يعد حي درب بني جملا، الواقع في المدينة القديمة لتلمسان، مكاناً غارقاً في التاريخ والذكريات التي تمر عبر الأجيال. هذا الدرب، المعروف بتصميمه الفريد وجوه الخاص، كان له تأثير كبير على حياة العديد من العائلات المحلية، مما خلق روابط قوية بين سكانه. واليوم، ورغم التحولات والتحديات التي فرضتها التحديثات العمرانية، يظل تراث هذا الحي شاهداً ثميناً على ماضي المدينة.
حي في قلب الحياة الاجتماعية
كان درب بني جملا، بأزقته الضيقة وبيوته المتلاصقة، في يوم من الأيام مركزاً حيوياً للمجتمع المحلي. وتروي العديد من الشهادات الذكريات الجميلة عن سنوات الطفولة، حيث كانت السكينة والنظافة تسود بين سكانه. كان الحي يتميز بعلاقات الجوار والمساعدة المتبادلة بين قاطنيه، الذين كانوا يعرفون بعضهم البعض جيداً. ويمثل طابع هذا المكان العائلي، حيث تتوالى الأجيال، إحدى السمات التي شكلت هويته الخاصة.
يتذكر سكان درب بني جملا تلك السنوات الماضية بحنين، ويشددون على أهمية الحياة المجتمعية واحترام التقاليد المحلية. كان الأطفال ينشأون في أجواء من التعاون والاحترام المتبادل، وهو نمط حياة يبدو أنه تلاشى مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المدينة.
هندسة معمارية تقليدية وفريدة
تعد تركيبة الحي دليلاً على نمط عمراني خاص بالمدن القديمة في شمال أفريقيا. يصف درب بني جملا كدرب مسدود، وهو متاهة حقيقية حيث يدخل الناس من شارع ضيق ولكن لا يمكنهم الخروج بسهولة. يعتبر هذا النوع من التخطيط العمراني سمة مميزة للمدن القديمة في العالم العربي، حيث كان يهدف إلى الحفاظ على خصوصية السكان مع تعزيز شعور قوي بالانتماء. كانت هذه الأزقة الضيقة، المحاطة بالمنازل الحجرية، تخلق جواً خاصاً بعيداً عن الطرق الرئيسية. كان الحي مكاناً يحترم فيه الخصوصية، ولكنه أيضاً كان فضاءً للمشاركة والود.
تحول لا مفر منه
ومع مرور السنوات، شهد درب بني جملا تأثيرات الزمن والتحولات العمرانية. أصبح الحي، الذي كان في يوم من الأيام مكاناً هادئاً ومفعماً بالحياة، يشهد تغيرات غير مرغوب فيها. بعض الشهادات تشير إلى تحول هذا المكان إلى منطقة يُشاع عنها الانحراف والانحلال. ويرجع هذا التغيير جزئياً إلى ظواهر اجتماعية واقتصادية مثل الهجرة الريفية والتدفق الكبير للسكان الجدد إلى المراكز الحضرية، مما غير التوازن المحلي.
ومع ذلك، يظل هذا الحي في الذاكرة كمكان رمزي لهوية تلمسان، وهو مكان لا يزال أهاليه، سواء القدامى أو الجدد، يعتزون به.
تراث يجب الحفاظ عليه
من أبرز النقاط التي تثيرها المناقشات حول درب بني جملا هي الدعوة إلى الحفاظ على هذا التراث. يرفع العديد من الأصوات لتسليط الضوء على أهمية ترميم هذا الحي وإعادة الحياة له. يرى المدافعون عن هذا التراث أن درب بني جملا، بما له من أزقة تاريخية وأجواء فريدة، يمتلك إمكانات كبيرة لتطوير السياحة في تلمسان، لا سيما في إطار إعادة تنشيط المدينة القديمة للمدينة، مثلما فعلت العديد من مدن شمال أفريقيا. يمكن أن يُسهم ترميم هذا الحي في تحفيز القطاع السياحي ويعيد لتلمسان جزءاً من روحها المفقودة.
الخاتمة
يعد درب بني جملا أكثر من مجرد حي في تلمسان؛ إنه مكان مليء بالذاكرة والتاريخ والمشاعر. يعتبر تراثه، سواء كان معمارياً أو اجتماعياً، ثروة لا تقدر بثمن ويجب الحفاظ عليها. من خلال تعزيز هذا الدرب ودعم مشاريع ترميمه، يمكننا الحفاظ على تاريخ تلمسان وإعادته إلى الحياة من أجل المستقبل، وجعل هذا المكان نقطة جذب سياحية ومصدر فخر للأجيال القادمة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/12/2024
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : Photo : Hichem BEKHTI