الجزائر - A la une

رمضان منطلقٌ وتجسيدٌ لكل معاني الإسلام



رمضان منطلقٌ وتجسيدٌ لكل معاني الإسلام
لقد ثبت لي بالتجربة والبرهان القاطع أن النظرة إلى الحياة من زاوية واحدة ولفترة محدودة وإهمال التخطيط الشامل وعدم الاعتبار العام بالماضي، وترك العمل الكلي للمستقبل هو آفة تخلف المسلمين وضعضعة وجودهم في الوقت الحاضر، مع أن الإسلام وبقية الأديان الحقة هي أدل شيء للإنسان على أهمية التخطيط في الحياة كلها، حياة الفرد والجماعة،حياة الدنيا والآخرة، لوجود عقيدة البعث والحساب والمسؤولية فيها.وإن أغلب ما نشاهد من وقائع التعثر والاضطراب والفشل والخيبة في مشاريع الإنسان مرجعه النظرة الجزئية للواقع، والاهتمام بشؤون العيش المؤقت، وعدم التدبر والتقدير لمستقبل الأيام الحوالك.لذا كان على كل مسلم أن ينظر إلى الحياة نظرة شاملة، لأن حياة الإنسان كل لا يتجزأ، ووسائل إسعاد الحياة ومن أخصها الدين كل لا يتجزأ أيضا، ومن الضروري أن تتلاحم الجهود المادية لاكتساب سبل المعيشة مع نواميس الأخلاق والفضائل ومتطلبات الدين الخالد والاعتبار بما في عالم الآخرة من أهوال ومسؤوليات عديدة.وإذا توفرت مثل هذه النظرة الكلية إلى الإنسان والكون والحياة، وعالم الشهادة والغيب، وتوفر بالتأكيد شطر الجهد الإنساني، وهانت الحياة، وزالت العقد المستعصية لدى الكثرين، وتبددت كل المشاكل الشخصية والاجتماعية، واستؤصلت الأمراض العصبية،واتصلت آفاق السعادة، وتعاقدت سحب الخير على الإدراك، ودام العطاء الإلهي الذي لا ينضب بحره ولا تفنى مدخراته،مع أسبابه ووسائله.وهكذا الأمر بالنسبة لرمضان بين الشهور، وبما فيه من تكاليف شخصية واجتماعية بين فرائض الإسلام فرمضان سيد الشهور، ولكنه لا ينقطع عن بقية أجزاء العام بل الحياة كلها، والصوم لا ينفصل عن سائر مطالب الإسلام، وإن كان ذا دلالة موجهة نحو الخير، أو هو في الواقع جامع لكل معاني الإسلام. فمن فضائل رمضان أنه محرك للهمم، مثير للبواعث الإنسانية الشريفة، شاحذ للعزائم نحو الطاعة بدليل ما نلاحظ من كثرة وفود المصلين إلى المساجد، والإقبال على مدارسة القرآن، وحضور مجالس العلم،والتطوع بالقربات البدنية والمالية، وسخاء النفس وسماحة اليد وبسط الوجه ونحو ذلك مما للصوم من تأثير في إثارة المشاعر الخيرة، والعواطف الصادقة والأحاسيس النبيلة، وتذكير الإنسان بواجبات مختلفة، بسبب حرمان النفس طيبات الحياة وملاذ المعيشة وأهواء النفس، فهذا الحرمان المادي من الطعام والشرب والمتع المباحة يرشد إلى معانٍ عميقة، إذ أن المحسوس يدل على المعقول كما يقول المناطقة.إلا أن أزمة تحصل وعقدة تبرز بعد انتهاء صوم رمضان، فتقع مشكلة خطيرة في التخلي عن مكاسب رمضان ومعطياته وإهمال الواجبات الدينية، والتقصير في أداء كثير من تكاليف الإسلام الضرورية. مع أن الدواعي قائمة،والحاجة متوفرة، والثمرة لا تحلو تماماً إذا تعجل الإنسان قطافها، وقطعها عن إكمال نضجها، وإعطاء فوائدها المرجوة في مسيرة الزمن الطويلة. وإن الله تعالى يحب أن يُعبد في رمضان وفي غير رمضان، وهو حي باق دائم يراقب تصرفات عباد في كل زمان ومكان، حتى تؤدي رسالة الله في الخلق من دون قطيعة أو هجران أو سأم، ولكي تحصل المصالح للإنسان على وجه أتم، قال عليه السلام:”حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات”..فبالصيام يتزود الصائم من الحصانات المانعة عن محارم الله.. في بقية السنة كلها، فترغب نفسه في الطاعة وتعرض عن المعصية..ومن أبرز صفات صوم رمضان وأخطرها أنه جهاد صامت متروك لنفس الصائم لا رقيب عليه إلا الله تعالى..فرمضان شهر تقوية الإرادة وشهر الصبر، كما أنه كان لدى أسلافنا العظام شهر الجهاد ضد الظلم والطغيان، ففيه وقعت أكبر حوادث الإسلام الفاضلة مع الأعداء، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ”غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما”..وتتجلى صفة الإعداد والتهيئة في رمضان للعام والعمر كله أنه يقوي الصحة ويخلص الجسد من كل عوامل الضعف الطبيعية جاء في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا”.ومن إعداد الصيام للأمة وثمراته الاجتماعية تحقيق المساواة فعلاً بين جميع الناس أغنيائهم وفقرائهم، وتوحيد مشاعرهم، وإحساسهم بالرباط الأخوي الخالد فيما بين المؤمنين، وتعود النظام في المعيشة، وضرورة الاشتراك في السراء والضراء، ما يفهم أن القوة مع الاتحاد والتعاون، وأن النصر حليف الصبر، وأن العزة والكرامة أساسها التضحية والإيثار والرحمة والمحبة..وفي الجملة إن للصوم فوائد كثيرة صحية وأخلاقية واجتماعية ودينية معروفة يهمنا منها ما أشرنا إليه مما في صفة الإعداد والرمزية لمعاني الإسلام عنها بوصف رمضان بصفة (الخير) الجامعة لمقويات الإسلام.. وعندها يدرك المقصرون المسلمون مدى الخطر الأعظم الذي يصيبهم بالتهاون في أداء الصيام الذي تنطلق منه أو تتجسد في عبادته أهداف الإسلام وغاياته الكبرى لترسيخ دعائم الحق والمحبة والخير والتسامح والجهاد والتضحية، وإقامة صرح الإيمان الذي هو مجمع الفضائل، وقوام الضمائر،وعماد الحياة السِّوية، وتبديد معالم الكفر الذي هو وكر الاضطرابات والفوضى، ومنشأ الانحراف وسبب اليأس والقلق والشقاء.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)