رأي حار النفير الخاص والشخير العام

حل شهر رمضان الكريم بشعائره وروحانياته يسمو بها المسلم في مدارج السالكين بأدوات الصيام و القيام والذكر القاهرة لشهوات البطن والفرج حتى يتسنى له الارتقاء إلى مقامات التجرد والزهد والاحسان، هذه هي فلسفة شهر القرآن بخطوات محفزة أولها رحمة وأوسطها مغفرة وآخرها عتق من النار، فيغسل الصائم نفسه من درن الحياة و يلجم شبقها المتزايد للاستهلاك و يعيد رسم خارطة طريق نحو النجاة من ضيق الدنيا إلى رحابة العلاقة السامية و المقدسة التي تربطه بالله سبحانه.كلام ولا أروع و مبتغى ولا أرقى لو طبق على أرض الملموس لتحولنا إلى ملائكة تقدم دروسا أخلاقية بالمجان لبني الانسان على وجه البسيطة كاملة، لكن تجربة الحال ومآل كل رمضان جلي للعيان أن هذا الشهر يتأرجح بين النفير والشخير، فكل الأسر الجزائرية باختلاف مستوياتها التعليمية و الاجتماعية وبغض النظر عن منسوب الأموال في خزائنها هي تعلن التعبئة العامة و تدق طبول النهم حتى قبل أن يطل علينا الهلال برأسه فتتحول الأسواق إلى دار حرب يستعرض فيها الأكالون و الشرهون عضلاتهم المادية في جلب ما فاض من غذاء وما زاد من أشياء إلى درجة أن بعض النساء أدمن على شراء الجديد من أواني الطبخ مع قدوم كل رمضان من قدور وكؤوس وسكاكين كذخيرة حية وافية و كافية لتعذيب ما وقع في شباك القفة بكل سادية طيلة الثلاثين يوما .
لا يكتفي سيدنا رمضان بإجراء تغييرات جذرية على عادات البطون بل لهزاته الارتدادية الأثر البالغ على وجوه معشر الصائمين فنسبة ساحقة من بنات حواء و بفعل الاستحياء يهجرن البهرجة و أحمر الشفاه ووردي الوجنتين فتطفو على سطح البشرة تجاعيد العمر ومكائد الدهر لذلك فإن النصح واجب لكل شاب مقبل على الزواج بالبحث عن نصفه الآخر في هذا الشهر شهر الحقيقة المفزعة حين سقوط جميع الأقنعة ، أما الرجال فيضربون عن الكلام و السلام و الابتسام و نار غضبهم تبحث عن عود ثقاب واحد فقط لتلتهم جميع مقاصد الصيام خاصة "حزب الكائنات المدخنة " الذين يسحقونك كسيجارة بين أصابعهم إن حاولت تعكير صفوهم المعكر أصلا لصفاء المشهد من أي سحابات دخان .
لكن يبقى الحزب الأكثر جماهيرية والحاصل على مقاعد الأغلبية في برلمان رمضان بعد انتخابات شفافة و نزيهة بدون تخابر ولا تآمر هو "حزب النيام بتوقيت الصيام " الذي بدل اتجاه عقارب الساعة البيولوجية فتحولت الشمس إلى قمر و القمر إلى شمس، في الليل أمواج بحور وفي النهار سكنات قبور، بث متواصل على الأثير لبيانات الشخير تحفز المنخرطين على مزيد من النوم للمصادقة على مشاريع الأحلام و تفادي النقد واللوم من قبل الخارجين عن قانون الصيام المتواطئين مع قوى الأوهام التي ما زالت تؤمن أن شهر رمضان هو شهر العبادة و العمل و الجد و كبح الشهوات و وأد النزوات فأكبر المعارك و الفتوحات التي حققها الأسلاف كانت في هذا الشهر العظيم الكريم.