تكفّلت الدولة الجزائرية تكفّلا تاما بالهوية الأمازيغية باعتبارها مطلبا اجتماعيا وثقافيا وتاريخيا، عبر مراحل متتابعة بدأت بالتخلي عن "النكران التدريجي للهوية الأمازيغية" وصولا إلى الاعتراف القانوني الذي اتخذ مسارا تدريجيا إنطلاقا من دستور 1996، لتستكمل ترقية البعد الأمازيغي بشكل جلي خلال العهدات الرئاسية للسيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي كرس البعد الأمازيغي في الهوية الوطنية في دستور 2016، الذي اعترف بالأمازيغية كلغة وطنية رسمية إلى جانب العربية، وكان ذلك متبوعا بإنشاء المجمع الجزائري للغة الأمازيغية، واعتبار يناير عطلة وطنية مدفوعة الأجر.ويمكن تصنيف الجهود التي قامت بها السلطات قبل سنة 1996، في خانة المساهمات "المحتشمة" و«غير الجريئة" اتجاه الهوية الأمازيغية، حيث اكتفت السلطات في أول دستور تعددي سنة 1989 ب«التلميح في الديباجة" إلى الامتداد النوميدي الأمازيغي للشعب الجزائري، "لقد عرفت الجزائر في أعز اللحظات الحاسمة التي عاشها البحر الأبيض المتوسط كيف تجد في أبناءها منذ العهد النوميدي والفتح الإسلامي، حتى الحروب التحريرية من الاستعمار روادا للحرية، والوحدة والرقي وبناة دول ديمقراطية مزدهرة، طوال فترات المجد والسلام"، وكانت هذه الخطوة متبوعة بإنشاء المحافظة السامية للأمازيغية في27 ماي 1995، تكفّلت برد الاعتبار للغة الأمازيغية وترقيتها باعتبارها عنصرا مكونا للهوية الجزائرية، كما تم إطلاق النشرات الاخبارية باللغة الأمازيغية في التلفزيون الرسمي، وجاء هذا الاعتراف تلبية لمطالب الحركة الثقافية البربرية.
وخلال عهدة الرئيس اليمين زروال، تم إقرار أول اهتمام فعلي للدولة الجزائرية بالهوية الأمازيغية من خلال ديباجة دستور 1996، الذي اعترف بالأمازيغية ضمن مكونات الهوية الوطنية "والمكوّنات الأساسية لهويتها وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية".
غير أن الاهتمام العميق بالأمازيغية تجسد بشكل جلي خلال عهدات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي أخذ على عاتقه الإصغاء لمطلب التكفّل بالهوية باعتباره واقعا سوسيولوجيا وثقافيا وتاريخيا للجزائر، حيث بادر سنة 2002 بتعديل دستوري اعتمدت فيه اللغة الأمازيغية ك«لغة وطنية"، وجاء ذلك كإجراء مكمل لتدابير المصالحة والتهدئة التي بادر بها السيد بوتفليقة، لإخماد نار الفتنة التي اندلعت في منطقة القبائل سنة 2001، فيما عرف بأزمة "العروش".
من التلميح المحتشم إلى الاعتناء القانوني في دستور 2016
مقارنة بما قامت به الدولة الجزائرية في موضوع الاعتناء بالهوية الأمازيغية يعد التعديل الدستوري لسنة 2016، قفزة نوعية ومنعرجا حاسما في التكفّل بالهوية الأمازيغية، حيث تم بموجبه تعديل الديباجة التي ذكرت بالتاريخ النوميدي للجزائر، بالإشارة إلى أنه "كان أول نوفمبر 1954 نقطة تحول فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجا عظيما لمقاومة ضروس واجهتها مختلف الاعتداءات على ثقافتها وقيمها والمكونات الأساسية لهويتها، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية التي تعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحدة منها، وتمتد جذور نضالها اليوم في شتى الميادين في ماضي أمتها المجيد". ونص الدستور الجديد في مادته الرابعة على أن "تمازيغت هي كذلك لغة رسمية ووطنية، تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللّسانيّة مستعملة عبر التراب الوطني.. يُحدث مجمع جزائري للّغة الأمازيغيّة يوضع لدى رئيس الجمهورية، يستند المجمع إلى أشغال الخبراء ويكلّف بتوفير الشروط اللاّزمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد، تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة وفق قانون عضوي". وقد أرسى هذا التعديل الدستوري حسب رسالة رئيس الجمهورية بشكل نهائي "امتلاك كل الشعب الجزائري للغة الأمازيغية التي هي أيضا لغة وطنية ورسمية وعاملا إضافيا للوحدة والتماسك".
وكنتيجة لهذا التعديل الدستوري الهام والجوهري جاء ميلاد قانون" المجمع الجزائري للغة الأمازيغية" الذي صادق عليه نواب الشعب أسندت له مهمة الاعتناء والبحث لكتابة اللغة الأمازيغية وفق التنوعات اللسانية بالجزائر التي يقدر عددها ب12 تنوعا، فيما وسبق إنشاء المجمع اعتماد رئيس الجمهورية، لرأس السنة الأمازيغية "يناير" "كعطلة وطنية مدفوعة الأجر، وهي توافق تاريخ 12 جانفي من كل سنة"،
واختتمت سنة 2018 بإنجاز آخر مكرس للهوية الأمازيغية بإقرار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إدراج صورة الملك النوميدي "يوغرطة" الذي خاض أشرس الحروب ضد الرومان، في الأوراق والقطع النقدية الجديدة من فئة 100 دينار و500 دينار و1000 دينار، إلى جانب مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر، والقمر الصناعي الجزائري "ألكوم سات" تجسيدا لامتداد تاريخ الجزائر العريق، وتطورها المشهود الذي ساير مختلف التطورات التكنولوجية والرقمية الحاصلة في العالم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/01/2019
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : شريفة عابد
المصدر : www.el-massa.com