بعد النجاحات الباهرة المحققة في الدورات السابقة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، ومستوى الإقبال الذي حظيت به لدى الجمهور بتسجيل أكثر من 1.200.000 زائر في دورة 2011، من الممكن أن يبدو أنه غير المفيد، أو بالأحرى من قبيل الزهو أو الغرور الإقرار من جديد بأن صالون الجزائر الدولي للكتاب يشكل اليوم الحدث الثقافي الأبرز الذي تحتضنه الجزائر كل سنة، وأحد صالونات الكتاب الأولى في العالم من حيث الإقبال. إنه لينبغي أن ينظر إلى هذا النجاح القياسي سواء بسواء على أنه مبعث ارتياح ومحفزا على الاستثمار أكثر فأكثر في نوعية التنظيم ومحتوى الحدث.
إن التذكير بحجم هذا الحدث والسمعة التي صار يحظى بها لتسمح لي بأن أن أشيد بما قامت به السيدة خليدة تومي، وزيرة الثقافة، التي عرفت كيف توليه اهتمامها البالع، مرتقية به، منذ 2009، إلى مصاف مؤسسة ثقافية بمعنى الكلمة. كما أنها مناسبة أيضا، لإبداء شكري لكل المحافظين الذين سبقوني في هذه المهمة الصعبة والمفعمة بالحماس من أجل خلق، ثم تطوير ما أصبح يمثل عرسا حقيقيا للكتاب، وتجمّعا لكل الفاعلين في سلسلة نشر الكتاب في بلادنا، وكموعد يحتل مكانا مشرفا في الرزنامة الدولية لصالونات الكتاب.
إن جهود من سبقوني والنتائج الباهرة التي حققوها لتحملني مع زملائي في فريق العمل المسؤولية الثقيلة للرّقي بصالون الجزائر الدولي للكتاب في المستقبل دون أن يغيب عن البال احتفاظ اللقاء بطابعه الخاص، ولكن كم هو ممتع ومحفز الجمع بين احترافية الفاعلين في مجال الكتاب وشغف الجمهور الواسع به.
إن الهدف إذن هو تعزيز الإنجازات المحققة واتخاذ مبادرات جديدة لنيل رضى مختلف شرائح القراء واستباق الاحتياجات الجديدة لشركائنا في آن واحد.
وبالنظر إلى التغييرات التي أجريناها حديثا في مستوى المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (ENAG) التي أتولى إدارتها، فإن الأمر يتعلق بإدراج تصور ومنافذ جديدة بخصوص التنظيم والبرمجة والتموقع الاستراتيجي لصالون الجزائر الدولي للكتاب لتوطيبد مكانته بصفة دائمة.
وبالفعل، فقد صارت المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (ENAG) منذ أفريل 2012 تتوفر على فرعين جديدين. يختص أحدهما بتوزيع الكتاب من إقامة دوائر موجهة على وجه الخصوص للمطالعة العمومية بالتوازي مع البرنامج العمومي لبناء المكتبات وكذا الشبكة الوطنية للمكتبات. أما الفرع الثاني فيتمثل في "الفنون المطبعية (ENAG) للأحداث". وقد أوكلت له مهمة تنظيم تظاهرات الترويج للكتاب ونشاط النشر. وتتضمن مهام هذا الهيكل الفتي، إلى جانب تنظيم الصالون الدولي للكتاب، خلق صالونات جهوية ذات صبغة خاصة من شأنها مضاعفة توفر الكتاب في كافة أرجاء الوطن. وهكذا، إذن، يأتي هذا المسعى للاستجابة للطلب المعبر عنه من قبل قارئات وقراء المناطق الداخلية الذين ليس بمقدورهم جميعا التنقل إلى الجزائر العاصمة لإرواء تعطشهم للقراءة.
وعلاوة على ما سبق، سيمكّن هذا الفرع، بما هو مؤسسة قائمة بنفسها، من الآن فصاعدا من تنظيم الصالون بصفة دائمة وإضفاء الطابع الاحترافي على التحضير له، خاصة أنه صار، مع تعاقب دوراته، تظاهرة ذات أهمية كبرى من حيث الحجم والكثافة. ومع هذا، يبقى أن الأمر لا يتعلق بتحويل هذه المؤسسة إلى هيكل إداري، ولا جعلها تفقد نكهة عرس الكتاب التي تتميز بها. وسيشكل الفرع دعامة مهنية وفنية منخرطة في مسعى للاستشارة والتعاون مع مجموع الفاعلين والشركاء في عالم الكتاب في الجزائر، بداية من المؤلفين إلى غاية المكتبيين في محلات البيع وفضاءات المطالعة، مرورا بالناشرين والطابعين والموزعين... وهكذا سنسهر خلال أيام الصالون، وعلى وجه الخصوص، بعد انعقاده على جمع آراء وانتقادات واقتراحات مهنيي الكتاب الجزائريين والأجانب شأنها شأن وجهات نظر القراء ووسائل الإعلام وأخذها بعين الاعتبار.
