على مؤرخي الجنوب أن ينفضوا الغبار عن تاريخهم ويؤرخوا له
تطرح مسألة كتابة التاريخ العديد من التساؤلات التي تتأرجح بين حقيقة ما كتب وسيكتب وبين التلاعب بذاكرة الشعب الجماعية، فكم يجب على الجزائري الانتظار ليقرأ تاريخه سليما خاليا من التكهنات التي باتت تطبع الكتابات التاريخية المبنية على كل شيء ما عدا الحقائق والموضوعية. ولإضاءة زاوية صغيرة من هذه الإشكالية التي تطفو على السطح في كل مناسبة، ارتأينا أن نتوجه بأسئلتنا إلى الأستاذة خولة طالب الابراهيمي، التي التقيناها بمكتبة الفنون الجميلة على هامش تقديمها لكتاب ”من أجل تاريخ فرنسي جزائري” الذي أشرف عليه كل من فريديريك آبيكاسيس وجيلبار مينيي وبحضور هذا الأخير وقامت الأستاذة بترجمته فكان لنا معها هذا الحوار.
بداية هل لك أن تبسطي للقارئ الجزائري عنوان الكتاب ”من أجل تاريخ فرنسي جزائري”؟
من أجل تاريخ فرنسي جزائري معناه أن يكون التاريخ مبني على التشاور بين المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، هكذا ينبغي أن يفهم وليس أن يصبح التاريخ فرنسيا وجزائريا، بل يجب على المؤرخين الجزائريين والفرنسيين التشاور والتواصل من أجل تقديم للقارئ الجزائري والفرنسي على حد سواء تاريخا مبنيا على التشاور والانتقاد المتبادل للوصول إلى بناء جسور بين الضفتين وبين الشعبين. هذا هو المقصود من عنوان المؤلف الذي يلخّص النوايا الحسنة لبعض المساهمين في البحوث التاريخية الخاصة بالجزائر.
جاء في الكتاب عبارة ”رد الكلمة للتاريخ محاولة للتأريخ” كيف يمكن أن ترد الكلمة للتاريخ؟
نقصد بذلك المادة العلمية ولا نقصد التاريخ كأحداث تقع خارج إرادتنا. نتكلم هنا عن البحث التاريخي وعن الحقل العلمي، وهذا معناه أن ترد الكلمة لأصحاب التخصص الذين باستطاعتهم تقديم أبحاث موضوعية إلى أقصى حد ممكن بعيدا عن لوبيات الذاكرة المختلفة، لأن للفاعلين في الحقل التاريخي تاريخهم كما يتصورونه بعيدا عن الضغوطات المختلفة التي تأتي عادة من السلطات داخل كل بلد، لأن ذلك لا يقتصر على الجزائر أو فرنسا دون سواهما.
معظم الكتابات التاريخية الجزائرية تناولت منطقتي القبائل والأوراس، ماذا عن المناطق الأخرى من الوطن؟
لا أعتقد أنك تقصدين الجهوية، والسبب بكل بساطة يعود إلى اهتمام بعض الأقطاب بهذه المناطق لا غير. ويبقى السؤال الذي يطرح في كل مرة لماذا لا نكتب عن مختلف الولايات؟ وحسب اعتقادي السبب يكمن في صعوبة الوصول إلى بعض الأرشيف، بالإضافة إلى وجود كم هائل من المذكرات التي تم نشرها لبعض الفاعلين والتي استعملت كمراجع، أو ربما مثلا نتحدث عن منطقة القبائل لأنها المنطقة المتمردة التي أرادت دائما أن تثبت وجودها حتى بالنسبة للمطالب الثقافية، وبالتالي فهي تستقطب اهتمام بعض المؤرخين، ولكن ثقي بأن الاهتمام بالمناطق الأخرى يتزايد من طرف الجيل الجديد. وقد شاركت مؤخرا في ملتقى متخصص بتلمسان تناول هذه الأخيرة والمنطقة الغربية في حرب التحرير الوطنية، من خلال إبراز عدة أسماء قدمت الكثير للثورة وكذا مجموعة من الأحداث التي ميّزت المنطقة الغربية وهي خطوة إيجابية لتوسيع البحوث التاريخية.
