أسماؤنا تحملنا ونحملها، تشبهنا وينتهي بنا المطاف إلى أن نشبهها، تلتصق بنا وتجري معنا مجرى الدم في العروق.. هي “النكوة” أو “النقمة” أو اللقب، أسماء سميناها وسمينا بها رغما عنا… الشروق العربي تبحث في أصل أسمائنا على مر الحضارات التي وضعت بصمتها على أرضنا الطاهرة وعلى هويتنا.
هل تعلمون أن هناك أسماء عائلات عبرت التاريخ دون أن تتغير، وأن المؤرخ هيرودوت دونها منذ آلاف السنين، مثل معوش، الذي ينحدر من اسم ماريوس، وشاوش، الذي ينحدر من كايوس.. وهي أسماء رومانية شهيرة، أضيف إليها آخر حرفين هما “وش” الأمازيغيين. وهناك أمثلة أخرى كثيرة، منها مثلا “بلحوش”، المنحدر من “بولوس”، و”علوش”، المشتق من “أورليوس”، و”ونجلي”، المنحدر من إفانجلي، أي رجل الدين عند الرومان، و”ڤشطولي”، المشتق من أوغوستين، و”ماماش”، المنحدر من اسم “مميوس”، أما اسم حمدوش المنتشر كثيرا في ولاية بجاية، فمشتق حسب المؤرخين من “أماديوس”، الذي ينطق باللاتينية “أماديوش”.. “جيروم”، تحول إلى “ڤروم”، و”ڤريڤوار”، وهو اسم بيزنطي، صار ڤرڤور أو بن ڤرڤورة، بينما تغير اسم “أندريوس” إلى “دريوش”. هناك أسماء مركبة، مثلا “عبديش”، متكون من أفي ديوش، ويعني باللغة اللاتينية “سلام إلى الإله”.
تركت الحضارة الفينيقية هي الأخرى بصمة في ألقابنا، فهناك من يحمل دون أن يدري اسم آلهة قرطاجنة مثل “بعل” و”أمون”، اللذين تحولا بالترتيب إلى باعلي أو بليل، و”حمو” أو “حماني”.. أما اسما بن كيراط أو بوكيراط، فيعنيان باللغة الفينيقية، رجل المدينة، وليس كما يظنه البعض أنه منحدر من القيراط، الذي نزن به الذهب والمعادن الثمينة.
أسماء وأماكن
تحمل العديد من كنانا أسماء أماكن ومدن وأشجار وجبال، لارتباط الجزائريين بالأرض والمكان منذ سالف العصور، فمثلا أدرار وعمور، وهي أسماء جبال أصبحت دراري وعموري وعمراويو، المتيجة تحولت إلى متيجي، وأما منطقة توات الصحراوية، فتغيرت إلى “تواتي”، أما عڤون، وهي الهضبة المرتفعة، بالأمازيغية، فأهدت اسمها كما هو للعديد من العائلات (بعيدا عن عڤون، الذي يعني أبكم بالعربية).
كما ترتبط بعض الأسماء بالحيوانات، مثل أوشان، ويعني ابن آوى، ووهر، الذي يعني الأسد، وأفلولو، أي فراشة، بينما كروش تعني شجر الزان.. أما اسم بوسعد، فقد يكون مشتقا من أبي السعد، أو الحظ بالعربية أو اسم المرجان بالأمازيغية، بينما تحمل بعض العائلات اسم باحمان، المنتشر في إيران، الذي يعني جذور نبتة طبية معروفة.
سيرة بني هلال
في منتصف القرن الحادي عشر، عرفت منطقة شمال إفريقيا أحداثا جسيمة، بانفصال بني زيري عن الخليفة الفاطمي في مصر، فأرسل عليها قبائل بني هلال وبني سليم، وكان لهذه الموجة البشرية تأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في الجزائر… واشتقت الكثير من ألقابنا من هذه القبائل العربية الشهيرة، مثل “رياح” و”مرداسي” و”كرفالي” و”زمام” و”حميار” و”زغبة” (المنتشر في ورڤلة) و”ربايعي” و”عطايلية” و”ضيف الله” و”براهمية” و”بن يعقوب” و”عون الله” و”بن شريف” و”رداد” و”عدي”.. أما اسم بلغيث، فمشتق من اسم “ابن أبي الغيث” والقائمة طويلة.
