الجزائر


خليفة
لم يتوقع غالبية من حضروا جلسة محاكمة ”الڤولدن بوي” أن يكون المتهم بهذا المستوى من الذكاء والخبرة. ولم يتبادر لأذهان من حضروا جلسة المحاكمة أن عبد المومن رفيق خليفة، سيبهر الجميع في جلسة محاكمته، التي ناقش فيها أرقاما وإحصائيات، ذكر فيها أسماء أشخاص عملوا معه منذ عشرات السنين، تذكر حتى المراكز التي تقلدوها خلال رئاسته للمجمع، الذي كان يحفظ ما كان يدور في وكالاته. وبذلك يتحول خليفة من الفتى الذهبي إلى الفتى اللغز.. في فضيحة القرن.خليفة.. من متهم إلى هيئة دفاعما أثار انتباهنا أيضا حفظ خليفة لمواد قانونية سواء فيما يتعلق بالقانون الجزائري، وحتى الفرنسي، وراح يناقش مع القاضي التهم المنسوبة إليه، حتى أنه وصل لدرجة قدر فيها النسبة الأكبر للتهمة الموجهة له في الملف، حيث جاء على لسان خليفة: ”90 بالمائة من الملف الذي أنتم بصدد متابعتي به هو متعلق بالإفلاس بالتدليس.. ولهذا علينا مراجعة ما يتعلق بهذه التهمة وعلينا الاستعانة في هذه الحالة بالملف المتعلق بالتحقيق الفرنسي.. حتى نراجع نسبة الأرباح وفوائض الإيرادات، وحتى تعرفوا كيفية تحويلي للأموال.. وبأي أموال اشتريت ممتلكات خليفة إيرويز بفرنسا”، كما أنه اعتبر الأخطاء التي ارتكبها البنك في فترة نشاطه، اعتبرها خليفة عادية، تحدث في كل البنوك، وقال إنه كان في كل مرة يقوم بعملية التصحيح والدليل أنه لم يتقرر تجميد نشاط البنك أو وقف نشاطه، وذكر أنه ترك في البنك 7900 مليار سنتيم.... ويتكلم عن أرقام أعماله دون الاطلاع على الملفخليفة قدم إحصائيات وأرقام، نسب مداخيله، وحتى قيمة المبالغ التي مول بها الأندية الجزائية، لم يغب عن ذهنه أي فلس، رغم أنه لم يحمل بين يديه ملفا حتى يراجع أرقامه، كان يحفظ نسب أرباح وخسائر كل وكالة كان يمتلكها على مستوى التراب الوطني، كان يحفظ أسماء موظفيه عن ظهر قلب، وحتى المراكز التي عينهم فيها على مدار سنوات، حتى أنه تذكر وقائع أحداث تعود لأكثر من 13 سنة، لم يتخلف عن الإجابة عن أي سؤال، رغم كثرتها، كان في مناظرة مع النائب العام، القاضي، هيئة دفاع الطرف المدني، وحتى محامي شركائه في الجريمة.خليفة ”… علي يموت واقف”طلب القاضي من خليفة في اليوم الثاني من مساءلته أن يجلس في حال ما إذا كان مرهقا من كثرة الوقوف، ورغم أن خليفة كانت تظهر عليه ملامح التعب والإرهاق الشديدين إلا أنه رفض رفضا قاطعا الجلوس على كرسي، وفضل البقاء واقفا، أثناء مساءلته، وكلما سأله القاضي: في حال ما إذا كان متعبا سيوقفون الجلسة حتى يرتاح قليلا، إلا أنه كان في كل مرة يقول لا أنا جيد لا بأس يمكننا المواصلة...خليفة أكثر متهم طريف في تاريخ القضاء الجزائريشهدنا في جلسة محاكمة خليفة أكثر الأمور طرافة في تاريخ القضاء الجزائري، حيث تميزت جلسة المحاكمة بخفة دم خليفة، التي كسرت جو الملل الذي عانيناه من كثرة سرد الأرقام والمبالغ المالية التي لم يستوعبها الحضور، حيث بدأ بالاستهزاء ب”غوركيف” بنعته بالفاشل الذي يشبه الخبير الفرنسي الذي قال بأن محطات تحلية المياه تسبب السرطان، رغم أن الملك السعودي هو من كان يستعملها شخصيا. وأضاف بأن مديرة الصيدلة التي