لقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقها، وأوضح لها واجباتها نحو زوجها وأطفالها ومجتمعها، وأزال الفوارق، التي كانت بين النساء كما أزالها بين الرجال، إلا بالعمل الصالح والتقوى، وحث الرجال على معاشرة النساء بالمعروف، وتركهن بالمعروف وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهن خيرا(250).
وبالرغم من قيود العادات الاجتماعية والسلطة المطلقة للزوج على زوجته وأسرته، التي خولها له العرف والتقاليد، فإن ذلك لم يقل من الدور الهام، الذي كانت تضطلع به المرأة، إلى جانب الرجل في الحياة العامة، فعلاوة على تدبير شؤون المنزل، والقيام بأعبائه وتربية الأطفال، كانت تنشط في مجالات مختلفة، كالغزل والخياطة والتجارة والتمريض(251)، والخروج إلى السوق لاقتناء حاجاتها(252).
كما كانت تساهم في النشاط السياسي والحربي، وفي نظام الاستخبارات وفي الحركة الثقافية والعلمية والدينية، في العهد الزياني، فعندما استولى السلطان أبو زكريا الحفصي على مدينة تلمسان سنة 646هـ وأخرج منها السلطان يغمراسن الزياني، تقدمت أم هذا الأخير ''سوط النساء'' على رأس الوفد الزياني للتفاوض مع العاهل الحفصي، باسم ابنها، وتمكنت من توقيع معاهدة سياسية مع الحفصيين، يعود بمقتضاها ابنها يغمراسن إلى عرشه، وكان أبو زكريا الحفصي قد أكرم وفادتها ''وأحسن موصلها وأسنى جائوتها''(253)، لما كانت تتمتع به من قوة الشخصية والشجاعة الأدبية.
وقبيل نهاية الحصار المريني الطويل، لمدينة تلمسان، اجتمعت نساء البلاط الزياني وجواربه، وعبرن عن موقفهن الشجاع، الداعي إلى مواصلة المقاومة حتى الموت أو النصر، بحيث أرسلن الخادم ''دعد'' قهرمانة القصر، لتقول للسلطان أبي زيان (703-707هـ/1303-1307م)، بأن ''حظايا قصركم وبنات زيان حرمكم مالنا وللبقاء. . فأريحونا من معرة السبي وأريحونا فينا أنفسكم، وقربونا إلى مهالكنا في الحياة. . في الذل والعذاب، والوجود بعدكم عدم''(254)، فقد لعبت المرأة التلمسانية إذن دورا كبيرا في مقاومة الحصار، وتشجيع المقاتلين على الصمود(255)، وقد أصبح دور المرأة التلمسانية، في هذا الميدان يكتسي صفة خاصة، نظرا للتأثير النفسي العميق، الذي تحدثه في الرجال، كما كانت المرأة التلمسانية، تشارك الجند في المعارك ضد العدو، بالقتال والتشجيع، ورفع معنويات المقاتلين بما تحدثه من صوت وعبارات وتلميحات وسلوكات(256) تفطن لها بنوزيان، كما تفطن لها بنومرين(257)، فكانت المرأة تجابه الشدائد، والأهوال في الحروب ولها تأثير على الناحية النفسية والوجدانية، بحيث كان لها دور فعال في التحميس والتشجيع، وتحريك الهمم، فكانت تخرج وراء الجند في هوادج فوق الجمال، تنشد أرقى الألحان، بكلمات معبرة ونبرات حادة، نافذة إلى القلوب، وهي تلبس أفخر الملابس(258)، وكان ذلك في يعقوب المريني، فظهرت في هذه المعركة نساء الفريقين، خلف المقاتلين، في الهوادج تحرضن على القتال والنزال.
وعندما هاجم أبو الحسن المريني مدينة تلمسان، كانت نساء تلمسان، تخضن المعارك إلى جانب الرجال خلف الأسوار، وقد اقتربت إحداهن ودنت من مقام أبي الحسن المريني، ورفعت صوتها تنادي بني زيان، وتحثهم على المقاومة، والصمود، وكانت في نفس الوقت تهجو سلطان بني مرين وجنوده، وتكيل لهم الشتائم، فرد عليها أبو الحسن بقوله: ''الشتم حيلة المغلوب''(259).
وكان للعنصر النسوي حضور في مجال الاستخبارات، ومراقبة التجار وتفتيش النساء في أبواب المدينة، استعملتهن سلطات تلمسان من أهل الذمة(260)، وكانت النساء يخرجن لاستقبال السلطان ورؤية موكبه في الأعياد(261)، والتنزه في الحدائق العامة والملاعب والمنيات الأماكن السياحية، التي يزخر بها محيط تلمسان(262)، وتزرن المقابر وأضرحة الأولياء للتبرك والترحم على الموتى، وكان الكثير منهن، يجاورون ضريح أبي مدين في العباد(263)، حتى أنكر عليهن خروجهن احد الفقهاء(264).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com