الجزائر

خليج الجزائر..حلم جميل ينتظر من يحققه!



خليج الجزائر..حلم جميل ينتظر من يحققه!
بعد 50 سنة من الاستقلال، ألا يحق للجزائريين أن تكون لديهم عاصمة بواجهة بحرية، على غرار كبريات العواصم في العالم؟
ورغم أن خليج الجزائر يعتبر طبيعيا من أجمل الواجهات البحرية في المتوسط، إلا أن عوامل الإهمال وانعدام الرعاية وعوامل التلوث ساهمت إلى حد كبير في فقدان هذا الخليج لخصائصه الجمالية، ومع أن المشاريع جرى الحديث عنها والترويج لها على مدار السنوات الماضية كثيرة، والتي كان يفترض أن تعطي صورة مغايرة للعاصمة في شقها المقابل للبحر، إلا أن أيا من تلك المشاريع "الكثيرة" لم تجد طريقها للتجسيد.
في البداية، الكثير من الملاحظات تسجل، على العديد من المشاريع التي عرفتها العاصمة وبقت محل انتقادات عديدة على غرار مشروع محطة تحلية مياه البحر بالحامة، قبالة حديقة التسلية والتجارب ب "الحامة". المهتمون بالعمران وهندسة المدينة يؤكدون أن مشروعا تقنيا كهذا كان من الأحسن أن يقام في مكان آخر غير المكان الذي احتواه، بل وأكثر من ذلك بإمكانه أن يحتل مكانة سياحية كبرى عن طريق بناء كورنيش يستقطب آلاف الزوار أسبوعيا، وكان يمكن أن يتحول هذا الكورنيش إلى مصيف رائع وجميل بقربه من ميناء الجزائر، لكن للسياسة أحكامها وسيطرتها على الأحلام والأماني وأيضا ربما لها رؤية أخرى..
"إعمار" تبخّرت و"الجزائر مدينة" تنتظر التجسيد
في الجهة الأخرى من الجزائر العاصمة وعلى مقربة من الواجهة العسكرية البحرية، وامتدادا إلى باب الوادي ورايس حميدو، كان يمكن أن تتحول هذه المنطقة الساحلية إلى واجهة بحرية في مستوى راق، تعيد للعاصمة جمالها وتجعلها في مستوى عواصم العالم التي تستفيد من عامل البحر، خاصة وأن هذه المنطقة تحديدا، هي المنطقة التاريخية التي كانت تلتصق بمدينة الجزائر العتيقة وحي "القصبة". ورغم أن المنطقة ذاتها مازالت تحتفظ ببعض سرها وعذريتها، إلا أن السلطات لم تنفتح على فكرة إعادة تهيئتها بمستوى واجهة بحرية حقيقية.
ربما يكون المشروع الوحيد الذي دفع ببعض الحلم أن تكون للعاصمة الجزائرية واجهة بحرية جميلة، هو مشروع خليج الجزائر، الذي طرحت بخصوصه عدة دراسات ولكنها جميعها سقطت في " الماء " لأسباب كثيرة، قد تنصب حول قرارات سياسية كبرى، فضلا عن استثمار الملايير من الدولارات من أجل تهيئة المدينة القديمة للعاصمة التي أصبحت عبارة عن بيوت مكتظة عن آخرها،
العشرات منها تحتضر فيما عجت الشوارع بالسيارات ومختلف وسائل النقل، لكن هل ينتظر الجزائريين إلى غاية 2030 أو أكثر في حال سار المشروع على طبيعته، لكي يتحقق.
ومن بين المشاريع الكبرى التي أسالت لعاب الكثيرين، المشاريع الاستثمارية العربية الكبيرة التي يجري التفاوض بشأنها خاصة مع مجموعة "إعمار" الإماراتية التي كانت تعتزم منذ أزيد من سنتين إقامة مشاريع عديدة، منها تهيئة خليج الجزائر.
