الجزائر

رأي هل سلّم المثقفون الراية للرياضة؟



هل هو إعلان العداء هذا الذي يجري بين الثقافة والرياضة.. شعراء وأدباء يمتعضون من ميل الجمهور إلى الشأن الرياضي، وآخرون من الأدباء أنفسهم يُـلقون أقلامهم، ليس لتجريب الحظ وإنما للإنشغال بما يجري في الملاعب الرياضية من مباريات كروية، يبدو أنها أفقدت الجمهور عقله، وتسلّلت بنوع من الذكاء إلى حدود لم يكن بإمكانها تخطيها قبل أيامنا هذه.قبل أيام قليلة، ساورني هذا التساؤل وأنا أبحث عن سبب القطيعة بين المثقف والرياضة، والذي لا شك فيه أن الكثير من المثقفين -رغم بعض الحالات السوية النادرة-، يجدون حرجا في التعبير عن اهتماماتهم الرياضية، ذلك المجال الذي رفع من مستوى التأهب في المجتمع إلى أعلى الدرجات، حتى لم تعد ثمة حلقة في مسجد أو لقاءات في جامعة أو مقهى أو مكتب، في أي وظيفة، تخلو من ذكر لهذا الحدث، خصوصا بعد تأهل الجزائر في مقابلة أم درمان بالسودان. لكن السؤال الذي يبقى يطرح نفسه هو: بأي نظرة ينظر المثقفون إلى الرياضة؟ وما هو السبب الذي يجعلهم، إلى جانب المتدينين ينفرون من التطرق إلى مواضيع كرة القدم؟ وهل يمكن اعتبار هذا النوع من الإنشغال شبانيا صبيانيا، أم أن فيه مخالفة لدواعي الجدّ التي هي من سمات الرجولة وعلامة كمال مروءة؟قبل المواعيد الكروية الأخيرة، كان من السهل التطرق إلى هذا الموضوع والحسم فيه دون الحاجة إلى مقدمات وتفاصيل كبيرة، لكن في الوقت الراهن، يبدو أن المسألة أخذت أبعاد مختلفة، إذ وقع تجاوز لذلك الحظر المفروض من قبل على متابعة مجريات كرة القدم، وحتى بالنسبة لبعض الحالات التي كانت محل خلاف من الانشغال بمتابعة المقابلات الرياضية بين بعض الأوساط الثقافية / الدينية، تجاوزها الواقع الذي فرض نفسه بإلغاء "حالات الخلاف" لصالح الإقبال على متابعة الرياضة، دون الحصول على مبررات كافية تعطي تفسيرا لهذه النقلة المفاجئة والإجماع المناقض.كثيرا ما شهدتُ مناقشات، دار موضوعها حول اتهام الرياضة بتبديد الوقت وإضاعته، والذي تكون الثقافة والعبادات بموجب ذلك ضحيته، حيث يعيش الفرد أجواء مشحونة بالتوتر وربما ممارسة العنف، دون تحصيل نتائج ملموسة، في حين يكون الاقتطاع على حساب أوقات المطالعة أو الانزواء إلى العبادة، وهي التي لا يخفى نفعها وأجرها. هذه المبررات ومبررات أخرى جعلت الكثير من هواة الرياضة القريبين من الأوساط الثقافية والدينية يتحاشون الكشف عن ميولهم و"أهوائهم"، مكتفين في الغالب بالتعبير عن فرحتهم أو سخطهم بالنتائج في المحطات الحاسمة والختامية، حين يكون التستر والتخفي غير ممكن.الحصول على إجابات صحيحة وصريحة من المثقفين في مثل هذه الحالات هو أشبه بانتزاع اعتراف في مكتب لقاضي تحقيق، لذلك فإن نقطة الاتفاق التي لا يختلف حولها الجميع ممن سألناهم هي أن جل الإنشغال لديهم ينصب على نهائيات الألعاب وحين تكون بترسيمة وطنية.. وبذلك تقول الدكتورة هداية مرزق، أستاذة الأدب بجامعة فرحات عباس بسطيف التي تابعت كل الفعاليات الكروية الأخيرة، خصوصا تلك التي جرت مع المنتخب المصري، وتتذكر الدكتورة هداية جيدا أحداث القاهرة التي راح ضحيتها المنتخب الوطني عندما تعرض لرشق بالحجارة، حيث كانت وقتها تتواجد بالمغرب واضطرت للإتصال بمنزلها في سطيف من أجل الاستفسار عما يجري، وكأنها بحاجة إلى مصادر شعبية موثوقة في وطنها، رغم ما سمعته من وسائل الإعلام بالمغرب.وترجع الدكتورة هداية، ويتفق معها الكثير من المثقفين، الهبّـة الشعبية إلى الملاعب في الفترة الأخيرة إلى الطابع السياسي الذي سوّق من خلاله الإعلام، وبالخصوص المصري الألعاب الرياضية، وهو ما أفرز رد فعل طبيعي ومتوقع.ويبقى ثمة سؤال، لن نضع له إجابة، ولن يجيب عنه المثقفون بدورهم -لأنه طرح عليهم وتجنبوه-، والسؤال هو: لماذا يتحاشى المثقف الحديث عن الرياضة ويبالغ بالإعراض عنها، هل هو نوع من الافتتان الذي ينبغي السكوت عنه؟ أم ياترى لأن الرياضة تربعت على عرش القلوب وسلبت الشعر تاجه وصَولَجانه.. فهم - الشعراء - يذودون عن حماهم قبل أن تسقط مملكتهم؟ الطـاهر مرابعيكاتب وناقد


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)