنظيم القرى من طرف جبهة التحرير الوطني. وبلغت هذه المرحلة بعد الهدوء الذي عرفته منطقة الصومام بعد ليلة الفاتح من نوفمبر لأسباب لها علاقة بتردد مناضل الحركة الوطنية الكبير أولبصير، وموقفه المتردد إزاء الثورة، وبقاءه وفيا للحاج مصالي.
كان قرار كريم بلقاسم بتعيين الرائد عميروش في المنطقة صائبا بالنظر للطابع الثوري للصومام المعروفة بالانتفاضات المتتالية كالمقراني والشيخ الحداد وبوبغلة. موقع قرية ويزران بعيدا عن شبكات الطرق والنقل، أهّلها لتكون مركزا لنشاط النواة الأولى من المجاهدين. وقد اكتشف السكان لأول مرة ''عميروش'' خلال لقاء بمدخل القرية، ومن بين أقواله التي تحتفظ بها الذاكرة المحلية''فرنسا أتتنا متخفية في جلد أسد، لكن عندما نزعنا الجلد اكتشفنا أنها بقرة...''.
في شهر أكتوبر من سنة 1955، قدم بعض المجاهدين ''كحمو قبشو'' الذي لا يزال على قيد الحياة، والشهداء سي سعيد وإبراهيم مشماش وإبراهيم ''إيميزي'' لفض نزاع عقاري بين عائلتين في القرية، لكن في اليوم الموالي عندما هموا بالمغادرة، تفاجأوا بالجيش الفرنسي يحاصر القرية من كل جهة. حاولوا رفقة بعض المجاهدين من أبناء القرية الخروج من الحصار، لكنهم تشابكوا مع قوات العدو، واستشهد فيها سي سعيد، إبراهيم أومشماش وإبراهيم إيميزي. بعد انتهاء تبادل إطلاق النار، شهد السكان طائرة عمودية تنقل الموتى والجرحى من موقع الاشتباك. قام الضابط الفرنسي باختيار عشرة شبان من سكان القرية لإحضار جثث الموتى، لكن تخوفهم من اغتيالهم بدافع الانتقام جعلهم يفرون في كل اتجاه، ليبدأ الجنود الفرنسيين في إطلاق النار عليهم، فسقط قورطع محند وعلي ومزناد مالك الذي لم يمر على زواجه ثمانية أيام، وأصيب آخرون بجروح. كان هذين الشهيدين الأولين في قائمة تضم 80 شهيدا قدمتهم القرية كقربان من أجل استقلال الجزائر.
يتذكر سكان القرية بأن تخوفهم من قتلهم مرده قيام الجيش الفرنسي شهر من قبل باغتيال 11 مواطنا من أعيان القرى المجاورة بوشقفة وتيغيلت أومقال، رميا بالرصاص في الساحة العمومية لزرع الرعب في نفوس السكان وخنق الثورة في المهد. وبعد الواقعة قام الضباط الفرنسيين بتوقيف بعض أعيان القرية ليقبعوا 18 شهرا في سجن بجاية.
تحولت القرية فيما بعد إلى مركز لنشاط الثوار، وأصبحت معبرا للراغبين في الذهاب إلى تونس. كما استقبلت كل أفواج المجاهدين القادمين من الشرق للمشاركة في مؤتمر الصومام. وتعرضت للقصف الجوي ثلاث مرات. لكن ذلك لم يثن سكانها عن مواصلة الثورة لغاية الاستقلال، رغم تصنيف القرية ضمن المنطقة المحرمة منذ سنة 1958 وتهجير السكان نحو محتشد قرية ''قندوز''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/10/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : جعفر بن صالح
المصدر : www.elkhabar.com