ويعتبر هذا المشروع ضخما، حيث يتطلب نحو 7 إلى 8 مليارات دولار، وهذا ما يستدعي إجراءات معقدة بالرغم من أن قانون الاستثمار الجاري العمل به هو قانون واحد ويطبق على كل المتعاملين الاقتصاديين، ويكرس مبدأ عدم التمييز بين المستثمرين وعلى حرية الاستثمار ويكفل تشجيع ومرافقة مشاريع جميع المستثمرين.
وحسب تصريحات المسؤولين في الجزائر عن هذا المشروع، فإن مجموعة "إعمار" الإماراتية كانت تنوي إنجاز ثلاثة مشاريع استثمارية، فضلا عن خليج الجزائر، وذلك في مجال السياحة والفندقة بالدواودة بتيبازة، إضافة إلى "مدينة طبية" بسطاوالي بالشراكة مع الطرف الجزائري وفقا لمذكرة التفاهم التي وقعت شهر مارس الماضي بين وزارة الصناعة وترقية الاستثمارات مع المجموعة الإماراتية.
وفي سياق ذي صلة، لا يمكن الحديث عن مشاكل العاصمة ومختلف المخططات والمشاريع التي عرفتها من أجل تهيئتها، دون الحديث عن مشروع مجمع "دهلي" للفندقة والعقار، مشروع المجمع الضخم " الجزائر المدينة " الذي عرض أمام الصحافة الوطنية قبل سنتين، هو مشروع جزائري مائة بالمائة ليكون صرحا ومعلما في اقتصاد البلاد.
وحسب البطاقة الفنية للمشروع الذي لا يزال لم يطبق لحد الآن، فإنه مشروع يحتوي على أبراج سكنية ضخمة (من 22 إلى 70 طابقا) وسلسلة فنادق بسعة ئ 2000سرير ومكاتب أعمال متطورة تقع في ثلاثة أبراج ذكية مصممة لتسهيل كل عمليات التنسيق والإدارة الحديثة، بالإضافة إلى شقق فاخرة ومراكز تجارية وفضاء للخدمات المتطورة التي يحتاجها المواطن الجزائري بعدما كان يجدها في البلدان الأخرى وحتى عند جيراننا، لذا فمن طموحاتنا في هذا المشروع أن نصل إلى تحقيق العديد من الإنجازات التي تفخر بها الجزائر.
وبالإضافة إلى تلك الأبراج، تم برمجة إنجاز مشروع ميناء ترفيه ويحمل عنوان "مارينا الجزائر"، وتم تصميمه ليتسع ل600 قارب ويخت وكذا حديقة مائية مغطاة أطلق عليها اسم "بابا عروج"، وهذه التسمية أطلقت حتى تكون لديها صلة وثيقة بالتاريخ الجزائري.
ومن خلال الدراسات الخاصة بالمشروع، فإن "مارينا الجزائر" توقع أن يستقبل أزيد من خمسة آلاف شخص يوميا، هذا بالموازاة مع إمكانية أكثر من 30 ألف زائر الدخول إلى المدينة دفعة واحدة. كما أن الأرصفة في مشروعنا الكبير صممت بمساحة 12 مترا كاملا لمنع أي ازدحام. وتشير الأرقام إلى أن هذا المشروع سيكلف في نهاية إنجازه نحو 200 مليار دينار جزائري، وهو مشروع في مرحلته الأولى سيستهلك نحو 14 مليار دينار جزائري، منها 8,3 مليار دينار جزائري عن طريق القرض السندي الموجه للجمهور لغاية نهاية فيفري الماضي.
وكان المشروع مفتوحا على كل المواطنين، حيث بإمكان المواطن أن يكتتب 100 مليون سنتيم ويستفيد من فوائد بقيمة 37 مليون سنتيم على مدار 07 سنوات، بمعدل فائدة سنوي مقدر ب 5,2 في المائة وهذا ما كان سيعطي الأولوية للاستثمارات المحلية واستغلال الأموال الجزائرية أحسن استغلال في صالح الشعب الجزائري.
