وأخيرا سقط الثلج في ولايات قلما شهدته بهذه الكثافة، وشاهدنا في تسجيلات اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي صور الجزائريين وهم يلعبون بالثلج، وتمتّعنا بلقطات الأطفال وهم يتمرّغون فيه، ويصنعون أشكالا ومجسمات غاية في الروعة، ولكن مع سقوط الثلج سقط القناع المزيف الذي فضح عجز مسؤولينا، وعرّى ضعف تدخلهم، وأبان قصر نظرهم، وأثبت تماطلهم في إيجاد الحلول المناسبة في الأوقات المناسبة. والنتيجة كانت عشرات الوفيات (أزيد من 30 حالة وفاة) من الأبرياء، قضى جزء منهم نحبه في الطرقات التي لم تجد من يحررها من أكوام الثلج والصقيع، ومات الجزء الآخر من فرط القرّ الشديد، أو الاختناق بالغاز، بينما لا تزال مئات الآلاف من العائلات المتوزعة عبر مدن وقرى مختلفة معزولة عن العالم منذ أيام، تقتات بالبسكويت والخبز اليابس، إن عثـرت عليهما، تحت رحمة الشموع، بعد أن حاصرها الثلج من كل الاتجاهات.
إن أرواح هذه القائمة العريضة من ضحايا الثلج، يتقلدها دونما ريب كل مسؤول في هذا البلد على اختلاف مستويات المسؤولية، وسيقتصّون منهم يوم القصاص الأكبر، ويجادلونهم يوم ينادي المنادي بالقول: قفوهم إنّهم مسؤولون، ولهم عبرة في الخليفة الفاروق الذي قدّر المسؤولية المُلقاة على عاتقه حقّ قدرها، فقال ذات يوم، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، لو عثـرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها يوم القيامة لم لم تمهد لها الطريق يا عمر. نعم يا سادتي المسؤولين، افتحوا آذانكم جيدا واسمعوا.. بغلة.. فكيف بأرواح بشرية وأنفس آدمية، لا لها ولا عليها، سوى أنها ابتُليت بمسؤولين لا يعون حجم المسؤولية التي تُطوق أعناقهم والأمانة التي يحملونها فوق ظهورهم.
والعجيب في الأمر أن غيرنا من الأجناس الأخرى فقهوا هذه المسؤولية واستوفوها حقها، فها هو أحد مسؤولي بلدية نيويورك يقول، إذا نفق عصفور في حديقة سانترال بارك لشعرت بالمسؤولية، ولذلك تجدهم اليوم في أعلى عليين بينما صرنا نحن في أسفل سافلين، ذلك أن حياة المواطن وكرامته وحقوقه في قاموسهم شيء مقدس، وخط أحمر لا ينبغي خدشه ولا حتى الاقتراب منه، وما صفقة الجندي الأسير جلعاد شاليط عنّا ببعيد، الذي قايضته إسرائيل بعد خمس سنوات من الأسر بإطلاق سراح ألف أسير فلسطيني من أبناء المقاومة.
ولكن مع كل هذا التقصير الواضح مثل فلق الصبح، قد يخرج علينا مسؤول من مسؤولينا ويقول بأن كلامكم مردود عليكم، فموجة البرد قتلت حتى في البلدان الأوروبية المتطورة، ومن ثمة لا نقبل بالمزايدة علينا ما دام حالنا هو حالهم، غير أن هذا التحليل مبتور منقوص، لأننا لم نشاهد قط رعايا هذه البلدان المقصودة يتقاتلون على قارورة غاز البوتان، ولم نسمع بتنظيم توزيع هذه القارورات تحت حراسة أمنية مشددة، ولم تنقل الفضائيات بأن أهل هذا البلد أو ذاك أصبحوا وأمسوا على الظلام الذي بات يخيّم في البيوت الجزائرية من فرط برد الشتاء وحر الصيف، كما لم نسجل غلاء المواد الغذائية وندرة المؤونة والدواء وبالتالي فإن المعادلة غير متوازنة.
لقد أصبح الجزائريون اليوم يموتون بسبب ودون سبب، وكل ذلك بسبب سوء التسيير واللامبالاة، إلى أن عشنا اللحظة التي سمعنا فيها أشخاصا يموتون من البرد.. حقيقة ''من الثلج ما قتل''.
derkimed@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : محمد درقي
المصدر : www.elkhabar.com