كانت ملكا له كانت زوجته نادية عميروشان التي نعتها ب”زوجته تع بكري”، وأضاف سخريته من الفريق الذي كان يشجعه رغم مثابرته على الخسارة، وختمه لقائمة الخسارة في قائمة الفرق الجزائرية، كما شرح سبب تمويله لفريق أولمبيك مارسيليا دون غيره بالاستدلال بأغنية الشاب خالد ”من وهران لمرساي دلالي”، إلى نعته ل”روراوة” ”باللي ما يدير والو” بسبب فشله في احتضان كأس الكاف لسنة 2017، إلى لقاء ”بادسي” في مقهى ”ماشي تع بلاستيك”، لم يتوقف خليفة ولو للحظات عن إضفاء جو الضحك رغم أنه متهم موقوف وبالرغم من أننا الأحرار، إلا أنه برهن للجميع بأنه حر طليق بأفكاره، وأنه جاهز للوقوف لفترة شهرين ونصف الشهر من المحاكمة لإثبات براءته مهما كلفته ساعات الوقوف من تعب في الأقدام.المحامون يستفسرون: ”ما هي الأشياء التي لا تستطيع البوح بها؟”بتغطيتنا لمجريات محاكمة الفتى الذهبي لفت انتباهنا، تبين لنا أن التصريحات التي تقدم بها خليفة، خلال استجوابه ليومين متتاليين، جعلت هيئة دفاع المتهمين والشهود وحتى دفاعه، يطرحون عديد الأسئلة عن حقيقة المجمع المنهار وما إن كان حقيقة إنهار أم إن الأمر يتعلق حقيقة بمؤامرة تم تدبيرها لنهب أموال المؤسسات العمومية والموظفين الزوالية ممن أودعوا أموالهم بالبنك، ومن يقف وراء هذه المؤامرة، وإن كان مومن ذكر المدعو تواتي الذي لم يذكر في قائمة المتهمين، والأطراف الفرنسية التي كانت السبب في إعلان إفلاس شركاته بفرنسا، قبل أن تعود بعد سنتين من إعلان الإفلاس وتصدر قرارا ببراءة خليفة من تهمة الإفلاس، التي بينت التحقيقات الفرنسية أنها وقعت في خطأ فادح بسبب عدم اعتمادها على أكثر من خبرة واحدة، خاصة وأن الخبرة الأخيرة بينت وجود فائض في الإيرادات قدر ب7 مليون أورو.. وحتى أنهم طرحوا عليه سؤالا جوهريا تمثل في: ما هي الأشياء التي قلت إنك لن تستطيع البوح بها في هذه الجلسة؟ وهو السؤال الذي رفض خليفة الإجابة عنه، حيث أنه قال: لا أستطيع البوح بعدة أشياء فاعذروني...”الفتى الذهبي” درس ملفه كاملا أثناء تواجده بالسجنمنذ بداية سماع تصريحات خليفة وهو يبرهن لنا بأنه درس الملف كاملا، حتى خيل لنا بأنه درس الملف أكثر من القاضي نفسه، حيث جعلت تصريحاته كلا من القاضي والنائب العام، ومحامي الطرف المدني وحتى محامي المتهمين لا يجدون ما يدينونه به. يبدو أن خليفة كان محضّرا لهذا اليوم وكان ينتظر وبفارغ الصبر أن يثبت براءته وبأي طريقة كانت، ما يدل على أن خليفة لم يقض فترة عقوبته مجنونا ومنتشيا مثلما جاء في معظم الوسائل الإعلامية، التي كانت تنقل حقائق مزيفة عنه، حتى أنه كان يسرد على مسامع القاضي تصريحات المتهمين وحتى الشهود التي كان يحفظها عن ظهر قلب.يبدو أن السجن علم خليفة كيفية توسيع مهاراته حتى تشمل مجال القضاء، بعد أن احترف في مجال الصيدلة والبنوك وحتى الطيران، وبطريقة غريبة تمكن من توجيه ملفه بعد أن تحولت الصحافة الجزائرية وحتى العالمية تبحث معه في ملفه عن البراءة. عباراته أقنعت حتى دفاع بعض الأطراف المدنية، الذين صرحوا ل”الفجر” بأن خليفة أبهرهم، حتى أنهم يكادون يقدمون طلباتهم مكتوبة عوض المرافعة ضده، التي حضروها منذ دخوله إلى أرض الوطن.