كما واجه المشروع صعوبات في بدايته، حيث تماطلت البنوك في التسويق للقرض السندي الذي لم يسجل عمليات بيع ناجحة، رغم الإغراءات التي تم الاتفاق عليها لصالح الموظفين الذين يستفيدون من نسبة 1 في المائة عن كل عملية، واستغرب كيف يتم استقبال 56 زبونا فقط على مستوى 1300 وكالة بنكية على مدار 10 أيام.
القرض السندي سيستخدم لتمويل في حدود 75 في المائة من الحظيرة المائية وميناء الترفيه وبرجي الشقق والفنادق التي يحتويها مشروع "الجزائر مدينة" وتبلغ قيمة القرض السندي لمشروع "الجزائر مدينة" الموجه للجمهور العريض، 8,3 مليار دينار جزائري ومدته سبع سنوات بنسبة فائدة سنوية تدريجية تنطلق بأربعة بالمائة خلال السنة الأولى لتصل إلى 6,75 سنة .2015
هل نجدد القديم أم نبني ونعمّر الجديد؟
ليس من السهل أن تعطي تشخيصا لوضع العاصمة والواجهة البحرية على وجه الخصوص، ويؤكد رئيس الهيئة الوطنية للخبراء المهندسين المعماريين الدكتور عبد الحميد بوداود أن هناك عدة مشاريع رئيسية عرفتها المنطقة من أجل إعادة تهيئتها، و"إضفاء وجه آخر عليها"، وذكر في تصريح صحفي ل"البلاد" مشروع "الجزائر مدينة" لمجمع دهلي ومشروع "إعمار" الذي لحد الآن تتضارب الأخبار حول سبب سحبهم للمشروع، بالرغم من ارتباطه بالشق المالي الاقتصادي، الذي يدخل في إطار قراراتنا السياسية العليا.
وعرج الدكتور بوداود على الحديث عن مشروع تجديد العاصمة على حد تعبيره أو بالأحرى تجديد القديم للحفاظ على شكل وهيئة مدينة ضاربة جذورها في التاريخ بالقول إن هناك مشروعا لخليج الجزائر يعود لسنة ,1870 وهي الفترة التي كانت فيها الجزائر محتلة وأسال خليجها وموقعها ومنظرها أيضا وإمكانياتها الطبيعة لعاب المستعمر الفرنسي وحتى الانجليز الذين اقترحوا بناء عدة شوارع بمقاييس عالمية ومنها شارع زيغود يوسف وعدة بنايات بالقرب من ملعب وافنوني وبالقرب من فندق "الأوراسي" الذي يبقى من الفنادق التي تثير الزوار بسبب إطلالته البانورامية على خليج الجزائر، بل وجعله الثاني عالميا بعد خليج "ريو دي جانيرو".
هذه الشوارع يمكن أن نقول إنها أخذت أشكالا متعددة ومخارج ومداخل متفرقة، وقد يخيل للزائر إليها أنه دخل أمكنة مختلفة رغم أنه لم يغير المكان بفعل العبقرية الهندسية للإنسان، وأخذت أشكالا مثل السفن وحتى أشكال العمارات التي تسمح بدخول الشمس طول النهار والهواء أيضا، على الطريقة الأوروبية أيضا.
كما يتضح أنه من الصعب تشخيص مشكلة العاصمة الجزائرية وواجهتها البحرية، حيث أضاف المهندس أن ما تواجهه الجزائر هو صعوبة تشخيص وضع المدن الجزائرية وخاصة المدن الكبرى كالجزائر العاصمة، التي يرى أنها تتخبط في عدة مشاكل أهمها فقدانها لمخطط عمراني، فضلا عن وجود أحياء فوضوية، بالإضافة إلى تدهور الحظيرة العمرانية للأحياء العتيقة وهي على التوالي: (باب الوادي، الجزائر الوسطى، بلكور، بني مسوس، المدنية، الحراش، حسين داي).
