الجزائر

ديهية أخر كاهنات المغرب



ديهية أخر كاهنات المغرب
هل صحيح أن علم التاريخ لا يعطينا معلومات كافيه لنعرف من تكون هذه المراة الغامضة ....
و هل صحيح ان تاريخها بهذه الرومانسية التي يتصورها البعض ...................
الغريب أن الجواب هو قطعا لا ............. لان تاريخ الحوض الأبيض المتوسط القديم يعج بالكاهنات و صورهن و تماثيلهن و قصصهن ...و ديهيا هذه ليست إلا واحدة منهن ...او ربما تكون أخر كاهنة في التاريخ .............
إن لقب الكاهنة ليس معيبة أطلقها عليها العرب و لكنها بكل بساطة وظيفتها الدينية و الاجتماعية في قومها .تماما مثلما لدينا وظيفة الكاهن في المسيحية - التي استنسخت عن الديانة الوثنية القديمة – ........فالبربر و اليونان القاطنون بالمغرب قبل الفتح الإسلامي لم يكن معظمهم يدين بالمسيحية و لا اليهودية بل بوثنية أجدادهم القديمة .
و كانت هذه الديانة الوثنية تعتمد بشكل أساسي على العرافة و التنجيم و السحر الأسود و تقديم القرابين للالهة و تشكل فيها الكاهنة دورا محوريا لأنها تجسد صوت هذه الأصنام الصماء و الوسيط بين العبد و ألهته الجامدة . و يتم هذا وفق طقوس خاصة تتم في معابد تقام اكراما للالهة و تسمى هذه الطقوس بالاوراكل Oracle او جلسات الاستحضار .
و يعتبر معبد Delphes دلف الذي أقيم للإله ابولو من أشهر المعابد اليونانية في التاريخ و الذي كانت تقام فيها طقوس استشارية للالهة في اوقات معلومة من السنة او الشهر و تسال فيه الكاهنات عن أمور الحرب و السلم و الدين و السياسة او حتى الامور الخاصة .
يخبرنا بلوتارك Plutarque ان الكاهنة تكون في سن الخمسين عادة - رغم ان الفترات الاولى شهدت كاهنات صغيرات في السن - ........و تكون نبوءتها على شكل اشعار و تراتيل يقوم اثنين من الكهنة الرجال بتفسيرها و اعادة صياغتها .و يعاونهم في ذلك خمسة من الوزراء . اذ تقوم الكاهنة بالرقص في وجود مكثف للبخور و النباتات السحرية إلى إن تدخل في حالة من الهذيان و الغياب و تبدأ في سرد نبوءتها .
و هذا الكلام ينطبق تماما مع ما قاله ابن عذاري في كتابه البيان المغرب بشان الكاهنة البربرية اذ قال –
- على أنها كانت وثنية تعبد صنما من خشب، وتنقله على جمل، وقبل كل معركة تبخّره وترقص حوله فسماها العرب الكاهنة أي التفازة أو الفزّانة - .انتهى كلام ابن عذاري .
و لعل ابرز فيلم سينمائي تاريخي تطرق لمسالة الكاهنة هو فيلم 300 ...بطولة ....Gerard Butler......عن حروب اسبرطة و كيف أن الملك ليونيداس قبل الذهاب إلى الحرب لجا إلى المعبد و طلب رأي الآلهة في الخطة الحربية التي أعدها . فأقيم الاوراكل – أو الحضرة - و قامت الكاهنة بالرقص بحضور البخور إلى أن وقعت أرضا و أعطته نبوءتها .
و لو أن قصة الفيلم تجنح إلى الكثير من الخيال إلا أن الآثار المكتوبة تخبرنا أن الاستعانة بالكاهنات و استشارتهن في أمور الحرب كانت من الضروريات التي تسبق أي معركة ...
فأثناء الحروب الفارسية (التي كانت بين الإغريق و الفرس)، قامت أثينا بإقامة الاوراكل سنة 490 قبل الميلاد، و هذا لاستشارة الالهة في امر التحالف مع اسبارطة فكان الرد سلبيا .
اما خلال الحرب البيلوبونيسية، التي وقعت بين أثينا و اسبرطة.فقد انحاز الاوراكل بشكل واضح الى هذه الاخيرة مما كان يولد نوعا من التشكيك في قدرات الكاهنة .
كما تخبرنا الآخبار و الروايات المكتوبة ان انشاء مستعمرة سيرانيا اليونانية أو القيروان في ليبيا قد جاء بعد نبوءة من إحدى الكاهنات ....و تقول الروايات أيضا أن سقراط المسكين الذي كان يعارض طقوس الكهانة في المعبد و يدعو الى العودة الى الفطرة الانسانية الداخلية للحصول على المعرفة قد اتهمفي نهاية المطاف بالهرطقة مما كان سببا في إعدامه عن طريق إجباره على شرب السم .
أما عن الصدور المكشوفة لتماثيل الكاهنات و تعابيرهن الجنسية فتحيلنا و لا شك إلى موضوع إرضاع الكاهنة لخالد العبسي مع ابنيها لنتساءل هل كانت قصة التبني هذه عاطفية تمليها مشاعر الامومة أم مجرد طقس ديني أخر تمليه الضرورة و العادة و العرف .
في الحقيقة أن البعد الديني هو السبيل الوحيد الذي يجعلنا نفهم أشياء كثيرة ظلت محجوبة عنا لأنها ببساطة جاءت مبتورة عن سياقها الاجتماعي و الديني ....و غاب عنا معرفها أسبابها و حيثياتها ....
أما عن السبب الأساسي لتناسي هذا التاريخ من طرف البربر أنفسهم فليس بسب فاشية المسلمين بل بسبب الطقوس البدائية الغير لائقة التي صاحبت هذه الديانة و التي جعلت السكوت عنها و التبرؤ منها سلوكا تمليه العقيدة الإسلامية و التصرف السليم.
إذ لا تزال بعض الرسومات الجدارية و كتابات المسيحيين الأوائل تتحدث عن ممارسات غريبة ترفضها الفطرة ........و هي نفس الطقوس التي ذكرها الحسن بن الوزان قرونا من بعد في كتابه وصف إفريقيا ..او حتى ابو حامد الغزالي عندما تكلم عن الفرق الغريبة ..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)