أين هو نصيب الجنوب من كل هذه البحوث التاريخية؟
-تبتسم-،.. نصيب الجنوب ينتظر أهل الجنوب لينفضوا الغبار عن تاريخهم المليء بالبطولات والتضحيات، لأنه كما يقول المثل ”أهل مكة أدرى بشعابها”.
هل يعني ذلك عدم وجود كُتّاب تاريخ من الجنوب في الوقت الراهن؟
لا أبدا أنا لم أقل ذلك، لكنني أعتقد أن الجنوب سيحظى بنصيبه في السنوات القادمة وهو ما يؤكده الاهتمام البالغ بالتاريخ من طرف طلبة الجنوب الجزائري من تمنراست، ورڤلة وغيرها. وعليه، فانجذاب بمثل هذا الحجم سيفتح المجال أمامهم للتنقيب والكتابة عن تاريخ الصحراء الجزائرية العريقة وتحويل بوصلة البحث باتجاه المدن الجنوبية، بعيدا عن التركيز المنصبّ على الشمال الجزائري.
على ذكر الأرشيف مؤخرا وفي إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية عرض خلال الأيام الثقافية الفرنسية نصيب من أرشيف الولاية والذي اشترط بقاؤه في المركز الثقافي الفرنسي بالولاية. هل تعد هذه الخطوة بداية ذوبان الجليد عن مسألة الأرشيف الجزائري المنتظر عودته؟
لقد حـظيت بمشاهدة المعرض الذي خصّ مدينة تلمسان، وأنا شخصيا أعتقد أنها خطوة جيدة خاصة وأنه جزء من تراث المدينة أولا وتراث الجزائر ككل. وقد يكون ذلك أول حجر يوضع في المسار الطويل لاسترجاع الأرشيف الجزائري. وأنا شخصيا متفائلة بأنه في يوم ما سيعود الأرشيف الجزائري إلى الديار، لكنني في الوقت ذاته لست غبية لأقول بأن الأمور ستسوى بين عشية وضحاها، لأن ذلك يتطلّب كفاحا طويلا، وعلينا جميعا أن نناضل من أجل ذلك. وأعتقد أن كتابا مثل ”من أجل تاريخ فرنسي جزائري” يفتح الطريق أمام هذا الكفاح.
أخيرا أين تكمن عقدة كتابة التاريخ في الجزائر؟
تكمن مشكلة كتابة التاريخ في وجود بعض الفاعلين الذين دخلوا في صراع مع الذاكرة، كما يجب أن نقرّ بالضغط الممارس من طرف السلطات التي ربما تريد أن تستحوذ على كتابة التاريخ بالكيفية التي تناسبها، إلى جانب محاولة هذه الجهات طمس بعض الحقائق وحجبها عن المهتمين بمعرفة ذاكرتهم. وهنا أقول إن كتابة التاريخ الجزائري بطريقة موضوعية من شأنه إعطاء الحق لكل الجزائريين للاطلاع على تاريخهم عبر كل الفترات التاريخية النيّرة والسيئة، المشرقة والمظلمة، وهو كفاح طويل يتطلّب الكثير من العمل الجاد والمهنية.
أخيرا هل يمكن أن نقول إن خولة طالب الإبراهيمي هي مشروع مؤرخة تاريخ؟
أنا لست مؤرّخة وإن كنت ترجمت كتاب ”من أجل تاريخ فرنسي جزائري” فهي مساهمة مني لا غير في إعادة كتابة المؤلف باللغة العربية من أجل وضع هذا الكتاب في متناول القارئ باللغة العربية، وهذا يدخل ضمن مشروع كبير يشارك فيه مجموعة من الزملاء ممن لديهم القدرة على السفر بين اللغتين العربية والفرنسية، ويعملون على نقل ما يكتب بإحدى اللغتين إلى الجمهور الذي لا يتقن سوى لغة واحدة. وهناك العديد من الزملاء الذين يترجمون في التاريخ، الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية بصفة عامة لربط الجسور بين المنظومتين المختلفتين في الجزائر الذين يستعملون اللغتين العربية والفرنسية. وأنا أعلم بصفتي أستاذة في جامعة الجزائر كما يعلم الجميع أن الطلبة اليوم لا يحسنون اللغة الفرنسية كما أحسناها نحن، لذلك هدفنا هو تقديم أعمال هامة في جميع المجالات خدمة للطلبة والقرّاء الجزائريين.
حوار: الطاوس.ب
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/11/2011
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com