كما لفت المتحدث إلى معضلة أخرى تعانيها عاصمة البلد، هي تراجع مساحات الفضاءات الخضراء والتسلية بالتنامي المطرد للسكنات والبناءات هنا وهناك دون مراعاة التخطيط في البناء والعمران أيضا. كما اقترح رئيس المجمع الوطني للمهندسين المعماريين الذي تأسس في سنة 1991 أن يتم تهديم تلك الأحياء وإعادة بناء أحياء أخرى مشابهة لها حتى لا يتم تغيير وجه العاصمة. فيما يمكن ازاحة أحياء أخرى وبناء سكنات أو مجمعات سكنية وسياحية تليق بالعاصمة خصوصا في الواجهة البحرية.
وذكر بوداود في تصريحه أهمية تخصيص غلاف مالي ضخم للقيام أولا بدراسات هندسية لمختلف مناطق الجزائر العاصمة وأحيائها السكنية.
في سياق آخر، كشفت دراسة للمجمع أن مليوني وحدة سكنية تحتاج للترميم بسبب خطورتها، خصوصا أمام انعدام الصيانة والتكفل الاستعجالي بالآلاف من السكنات على مستوى القطر الوطني. ففي العاصمة تتواجد هذ السكنات في كل من شارع طنجة والقصبة وباب الوادي والحراش والقبة وحسين داي وبوزريعة وعين نعجة وجسر قسنطينة وبني مسوس وفاريدي.
كما لاحظت الدراسة أن هناك خطورة أخرى في البناءات الموجودة في أحياءنا فهي لا تخضع لمقاييس الأمان، حيث يقدم أصحاب البنايات علي تشييد طابق وطابقين إضافيين دون مراعاة قدرة الأساسات على التحمل.
ٌٌٌ
أحياء أوروبية الطراز يفقدها الإهمال رونقها

بالرغم من أن العديد من الأفكار والدراسات التي رسمت حول الجزائر العاصمة، إلا أن هناك من يرى أنه بالإمكان أن نحافظ على ما هوموجود من عمارات يعود بناؤها إلى الفترة الاستعمارية وهوما اتفق عليه العديد من الخبراء.
ويرى المختص المعماري سليم شاطري في تصريحه ل"البلاد" "إنه من الأجدر الإبقاء على العديد من الأحياء التي يمكن إنقاذها من التهديم والمهددة بالانهيار في أي وقت، وذلك بتخصيص غلاف مالي للقيام بالترميمات اللازمة لها حفاظا على حقبة تاريخية في الجزائر لا يمكن تمزيق صفحتها من تاريخنا والحفاظ أيضا على خصوصية عاصمة البلد .
وذكر المتحدث، وهو من المهندسين الذين اشتغلوا كثيرا خلال الفترة ما بعد زلزال 21 ماي 2003 على عدة مناطق وأحياء في العاصمة، حيث أكد أن هناك العديد من العمارات على مستوى شوارع ديدوش مراد والعربي بن مهيدي وباستور ومحمد الخامس وتيليملي، يمكن إنقاذها وترميمها وإعطاؤها صورة أخرى، قديمة متجددة، عن طريق المحافظة فيها على أساساتها الأولى وجعلها عمارات قديمة جديدة. وأضاف في هذا السياق أن التجارب أثبتت أن الكثير من العمارات والقصور في باريس وإنجلترا بقيت كما هي بالرغم من أنها بنيت منذ أكثر من 400 سنة. واستغرب كيف لنا أن نترك مثل ذلك الإرث المعماري يزول ونحن نتفرج، ولكنه بالمقابل لا يعارض النظرة القائلة بأن هناك عدة أحياء يجب هدمها عن آخرها، وإنقاذ سكانها من الموت المحقق في أي لحظة حفاظا على البيئة والعمران أيضا.