على خطى الأمازيغ
تتشكل العديد من الأسماء ذات الأصل الأمازيغي، من كلمتين هما “ماز” و”زاغ”، على غرار مازوني ومزاري، ومزغيش ومزالي ومسيس.. وهذا حسب اجتهاد بعض المؤرخين، على رأسهم ابن خلدون في كتابه الشهير تاريخ البربر.. من زاغ اشتقت العديد من الأسماء مثل زعموم وزغراني وبوزرغان وزروالي و”زڤار” و”زغني” و”رزوغ” الذي تحول إلى “رزوڤ”… كما احتفظت بعض العائلات بأسماء القبائل، أمثال “زموري” و”مسكوري” و”سوماتي” و”مرنيز” و”ولحاسي”…
كما تنحدر كثير من أسماء العائلات من أصل بربري، مثل سمغوني وزناتي وفوغالي وجازولي ومصمودي وغوماري وغيرها من الأسماء الجميلة والعريقة.
من إسطنبول إلى المحروسة
التأثير العثماني في تاريخ الجزائر، يعرفه القاصي والداني.. وهذا ما نلمسه في العديد من أسماء العائلات الجزائرية المعروفة، مثل صنهاجي وقهواجي وباشطارزي… كلمة ساري بالتركية، وتعني الرجل الأبيض أو الأشقر، اشتق منها اسم بن صاري أو بن ديصاري، أما طوبال، فلا تعني “الطبال”، كما يظن الجميع، بل الرجل الأعرج. اسم دالي أو بن دالي، مشتق من دالي، ويعني الرجل الجسور، أما تيتاح، فيعني الأوروبي اللاجئ في بلاد الإسلام، أما وزو، التي تعني الرجل الطويل، فأصبحت “بوزو”…
وبما أن الجيش الانكشاري كان عماد الدولة العثمانية، فلا عجب أن تسمى العائلات بمهن الجيش، مثل طبجي وباشطبجي وبوماجي و”دنان” و”دانجي” وصنجاق ورايس وغازي وعلمدار… كلمة بابا علي، التي تحملها بعض الأماكن والعائلات، مشتقة من الباب العالي أو قصر السلطان.
عائلة بلطاجي تعني رجل الفأس، أما بايري، فهي تنحدر من باي رايس، أما من يحملون اسم كازول وكازيتاني، فاسمهما يعني القاضي الأول والقاضي الثاني بالترتيب.
أما حجي، فقد ينحدر من الحج بالعربية، أو حشتي أي الطباخ بالتركية، أما زبايطي، فهذا الاسم مشتق من زبانطي أي ضابط الشرطة.
عائلات وتاريخ
اسم زميرلي، من الأسماء المشهورة، وعلى رأسهم الشهيد سليم زميرلي، الذي يحمل مستشفى بالعاصمة اسمه، فهو ينحدر من مدينة إزمير التركية، أما قارة، فيعني اللون الأسود، وعوراني يعني سكان ألبانيا، أما كوسبي أو قصبي، فيعني الكوسوفي.
وهل تعلمون أن مدينة البندقية تسمى عند الأتراك ونيس، وسكانها ونسلي، ومنه اشتق اسم ونسلي ولونيس وونيسي والوناس، أما بوشناق، فهو البوسني، أما خرشي، فهو يعني سكان جزيرة كريت..
أما بودروم، الميناء التركي الشهير، فقد أغدق اسمه على العديد من العائلات، منها بدروني وبتروني، أما شبلي، فمشتق من إشبيلية، وغرناطي من غرناطة طبعا، كما كان للإسبان تأثير على بعض أسماء العائلات مثل “تشيكو” و”راندي” المنحدر من غراندي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 13/08/2021
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : فاروق كداش
المصدر : Echoroukonline