دعا يونس قرار، الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الدولة إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة سلبيات التكنولوجيا التي فرضت نفسها بقوة. وقال بمناسبة تنشيطه مؤخرا محاضرة بالمركز الثقافي الإسلامي تحت عنوان "كيف نتعامل إيجابيا مع شبكات التواصل الاجتماعي"؟، أن الجهود اليوم لابد أن توجه نحو الاستثمار في مجال ابتكار برامج خاصة بالرقابة الأبوية، تفرض على المتعاملين لحماية الأبناء من كل الأخطار المحتملة، مع التوجه نحو إطلاق التجارة الإلكترونية التي تعتبر البديل الحقيقي عن البترول بالنظر إلى نسبة الأرباح التي تحققها.أشار الخبير في بداية مداخلته إلى أن الأنترنت تحولت إلى هاجس حقيقي بالنسبة للأولياء، بعدما أصبح يجري استغلال جانبها السيئ أكثر من الإيجابي، هذه الظاهرة المقلقة جعلت بعض الأطفال يضعون حدا لحياتهم، فقط لأنهم اختاروا بعض الألعاب الخطيرة عن جهل، وهو ما حدث مؤخرا في قضية "الحوت الأزرق"، بالتالي يقول "كان لابد من النظر إلى عدم إمكانية وضع حد لهذه التكنولوجيا أو التخلص منها والتفكير بصورة جدية في إشكالية "كيف ينبغي أن نتعامل اليوم معها؟ خاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي أضحت تستقطب اهتمام عدد كبير من الأطفال الذين يتأثرون سلبيا بها".
من جهة أخرى، دعا الخبير إلى عدم الخوف من هذه التكنولوجيا لأنها تظل وسيلة، ومن يستعملها هو الذي يتحكّم فيها، أي المستهلك هو الذي يقرر الجانب الذي يرغب في استغلاله، سواء كان في جانبه الإيجابي والمحصور عادة في تنمية المعارف أو ربط الصداقات أو في المشاريع البحثية أو التجارية، أو في جانبها السلبي كالترويج للآفات الاجتماعية والمساس بأمن وعقيدة الأفراد وانتماءاتهم، مشيرا إلى أننا نخطئ اليوم في الاعتقاد بأن الأطفال لا يحسنون استخدام هذه التكنولوجيا، يقول "بل على العكس من ذلك، لأنهم أصبحوا اليوم متمكنين أكثر في التكنولوجيا من الأولياء، وهذه هي المعضلة الكبيرة التي تواجهنا اليوم". موضحا أنهم يعرفون المواقع والصفحات والتطبيقات، من أجل هذا، أكد أن المطلوب اليوم ليس التحريم والمنع أو الدخول في صراع مع الأبناء، إنما بالمرافقة ومحاولة فهم هذه التقنيات، وما هي اهتماماتهم، وما يتم زيارته من مواقع وتوجيههم حسب التقاليد والأخلاق، كتجنّب مثلا الكذب على مواقع التواصل، لأن التوجيه يساعد على رسم الطريق الصحيح لولوج عالم افتراضي مليء بالفخاخ.
الحديث عن التعامل الإيجابي مع شبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا عموما، يقود حسب الخبير قرار، إلى طرح إشكالية البحث عن برامج المراقبة الأبوية، التي بلغت درجات عالية من التطور، حيث يمكن في الدولة المتقدمة للولي أن يراقب كل الأجهزة المزودة بالأنترنت عن بعد، إذ يمكنه أن يحدد المواقع التي يمنع دخولها والأوقات التي لا يسمح فيها للأبناء استخدام الأنترنت، والألعاب التي يمكنهم لعبها ومفاتيح البحث، وأكثر من هذا، يمكن إيقاف تدفق الأنترنت عن بعد. في المقابل أيضا، تساعد هذه البرامج على إعلام وتنبيه الأولياء برسائل نصية صغيرة بمختلف محاولاتهم الدخول إلى بعض المواقع الممنوعة، مشيرا إلى أن هذه البرامج موجودة في كل دول العالم، حيث نجد دولا تفرض على المتعاملين إدراج هذه البرامج، وهو ما لا نجده في الجزائر، للأسف الشديد، رغم أنّ إمكانية إنشاء برامج الرقابة الأبوية ممكن في الجزائر، عوض شرائها وتكييفها مع مجتمعنا، خاصة أننا نملك طاقات ومواهب ومخابر قادرة على الاستثمار في هذا المجال، ومن ثمة يفرض على المتعامل أو يباع بسعر رمزي، لأن دوره يظل حماية الأبناء.
من جهة أخرى، يرى المحاضر أنه رغم أهمية برامج الحماية الأبوية، غير أن المسؤولين لم يولوها الاهتمام المطلوب، فمثلا يقول" يفترض من وزارة التربية أن تتصل بوزارة التعليم العالي لتطلب منها إنشاء تطبيقات جزائرية موجهة لحماية الأبناء، من خلال تسخير ما تزخر به الجزائر من باحثين ومخابر قادرة على تقديم هذه الخدمة، التي يعتبر المجتمع الجزائري في أمس الحاجة إليها"، مشيرا إلى أن الباحثين أو الجهات المعنية، على غرار التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية مقصرة في مجال حماية الأطفال من مخاطر التكنولوجيا.
بالمناسبة، أشار إلى أن الحجب يظل على المستوى الشخصي آلية مؤقتة للحماية، مؤكدا أن هذه الحماية تظل محصورة في المحيط الأسري والضرر الذي يستهدف المجتمع يظل قائما، لأن الحجب في هذه الحالة يمس الحرية الشخصية، موضحا أن الدولة تملك إمكانية الحجب في إطار قانوني والمجتمع المدني مطالب بالتدخل من أجل التحفيز على إنشاء برامج الرقابة الأبوية واقتراح فرضها على المتعاملين"، خاصة أن الجزائر اليوم تحصي، حسب بعض الدراسات، أكثر من 25 مليون مشترك في خدمة الجيل الثالث، وهناك أكثر من 20 مليون فرد يملكون حساب "فايسبوك"، 67 بالمائة منهم من الذكور و33 إناثا وأكثر من 90 بالمائة أعمارهم تقل عن 35 سنة.
يضيف المحاضر "يقود تسليط الضوء عن مخاطر الأنترنت إلى البحث في الإحصائيات المسجلة لأخذ فكرة عن مدى خطورة الوضع من عدمه، غير أن غيابها في الجزائر جعلنا غير قادرين على معرفة مدى خطورة التكنولوجيا، والأرقام المتوفرة هي تلك التي تم تقديمها مؤخرا حول قضية "الحوت الأزرق" التي نتج عنها إحصاء أكثر من عشر حالات انتحار، تظل الأرقام غير نهائية لأنها محصورة فقط في الشريحة التي ظهرت وتحدث عنها الإعلام، أما ما يتعلق بالجرائم الإلكترونية التي تخص ابتزاز الناس والسرقات والاختطافات، فتظل فيها الإحصائيات شحيحة بسبب عدم التبليغ، حيث تشير قبل ثلاث سنوات، حسب مصالح الأمن والدرك الوطني، إلى تسجيل 100 حالة، وهو الرقم الذي ارتفع إلى 10500 حالة.
❊رشيدة بلال
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/02/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com