وشدد المتحدث على ضرورة استغلال وجود الآلاف من المهندسين والمعماريين الجزائريين الذين لديهم كفاءة عالية في القيام بدراسات حول معضلة العاصمة، وأهم مشكلة هي السكنات القديمة والفوضى العمرانية. وحول تلك الأحياء يرى شاطري أنه من الأجدر أن تقوم الهيئات الرسمية القائمة على قطاع السكن في الجزائر بإعادة إحصاء جديد حول تلك البنايات والعمارات المهددة بالسقوط في أي لحظة، مشيرا إلى الإحصائيات المتوفرة تتمثل في وجود 9 ملايين سكن في الجزائر من بينها 1 .2 مليون سكن غير مكتمل فضلا عن وجود 1.5 مسكن شاغر غير مستغل.
وبذكر هذه الإحصائيات يرى المتحدث أنه من واجب السلطات أن تفرغ تلك الأحياء المتضررة وخصوصا في قلب العاصمة كحي بلكور وباب الوادي وإعادة إسكان العائلات في المساكن غير المستغلة كحل مؤقت أو حل نهائي على حد تعبيره.
كما كشف بوداود أن هناك دراسة أعدت من طرف خبراء في الهندسة العمرانية في سنة ,1980 حول واقع ووضع البنايات والمؤسسات الكبرى في العاصمة، وكيف يمكن أن تكون الواجهة البحرية للعاصمة. وهي الدراسة التي أعدت وبقيت حبرا على ورق على حد قوله.
وحول الموضوع المتعلق بوضعية العاصمة وواجهتها البحرية، أكد بوداود في تصريح ل"البلاد" أن المجمع الذي يرأسه ويضم أزيد من 800 عضو من خبراء ومهندسين ومعماريين تناول قضية إعداد دراسة جديدة تتكفل بنفض الغبار عن الوضعية المزرية التي تعرفها العاصمة، والتطرق إلى مشروع يعالج المشكلة "واقع الحال" ويعطي حلولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع لتحسين وجه الجزائر البيضاء.
حول هذا الرأي يقول: كشفت أرقام الهيئة الوطنية للخبراء المهندسين المعماريين التي تضم حوالي 800 عضو عن وجود 50 في المائة من الحظيرة السكنية في بلادنا هي عبارة عن سكنات هشة لانعدام الصيانة، فيما توجد سبع بلديات على مستوى الجزائر العاصمة تحتوي سكنات خطيرة على أصحابها وهي باب الوادي، الجزائر الوسطى، بلكور، بني مسوس، المدنية، الحراش وحسين داي.
وأرجعت الهيئة التقنية مشكلة هذه الأحياء السكنية إلى انعدام الصيانة، وعدم وجود دفتر صحي للسكن على مستوى كل بلدية وملف لتحديد مخاطر السكن حتى يمكن معاينة السكنات، فضلا عن إعادة تهيئتها وصيانتها في كل مرة للحفاظ عليها، وطبعا هي ثقافة يجب أن تعم مجتمعنا الجزائري .
العاصمة: كيان اقتصادي، إرث اجتماعي وثقافي لا يمحى..
هناك جانب آخر لا يمكن إغفاله بخصوص العاصمة، وهو الكثافة السكانية والنزوح الذي شهدته خلال 20 سنة الأخيرة، حيث شدد المختص في علم الاجتماع العمراني الدكتور ساحل في تصريح ل"البلاد" علي أن ما تعانيه العاصمة هو ظاهرة النزوح وخصوصا في فترة السبعينيات بسبب التنمية التي شهدتها العاصمة وتوفر فرص العمل بالعاصمة المدينة، فضلا عن سنوات تدني الوضع الأمني منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو العامل الرئيسي الذي دفع إلى هروب الآلاف من العائلات نحو ضواحي العاصمة وأجبر سكان المناطق المتضررة من بطش الجماعات الإرهابية على الاستقرار في أحياء قصديرية وحتى في قلب بعض الأحياء السكنية في العاصمة.
