فرنسا تعمل على تقديم صورة تجعلها فوق التاريخ ونحن تحته السلطة والشعب يتظاهران بأداء واجبهم السياسي فقط - المهرجانات الثقافية والفنية خلقت لسد الفراغ فتح الممثل والمؤلف والكاتب المسرحي سليمان بن عيسى، لدى نزوله ضيفا على ندوة الخبر ، أمس، النار على وزيرة الثقافة خليدة تومي، متهما إياها بالتضييق عليه، وهي التي عانت منه من قبل، ليؤكد في نفس السياق بأن القطاع الثقافي تعفن بالمحسوبية والرشوة وشراء الذمم. وأوضح بن عيسى أنه لا يخشى من وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم، بل من الايديولوجيات التي يرتكز السياسيون فيها على الإسلام، لتكميم الأفواه وتقييد الحريات. واستغرب المتحدث البرنامج المسطر للاحتفالية بالخمسينية، حيث تساءل إن كان الأمر يتعلق بالاحتفال بخمسين سنة على الاستقلال أم بسبع سنوات من الثورة، مشيرا إلى أن مشروع فيلم مصالي الحاج متوقف، كون الشخصية لا تحظى بإجماع من قبل الأسرة الثورية.
أكد أن الدين لم يصل لتجربة سياسية ضامنة للحريات
الحكومات المتتالية منذ الاستقلال عملت على تكريس اختلافات المثقفين
اعترف المسرحي سليمان بن عيسى، بأنه لا يخشى من وصول التيارات الإسلامية إلى الحكم، بل من الايديولوجيات التي يرتكز السياسيون فيها على الإسلام، لإباحة استخدام العنف وتكميم الأفواه وتقييد الحريات. ورد بن عيسى على سؤال يتعلق بمصير الدعوة التي أطلقها من منبر الخبر قبل أشهر، لـ تفاهم المثقفين ، بأنها لم تتجسد بعد، ورأى حتمية تشكيل جبهة، فالمسألة لا تتعلق بالخلافات الداخلية، بل بالعمل على تأمين الوطن من أي تدخل أجبني، أما خلافات المثقفين أو الأحزاب، فيجب الاحتكام فيها للوحدة الوطنية .
ورأى المتحدث ضرورة إعطاء فرصة لتحديد المواقف التي يدافع عنها المثقفون لتجاوز الخلافات المضرّة ، وقال إن الحكومات المتتالية، ومنذ الاستقلال، عملت على تكريس اختلافنا، خوفا منها أن نتغلب عليها ، موضحا أن الاتحاد يتحقق بالتعددية الثقافية التي تمثل الثـروة ، وبخلق مشروع للجزائر في مرحلة السلم، بدلا من المشهد الحالي الذي وصفه بـ المهزلة ، كون السلطة والشعب يتظاهرون بتأدية واجبهم السياسي فقط.
وبخصوص الجدل الدائر بين العلمانيين حول المخاوف من صعود التيار الإسلامي، قال بن عيسى أنا لا أخاف الإسلام الذي تربيت في كنفه وورثت تعاليمه عن والدي، ما يخيفني هو استعماله السياسي للحصول على منافع، وهذا أمر يسيء له، أما تفاعلي مع الإسلام، فهي مسألة شخصية ، مشيرا إلى مساهمته في الدفاع عن حقيقة الإسلام في فرنسا منذ سنوات عبر مسرحياته بفرنسا، وفضح العنف الذي ألصق به، مضيفا لذلك، أتساءل عن الغرض السياسي من تبرير استخدام العنف باسمه ، وأضاف الإسلام عرف سلاطين ودكتاتوريين، ولكنه كدين لم يصل لتجربة سياسية ضامنة للحريات، رغم أنه جزء من الهوية. ولذلك، يبقى المشكل يتعلق بالممارسة السياسية للأحزاب . وأضاف نحن لا ننشد الدين الذي استتب في مرحلة الإسلام الأولى، لأن المطالبة بالإبقاء على الوضع السابق حمق كبير، فالمجتمعات التي لا تتغير لا وجود لها، وهذا التفكير أظن أنه لم يطرح من قبل ، والمشكل يكمن حسبه في غياب برامج مبنية على تفكير عميق لحل مشاكل المسلمين والمجتمع، والثقافة الشعبية الضعيفة ، وحتى هذه الأخيرة قال يمكن تطويرها، لأنها ذات أبعاد متعددة، ولكونها تمثل الهوية التي يندرج الإسلام في إطارها .
وحول إمكانية تشديد الرقابة على الإبداع من طرف التيارات الإسلامية، اعتبر بن عيسى أن مشكلة الرقابة مستمرة منذ العام 1962 حاولوا تكميم أفواهنا باسم الاشتراكية مرة، والليبرالية والإسلام مرات أخرى، أما الأحزاب، فايديولوجياتها تنزح نحو العنف، وترتكز في نفس الوقت على الإسلام، وهذا يتطلب الفصل بينهما، وما أخشاه هو ايديولوجيتهم، وليس الإسلام الذي استخدموه لتكميم الأفواه تحت تسميات متعددة .
