دلونا على الخلل يرحمكم الله الجدير بالذكر

بعد حوالي 41 سنة من الفراق قررنا أن نجتمع.. كان لقاء رائعا بكل المقاييس وجميع المواصفات.. افترقنا وعمر أكبرنا لا يتعدى الثامنة عشرة والتقينا وقد بلغ منا الكبر مبلغه.. افترقنا عزابا والتقينا وأغلب أبنائنا متزوج و والد.. كنا ندرس جميعا بدار المعلمين ببوزريعة حيث كانت الإقامة الداخلية إجبارية على جميع الطلبة بمن فيهم الذين يسكنون بوزريعة ذاتها، وقد كنت واحدا منهم .. من يشاهدنا في لقائنا الأخير الذي أردناه في إحدى الغابات المطلة على شواطئ مدينة دلس الخلابة يعتقد أننا صبية لم يشبوا عن الطوق بعد.. تطرقنا إلى كثير من المواضيع واسترجعنا كثيرا من الذكريات الجميلة والأليمة.. تذكرنا أشياء مهمة أثناء دراستنا ما أحوجنا إليها اليوم.. تذكرنا كيف أن الدولة الجزائرية الخارجة لتوها من حرب ضروس مع الاستعمار الفرنسي الغاشم أولت أهمية كبرى للتكوين وتكوين المعلمين بالذات، يكفي تدليلا على هذا الاهتمام هو إسناد الإشراف والإدارة لعضو في الحكومة المؤقتة هو الراحل عبد الحميد مهري الذي استقدم أكفأ وأقدر الأساتذة العرب والجزائريين في جميع الإختصاصات للتدريس بدار المعلمين.. تذكرنا كيف أننا كنا نناقش مسائل فكرية وأدبية وأعمارنا حينها لا تتجاوز الخامسة عشرة سنة يعجز عن مناقشتها كثير من أبنائنا الآن حتى في الجامعات.. تذكرنا كيف أننا كنا نتسلل من جدران مؤسستنا لا للذهاب إلى الأسواق أومعاكسة الفتيات أوالتفرج على الأفلام والحفلات، ولكن كنا ”نهرب” من أجل حضور المحاضرات التي تقام في الموڤار، وكثيرا ما كان المرحوم عبد الحميد مهري يصفح عنا لما يتأكد من أننا كنا فعلا بالموڤار.. تذكرنا كيف كنا نتلهف على قراءة الكتب القديمة والحديثة وكيف أن أغلبنا كان يتم القراءة في الحمامات والمراحيض بعد أن يطفئ المراقب النور.. تذكرنا كيف أن أوقات فراغنا كنا نملؤها بالألعاب الفكرية المهذبة للروح وللسان والشاحذة للفكر.. تذكرنا كل هذا وغيره، وقلنا أين الخلل في منظومتنا التربوية الآن.. هل في المرافق أم في المسيرين أم في التركيبة النفسية لأبنائنا أم في التأطير.. أم في كل هذه الأمور؟؟