أصبحت الدروس الخصوصية جزء من الحياة الدراسية للتلاميذ في كل البلدان العربية، ولم يعد أمام الأولياء أي خيار إلا النزول عند طلب أبنائهم بدفع مستحقات مالية شهريا للمعلمين والأساتذة، الذين يحول أغلبهم بيوتهم إلى أقسام دراسية موازية، يعطون فيها لمنتسبيها أسباب التفوق، وهو مايقلل من حظوظ التلاميذ غير القادرين على اخذ هذه الدروس في النجاح. وإذا كنا قد تطرقنا الى سلبيات هذه الظاهرة من قبل، فان تصنيفها كشكل من أشكال العنف في الوسط المدرسي في دراسة تونسية يثير الانتباه.تطرق الأستاذ بن فرج من كلية علم الاجتماع في تونس، في مداخلة قدمها بمناسبة اِنعقاد ملتقى حول الشباب والعنف المدرسي في بلدان المغرب العربي، إلى دراسة أجريت في 2006 حول أشكال العنف في المؤسسات التربوية بتونس، تطرق إلى عوامل مختلفة، لعل أهمها قوله إن الدروس الخصوصية أصبحت اليوم شكلا من أشكال العنف الذي يمس التلميذ وعائلته.
ولتسليط الضوء على هذه الفكرة، سألنا الأستاذ بن فرج عن الارتباط بين الدروس الخصوصية والعنف، فأوضح أن الأولياء اعتبروا حسب الدراسة التي أجريت- بأن هذه الدروس ''أكثر وأخطر أشكال العنف حضورا في حياة التلميذ وأسرته، فالتعليم تحول إلى عملية تجارية بحتة، وانتهى مفهوم المعلم الأب الذي حتى إذا مارس العنف أحيانا مع التلميذ فإنه يفعل ذلك من منطلق محبة الآباء وحرصهم على مصلحة أبنائهم''.
لكن اليوم كما جاء في ذات الدراسة، فإن الممارسات التعليمية وعلى رأسها الدروس الخصوصية، أصبحت تعكس بأن الدراسة'' عملية طبقية'' -كما يقول محدثنا- مضيفا ''اليوم الذي يملك المال ينجح، لقد أصبحنا نسمع عن نماذج نجاح مكلفة تتجاوز قدرات العائلات. وهو ما وضع العائلات كلها في إطار سباق محموم لتأمين الدروس الخصوصية التي تدرس ساعات متتالية وتخص كل المواد''.
مايحدث بسبب هذه الدروس هو إجهاض كل وسائل العائلة وإمكانياتها التي تسمح لها بالعيش الكريم، فهي أحيانا تخصص أعباءها المالية على حساب الأكل أو على حساب الكراء أو على حساب الصحة. ويتساءل الأستاذ بن فرج: ''من هو المسؤول عن تحمل هذه الأعباء''؟ يجيب قائلا: ''هم الآباء لأنهم لايريدون أن يحس أولادهم بالنقص مقارنة بالآخرين، بالمقابل، أصبح بعض المعلمين يتاجرون بالدروس فيعطون نصف الدرس في القسم والنصف الآخر في الدرس الخصوصي، أي في منزلهم''.
أمام هذا الوضع، يعترف ذات المصدر بأن القوانين موجودة وهي تمنع هذه الممارسات، لكن لا أحد يتكلم، ولا أحد يستمع للأولياء الذين قد يحسون بالذنب فلايستطيعون الكلام، كما أشار. ''التلميذ أحيانا يحس أنه عوقب لأنه لم يأخذ دروسا خصوصية، عندما يتحصل على علامة أقل مما يستحق. كل هذا يؤثر على شخصية الطفل وعلى العائلة. وأقول إن هناك لوبيات للمعلمين ولوبيات لمديري المدارس تعمل على التغطية على هذه الظاهرة. والوزارة بالمقابل لاتريد مواجهة هؤلاء، وبالتالي لانتكلم عن الظاهرة بحجمها الحقيقي ونعتبر أنها موجودة لكن بدرجة بسيطة''.
الدراسة التونسية شددت على القول بأنه ''حان الأوان لأخذ الأمور بجدية ومعالجة الظاهرة حتى يعود التعليم لأبناء الشعب، لأن الشعب يساهم في تمويل العملية التعليمية، وذلك حتى لانفرغ المدرسة العمومية على حساب المدرسة الخاصة ونجعل الجيوب تكتنز على حساب عرق الشعب''.
وبالنسبة لأشكال العنف الأخرى التي تطرقت إليها الدراسة، ركز الأستاذ على مسألة ''تقنيات الإهانة المعتمدة في الأقسام''، وهي -كما أشار- موجودة في كل المدارس، ودافع عن التلاميذ بشدة قائلا ''إن الضعيف في الحلقة التعليمية هو الذي يدفع الثمن، والأضعف هو التلميذ وفي الآخير لانرى منه إلا رد الفعل العنيف الذي أقدم عليه بعد مجموعة من الضغوطات التي مورست عليه، ولم يتحدث أحد عنها، ثم نحاسبه لأنه قال كلمة عنيفة أو في مرحلة يأس بعد تعديات متعددة كضرب أستاذ. في الوقت ذاته، لا أحد يبحث عن كيفية معاملة المعلم للتلميذ حتى وصل إلى هذه المرحلة، ونطالب بعقابه أشد العقاب، وهذا فعلا ما يتم ويطرد من كل مدارس الجمهورية في سن مبكرة، ونتركه وشأنه وعائلته، فنصنع مشروعا مجرما ناجحا''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/12/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : حنان حيمر
المصدر : www.el-massa.com