كما يندرج إنشاء هذين الفرعين، من جهة أخرى، في مسعى وزارة الثقافة لإيلاء عناية خاصة لهيكلة قطاع الكتاب والنشر من أجل تحضير وتشجيع تطوير الصناعات الثقافية العمومية والخاصة في بلادنا. إنه من خلال هذه الرؤية بعيدة المدى سنعمل على تطوير صالون الجزائر الدولي للكتاب لاسيما في أفق الدورة العشرين المنتظر انعقادها في عام 2015.
ولكن، وبالطبع أيضا، فبالإرادة والتصميم على إنجاح الدورة الحالية لصالون الكتاب، السابعة عشرة في ترتيب دوراته، التي سنحتفي فيها بالذكرى الخمسين لاستقلال بلادنا.
إن مجرد التعرّض لهذا الحدث الذي كان له صدى عالمي شأنه شأن صفحات التاريخ التي سبقته، إن مجرد ذلك، يمنحنا بحق فرصة مناقشة الوضعية التي يوجد عليها الكتاب ومستقبله في بلادنا. فمع مجموع الفاعلين في الميدان سنعود لتفقد تاريخ النشر منذ 1962: بداياته وتدرج نشوئه وحرفه وما حققه من إنجازات، وكذا حقائقه الراهنه والأسئلة التي تثيرها لمستقبل القطاع. وفي أثناء ذلك سنستعيد الصلات التي تربط الكتاب بالتاريخ وبالذاكرة. لأننا سنعكف على كتابة الماضي مع الاهتمام بالمؤرخين والباحثين القدمين من آفاق مختلفة وكذا بالشهادات التي تكرست، في الجزائر وفي الخارج، بخصوص موضوع المقاومات الجزائرية. ولتحقيق هذا الهدف لجأنا إلى إرساء مقاربة تعاونية مع مؤسسات ثقافية أخرى لبداية رسم الصورة التي ستكون عليها الدورة المقبلة حيث ستظهر بجلاء علاقة الكتاب مع مجمل التخصصات العلمية والفنية، علاقة تغطي أوسع قدر ممكن من حقول المعرفة والمهارة والتعبير.
وهكذا سيتتبع ملتقى ينظم بالاشتراك مع المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ والأنثروبولوجية والتاريخية (CNRPAH) ومشاركة كبار الخبراء الوطنيين والدوليين، آثار الكفاح من أجل الاستقلال من خلال النصوص الأدبية.
وبالتعاون مع سينماتيك الجزائر، ستعرض على الجمهور سلسلة من الأفلام المقتبسة من أعمال أدبية سواء منها العالمية أو الوطنية مع التركيز على الأفلام التي تتناول حرب التحرير الجزائرية.
وإجمالا، فالأمر بالنسبة إلينا يتعلق بالتذكير إلى أي مدى يمكن أن يكون الكتاب، فضلا عن أنه يمثل أداة جميلة للتعليم والتسلية وكذا رفيقا طريفا ومخلصا، إلى أي مدى يمكن أن يكون سلاحا للكفاح والتحرر. وفي كلمة واحدة كما في عبارات كثيرة يعتبر الكتاب ناقلا لمضامين الحرية. الشيء الذي قادنا بعد تجريب عدد كبير من الصيغ إلى تبني شعار بسيط وشعري ومعبر بصوت مسموع: "كتابي حريتي" للدورة الحالية.
فباسم الكتاب الذي يمتلك القدرة على أن يسمع صوته بالكلمات، أن يقرأ بالحواس، اسمحوا لي أن أعبر عن ترحيبي الحار بالشخصيات المدعوة وجميع المشاركين والمهنيين الذين سيكونون بيننا، وكذلك بالطبع، أن أرحب بعشرات الآلاف من الزوار من الجنسين ومن كل الفئات العمرية والأوساط المهنية والاجتماعية، الذين بدونهم لن يكون لصالون الكتاب لا معنى ولا حقيقة.
سيشهد كل هذا في قصر المعارض بالصنوبر البحري، الذي يتوفر من الآن فصاعدا مع وجود الميترو وامتداداته بواسطة الترامواي، على منفذ إليه أكثر يسر وسرعة. وختاما، لنلاحظ أنه بالنسبة إلى هذة الدورة الخمسينيةـ نسمح لأنفسنا بهذا الخروج عن التقليدـ إن البلد "ضيف الشرف" في هذه الدورة هو الجزائر بتاريخها وكتابها وشعرائها وألوانها التي تحرض على الإبداع. فصالون ممتع لكم ولنا جميعا.
بقلم حميدو مسعودي
محافظ الصالون الدولي للكتاب بالجزائر
تاريخ الإضافة : 17/09/2012
مضاف من طرف : litteraturealgerie
المصدر : Samira Hadj Amar