قال إن القائمة الاسمية للمشاركين في التظاهرة معدّة سلفا
التصور المسطر للخمسينية دليل قاطع على إهمال تاريخنا 05 سنة
يتساءل الممثل والمؤلف والمخرج المسرحي، سليمان بن عيسى، عن جدوى الاحتفال بخمسينية استرجاع السيادة الوطنية بالكيفية التي تريدها الجهات الوصية، فيقول: لم أفهم بعد بما نحتفل، هل نحتفل بمرور خمسين سنة على الاستقلال أم بسبع سنوات من الثورة؟ ، خاصة أن أغلب المشاريع الفنية التي وقع عليها الاختيار تخص الثورة والمجاهدين والشهداء فقط، مردفا: البرنامج المسطر للاحتفالية يعطينا دليلا قاطعا على أننا أهملنا تاريخنا 50 سنة بأكملها .
وعن التصور الذي يراه مناسبا للذكرى، قال سليمان بن عيسى: كان يفترض بنا أن نحتفي بأعمال أبنائنا وشبابنا ونحن نتفرج. ولكن، للأسف، نلاحظ العكس، وهو ما يقودنا إلى الاعتراف بأننا فوّتنا الكثير ، مستطردا: ينبغي توضيح جميع المسائل المتعلقة بالتاريخ والذاكرة، شريطة أن يتم ذلك بطرق سلمية، تفاديا لأي شكل من أشكال العنف والنزاع بيننا ، ضاربا المثل بفرنسا التي أنجزت العديد من الأفلام والروبورتاجات التي تخدم رؤيتها للتاريخ. وأضاف بن عيسى أنه لما تنفض فرنسا الغبار عن الأرشيف، ثمة يظهر الوجه الحقيقي للتاريخ، وحينها فقط نستلهم الدروس والعبر .
وأعقب بنبرة حادة: يجب وضع النقاط على الحروف، اليوم قبل الغد، ففرنسا تعمل على تقديم صورة تجعلها فوق التاريخ ونحن تحته ، مشيرا إلى أنه من العيب والعار أن نطالب فرنسا بالتعويض والاعتذار، فمن يطالب بمثل هذه الأمور وهو من انتزع الاستقلال، يظهر ضعيفا .
من جهة أخرى، كشف المتحدث عن إيداع أربعة أعمال مسرحية لدى مصالح لجنة القراءة للتلفزيون الجزائري غير أنها قوبلت بالرفض، فعندما اتصلت بهم، أخبروني أنهم بصدد قراءة الأعمال المتعلقة بالخمسينية فحسب، أي دون الاطلاع حتى على فحوى أعمالي، وهو ما يدل على أن القائمة الاسمية للمشاركين في التظاهرة معدّة سلفا، كما أنها محتكرة على أسماء معيّنة دون سواها .
تساءل عن موقع السينما الجزائرية في خارطة نظيرتها العربية
مهرجان وهران نموذج للاحتفاء بالغير ونكران الذات
ربط سليمان بن عيسى خروج المسرح الجزائري من الدوامة التي يتخبط فيها، بإعداد برنامج ثقافي يتماشى مع الوضع السياسي الراهن، قائلا: أنا من أهل المهنة، ولو أعطوني المسرح الوطني اليوم، لتغير كل شيء . وعما كان سيقدمه في حال توليه إدارة بناية بور سعيد ، أوضح بن عيسى أن خلق ديناميكية في مجال المسرح مرتبط أساسا بمراعاة التركيبة الاجتماعية والعمرانية للفضاءات التي تحتضن نشاطاته ، معللا: وحتى نضمن ديمومة واستمرارية حركية الفن الرابع في الجزائر، فنحن ملزمون بتوفير القاعات، ضمان وسائل النقل، تخصيص مواقف السيارات، تشجيع ثقافة الاشتراك... وما إلى ذلك من العوامل التي من شأنها استقدام وجلب الجمهور . كما استنكر المتحدث سياسة المناسباتية التي تنتهجها وزارة الثقافة، مؤكدا أن المهرجانات الفنية والثقافية التي تقام هنا وهناك خلقت لسد الفراغ ليس إلا . وأردف متسائلا: ما موقع السينما الجزائرية في خارطة السينما العربية؟ ، قبل أن يجيب: ينبغي أن يكون المهرجان جائزة بحد ذاته، بمعنى أن يضيف لنا لا أن ينقص منا، خلافا لما يشهده مهرجان الفيلم العربي بوهران، على سبيل المثال، فهو يقتصر على استقبال الضيوف دونما احتكاك أو تبادل فعلي، ما يجعله نموذجا للاحتفاء بالغير ونكران أنفسنا .
وعن مشاريعه المستقبلية، نوّه بن عيسى بتأليف وإخراج مسرحية غربة بدون جي. بي. أس التي ستأتي في شكل ثنائية، تحاكي المشاكل التي تعيشها أوروبا بسبب الأزمة المالية، كاشفا أن عرضها الشرفي سيكون بمدينة ليل الفرنسية، شهر أكتوبر القادم، وذلك إلى جانب مسرحية الإقليم التي يعتزم إنجازها ببلجيكا، حول تداعيات الزواج المختلط.