لا تحاكموني بأقاويل.. حاكموني وفقا للأدلة والمنطقصرح خليفة بأن ما كتب في محاضر السماع مجرد أقاويل لا ترقى لأن تكون دليل إدانة ضده، حتى أنه قال للقاضي إن ”القصة الواردة في محاضر السماع فعلا جميلة، ولكنها تقنيا غير مقبولة ولا يمكن للعقل أن يصدقها. أنا أقدم لكم وثائق وبراهين وأنتم تواجهونني بأقاويل. حتى وإن افتقر الملف للأدلة، على الأقل احضروا لي خبيرا في مجال الحسابات والأعمال، وستظهر حقيقة الأشياء آنذاك. أثناء فترة تواجدي بالجزائر لم يشتكي أي زبون من سوء تسيير المجمع، فكل مؤسسة طالبت بأموالها أخذتها من البنك وبطريقة قانونية، وكل شخص طلب قرضا أفدناه به، المشاكل ظهرت بعد خروجي من أرض الوطن وفتح تحقيق من قبل القضاء الفرنسي”.عشت من صدقة بعض الأشخاص في بريطانياعندما سأله القاضي من أين كان يحصل على لقمة عيشه أثناء تواجده ببريطانيا، رد خليفة ”سيدي القاضي.. عشت من صدقة بعض الأشخاص (كانوا يعاونوني شوية ناس تمة) إلى أن طلبت بريطانيا مني تسليم نفسي وامتثلت للأوامر بدون إبداء أي مقاومة، ودافعت عن نفسي أثناء التحقيق معي من قبل القضاء الفرنسي، وها أنا أخضع للمحاكمة في الجزائر اليوم كأي مواطن عادي”.خليفة من فاعل خير إلى متسبب في السرطان للجزائرييناستغرب خليفة من اتهامه باستغلال أزمة الجفاف التي كانت تعاني منها الجزائر في سنة 2002، في تحويل مبالغ مالية لفرنسا بغرض شراء فيلا ”كان”، وهو الاتهام الذي رد عليه خليفة مومن بقوله ”يقتلو الكلب ويقولو عليه مكلوب”، مؤكدا في ذات الوقت أن محطات تحلية المياه التي اشتراها كانت هدية للشعب الجزائري عندما كانت البلاد تعاني الجفاف. وقد اتهم بتحويل الأموال من خلالها نحو الخارج، ما جعله ”يندم على فعل الخير”، ويؤكد أن الأمر غير صحيح وأن القول بأنه حول الأموال المقدرة ب29 مليون دولار لشراء فيلا بمدينة ”كان” الفرنسية مجرد اتهامات باطلة. وذكر أنه اشتراها بأرباح شركة ”خليفة إيرويز”، هذه الأخيرة التي كانت الأكثر ربحا ومردودية.هل سيتجرأ وزراء سلال على مواجهة خليفة والإدلاء بشهاداتهم؟ويبقى السؤال الملح والذي ينتظر الإجابة عنه، هل سيتجرأ وزراء سلال على الحضور لمواجهة خليفة بالإدلاء بشهاداتهم؟ خاصة وأنه امتنع عن الحديث عن أي مسؤول إلا بعد المواجهة. فهل ستحمل تصريحات خليفة في الأيام القليلة الماضية باقي الشهود الغائبين إلى حضور جلسة المحاكمة، أم سيبقى الصمت والغموض يخيمان على الحلقة المفقودة من محاكمة خليفة. ويا ترى ما هي الأمور والحقائق التي رفض خليفة البوح بها رفضا مطلقا؟خليفة يتحول من ”الڤولدن بوي” إلى ”الفتى اللغز” الذي يحوي منجمه على العديد سبائك أسرار ذهبية.وقد رفض دفاع خليفة استفزاز موكله بأي شكل من الأشكال سواء أثناء طرح المحامين على موكله لأسئلة خارج نطاق الملف أو حتى استنادا على تهم موجهة له، وكانت تجتاحه نوبات هستيرية كلما طرح سؤال على موكله، رغم أن خليفة وافق على الإجابة عن كل الأسئلة دون إبداء أي تحفظ. والسؤال الجوهري المطروح بحدة هو ماذا يحمل الفتى اللغز في جعبته من أسرار؟




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)