الجزائر - A la une

رحلة ساحرة إلى عمق مغارة أوقاس ببجاية



رحلة ساحرة إلى عمق مغارة أوقاس ببجاية
يستحيل على أي زائر يدخل مدينة أوقاس الساحرة أن يغادرها دون أن يعرج على النفق الكبير الذي يفتح أبوابه نحو الدهاليز المتشابكة بين أروقة عمق الدنيا والتي تسمى بالمغارة العجيبة بأوقاسليست الرمال الذهبية في الشواطىء الجميلة، هي الشيء الوحيد الذي تهديه أوقاس لضيوفها وزائريها، بل قد تملك أفضل من ذلك، حيث في هذه المدينة تتاح الفرصة لكل إنسان أن يقوم برحلة إلى أعماق الأرض ليكتشف ما تخفيه من أسرار وعجائب، وبقدر ما تثير الدهشة في النفوس بقدر ما تبعث فيها الرعب والخوف من قدرة الخالق وجمال صنعه ومهما حاول المرء وصفها بدقة لا يتمكن أبدا من إنصافها لأن الرحلة الغريبة لا تنتهي بالرواق الأخير الذي ينتهي عند مخرج هذه المغارة التي احتلت إحدى المراتب الثلاثين من عجائب الدنيا المرشحة مؤخرا بإسبانيا
البداية من وسط النفق يوجد باب حديدي كبير يتواجد فيه مجموعة من الشبان يتولون مهمة إرشاد الزوار وقيادتهم نحو مختلف أروقة المغارة، ومع بداية الرحلة يضطر كل زائر إلى المرور برواق ضيق، حيث يكاد لا يتسع لأصحاب الأبدان الكبيرة، وبعد حوالي 15 مترا وبمجرد رفع الرأس للتأكد من تجاوز النفق المتضايق يمتلىء البصر بساحة واسعة يخيل للزائر لأول مرة أنه على شفى حفرة كبيرة في أسفلها وأعلاها عجائب كبيرة وغريبة، وأن الشمس التي لا مكان لها في ذلك المكان قد انفجرت من عمق الأرض ويسطع ضوء أكبر ليكشف للزوار ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر هنا يبدأ المرشد في الإشارة إلى التماثيل الغريبة التي تصنعها الالآف من الصواعد والنوازل، هناك أسد في عرينه، وقرود فوق أغصان الأشجار، وذاك فأر، وتمساح يلتهم عجلا، وضيوف كثر في عرس كبير يتوسطهم عريس وعروس، وتلك الملكة الحزينة، وعلى بعد أمتار منها ملكة أخرى ترفع تاجها الذهبي للتعبير عن فرحة كبيرة لتغلبها على جيش الملكة الأخرى، وذاك نفر من الجند المشاة ووراءهم فرسان على خيلهم المرشد، وسعيا منه لتهدئة النفوس وإزالة بعض أنواع الخوف الذي ينتاب الجميع، يكشف لهم أنهم متواجدون على عمق 120 متر من سطح الأرض، ويطالبهم بمواصلة الرحلة ليصل بهم إلى نهر الأماني والتمنيات، هو على شكل بحيرة فيها ماء صاف وتظهر في عمقها بضع قطع نقدية، وما أن يحاول أحد الاستفسار حتى ينطق المرشد ليؤكد لهم أن البحيرة تحقق الأماني بشرط رمي بعض النقود، وهنا تختلط الأمور على أصحاب النفوس المليئة بالشكوك، لكن سرعان ما يتخلصوا من الشك ليقرروا رمي قطع نقدية لتجنب المجهول، وهو ما وقفنا عنده لما طلب المرشد من إحدى السيدات الأوروبيات -تبدو من خلال كلامها أنها بروتستانتية- حيث ترددت لحظة من الزمن في رمي قطع نقود، لكن بمجرد أن رفعت رأسها شاهدت تمثالا لملكة إليزابيت يحملق فيها فرمت ثلاثة قطع نقدية من الأورو، وقالت ''على كل حال ليس عندي ما أخسر'' بعد محطة نهر الأماني يصل مجموع الزوار إلى محطة الهضبة التعيسة التي ينصح عدم النظر إليها باعتبارها تجلب النحس وتتواصل الرحلة إلى غاية الوصول إلى ممر ضيق جدا يضطر كل واحد إلى الخضوع لمبدأ الصف الهندي قبل أن يحطوا الرحال في استوديو صغير تنبعث منه قطع موسيقية كلاسيكية رائعة لبتهوفن وموزار يصنعها أحد المرشدين بالضرب على إحدى الصواعد بقطعة حجرية صغيرة يملأ لحنها كل القاعة، وما هي إلا لحظات حتى يفاجأ الجميع بالوصول إلى الباب الرئيسي المتواجد بمدخل المغارة حيث يكتشفون أن الرحلة انتهت قبل انتهاء متعتها
ومن حيث الموقع الجغرافي تتواجد المغارة بالطريق الوطني رقم 09 بالنفق الكبير عند مدخل مدينة أوقاس، على بعد 30 كلم من مدينة بجاية في اتجاه الساحل الشرقي، وقد اكتشفها عمال شركة دولية إيطالية-إسبانية سنة 1962 مباشرة بعد الاستقلال خلال إنجاز أشغال شق النفق لفتح الطريق الوطني رقم 09 الرابط بين بجاية وجيجل، ومع بداية الثمانينات يبادر مجموعة من الشباب إلى اقتحامها وتنظيفها وتهيئتها لتحويلها إلى مكان سياحي، واستطاعوا إقناع مسؤولي البلدية بتقديم لهم العون، حيث تم اليوم تزويدها بالإنارة الكهربائية وخلق الأروقة والمسالك التي يعبرها الزوار خلال رحلة عمق الأرض
واليوم المشرفون عليها يعبرون عن تخوفهم من حدوث مكروه لها بسبب المخاطر الكثيرة التي تواجهها، منها ما هو متعلق بحجم الزيارات التي تنظم يوميا والأعداد الكبيرة من الزوار التي تساهم في ارتفاع حرارتها واحتمال ذوبان النوازل والصواعد، بالإضافة إلى خطر غاز ثاني أكسيد الكاربون الذي تطرده السيارات والشاحنات العابرة للطريق، وهو ما يستدعي تدخل السلطات المحلية لصيانتها وحمايتها من الزوال والاندثار.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)