وزارة الثقافة تكيل بمكيالين بين المثقفين والفنانين
عبّر سليمان بن عيسى عن استيائه من وضعية مشاريعه الفنية، واصفا ما يحدث له بالتضييق عليه، متهما الجهات المعنية بذلك، وتساءل كيف أن وزيرة الثقافة خليدة تومي التي عانت سابقا من الضغط والتضييق، وهي تتذكر ذلك جيدا، تقوم بنفس الممارسات حاليا، مستعرضا الوضع: أنا ممنوع من عرض مسرحيتي والموجة ولات في المسارح الوطنية التابعة لوزارة الثقافة، وقد اضطررت إلى استئجار قاعة سيراميسترا من مالي الخاص ، متسائلا: هل يجب أن أكون من الجهة التي ترضى عنها الوزيرة حتى أقدم فني؟ .
وأوضح المتحدث أنه لجأ إلى مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام من أجل الاستفادة من قاعة الموفار، فرد أنه يجب عليه أن يتحصل على موافقة الوزارة أولا. وبكثير من الأسف، تساءل: لِمَ هذا الاقصاء وهذه البيروقراطية على الإبداع والفن؟ . وندّد بن عيسى بما أسماه سياسة الكيل بمكيالين بين المثقفين والفنانين ، ضاربا المثل بالكاتب ياسمينة خضرة الذي، كما قال، تشتري الوزارة كل نسخ كتبه (حوالي 2000 ) من الناشر، حتى قبل أن ينشر، بالإضافة إلى وزارة الخارجية (7000 نسخة)، بينما ما تزال نصوصه الثلاثة تنتظر التفاتة الوزارة وصندوق دعم الإبداع الذي لم نر منه شيئا ، كما أضاف. ولا تنتهي متاعب بن عيسى مع المؤسسات الرسمية، فبالنسبة إليه المضايقة عامة، إذ أن كتبه التي سلمت أيضا إلى المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ما زالت تنتظر. وحسبه، فإنها لن ترى النور أبدا، لأن الاعتراض على سليمان بن عيسى أساسا، مرجعا السبب إلى أن قطاع الثقافة تعفن بكل أمراض المحسوبية الرشوة والمتاجرة بالذمم .
شخصية مصالي الحاج ليست محل إجماع من العائلة الثورية
بدا المسرحي سليمان بن عيسى متشائما من مصير مشاريعه الفنية التي أطلقها العام الماضي، والتي بقيت حبيسة الأدراج، منها مسرحية أحمد باي، بالإضافة إلى مسلسل مصالي الحاج الذي يلقى المعارضة والرفض من أطراف عديدة تقف ضد إنجازه، مضيفا أن هذه الشخصية لا تلقى الإجماع في الجزائر هناك حتى من اتهمني بالخيانة، لأنني أريد أن أتطرق له، ومنهم مجاهدين كبار . مضيفا أنه مهما أخطأ الرجل، فهو جزء من ذاكرتنا، وعلى الأجيال أن تتعلم من أخطاء غيرها، متسائلا في هذا الصدد هل كل من قام بالثورة أنبياء؟ ، مضيفا لو كانوا كذلك، لما أخطأوا منذ الاستقلال إلى الآن، وأوصلوا الجزائر في أحيان إلى كوارث حقيقية . وأوضح بن عيسى أنه توجه إلى العديد من المجاهدين والمسؤولين وطالبهم بإيضاح الأمر، حول ما إذا كان لديهم اعتراض على الشخصية، كما أوضح أن الوقت قد حان لكشف التاريخ للأجيال وتجاوز الحساسيات، ليخلص في الأخير إلى القول هناك اعتراض على شخصية مصالي الحاج، وصراع كبير، فلا يوجد إجماع من العائلة الثورية حولها .
المجلس الوطني للثقافة لا جدوى منه
يرى المسرحي سليمان بن عيسى أن المجلس الوطني للثقافة، الذي تسعى وزارة الثقافة لتأسيسه، لا جدوى منه، لأنه عبارة عن لجنة تعمل تحت وصاية وزارة الثقافة، متسائلا من يضمن استقلالها، وإن كانت كذلك، من يضمن أن الاقتراحات المقدمة ستؤخذ بعين الاعتبار؟ . وأشار بن عيسى إلى أنه عندما استدعي لمناقشة الدستور، قدّم اقتراحا بإلغاء وزارة الثقافة وتأسيس مجلس أعلى للثقافة، يضم رئيسا معيّنا من الحكومة في مرتبة وزير، وباقي أعضائه ينتخبون من طرف المثقفين والفنانين، حيث يمثل كل واحد مجالا من مجالات الثقافة والفن، من كتاب، مسرح، سينما... إلخ.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: مكي أم السعد/مسعودة بوطلعة/كهينة شلي
المصدر : www.elkhabar.com