وفي سياق ذي صلة تشير الأرقام إلى وجود أزيد من 500 ألف سكن قصديري في الجزائر منها 80 في المائة في العاصمة وضواحيها، من بينها 14 ألف كوخ في بلدية جسر قسنطينية بالعاصمة.
هذه الوضعية عرفتها العاصمة التي لم تكن مهيأة لاحتضان الملايين من الجزائريين النازحين إليها، ولم يعد بمقدورها توفير الظروف المعيشية المواتية لهؤلاء.
وفي ساق آخر ذكر ساحل أنه منذ 1966 كانت المدن الجزائرية تؤوي 30 في المائة من الجزائريين و70 في المائة من السكان يتمركزون في الأرياف، لترتفع هذه النسبة إلى 70 في المائة في سنة ,2010 فيما يتوقع أن تصل إلى 80 في المائة في آفاق .2020 كما تشهد العاصمة توسعا فوضويا في مختلف حدودها الشرقية والغربية، وهو التوسع غير المنتظم الذي وصل إلى حد الفوضى، على حد تعبير المهندس سمير شيحات في تصريح ل"البلاد" الذي برر هذه الفوضى بغياب قانون المخططات التوجيهية وشغل الأراضي والعقار.
كما تناول شيحات مسألة الأحياء الفوضوية التي أصبحت تهدد وجه العاصمة وأفسدت صورتها من حيث إنها عاصمنة البلاد، فضلا عن انتشار كبير لمثل تلك الأحياء على مستوى مناطق كثيرة حتى في داخل التجمعات السكنية الجديدة التي تنامت حولها أحياء قصديرية كارثية.
وفي الإطار نفسه يرى المختص في مجال سوسيولوجيا العمران، البروفيسور محمد لخضر معقال، أن غياب الصيانة لبعض الأحياء التي تعتبر إرثا تاريخيا وإنسانيا عامل مهم في تشويه وجه العاصمة، حيث تطرق المتحدث إلى موضوع "القصبة" العتيقة المحاذية لحي باب الوادي، وقال في تصريح ل"البلاد" إنه لحد الآن تمكن الخبراء المهتمون بهذا الإرث المصنف عالميا من طرف منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو"، حيث أحصت 1816 بناية قديمة يعود بناؤها إلى العهد العثماني .
وأضاف معقال أن القصبة إرث حقيقي لا يختزل من تاريخنا بل هو يحافظ على تاريخنا يحتاج إلى ترميم والمحافظة عليه أيضا.
واقترح معقال إفرا غ القصبة وجعلها صرحا سياحيا ضخما يمكن أن يضاهي المدن القديمة والأحياء التاريخية الموجودة في العديد من الدول. كما شدد معقال في الأخير على ضرورة إعطاء المدينة بعدها التراثي والتاريخي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي وهو ما تلاشى في مدننا الكبرى فما بالك بالجزائر العاصمة.
كانت وزارة منتدبة للمدينة..
تم استحداث وزارة منتدبة للمدينة في التعديل الحكومي 2003 ولكن تم إلغاؤها، وهي الحقيبة الوزارية التي سلمت لعبد الرشيد بوكرزازة، تهدف إلى إرساء سياسة المدينة وفق أطر قانونية محددة وعلى طريقة ما تقوم به الدول المتقدمة.
وأطلقت الوزارة عدة دراسات لتخصيص المشاكل التي تعاني منها المدينة وخصوصا الحواضر الكبرى وعلى رأسها ولاية الجزائر أو العاصمة بالتحديد. كما كشف بعض الخبراء عن ضرورة إرساء النظام الإعلام الجغرافي، وهو النظام الذي يعمل على تخزين المعلومات المرتبطة بالمدينة ومن ثم تحليلها واقتراح الحلول المناسبة لهائ.
كما أن مسألة المدن الجديدة من صلاحيات وزارة التهيئة العمرانية والبيئة حيث أنشئت هذه المدن دون قوانين تحكمها رؤية مستقبلية مثل مدينة "بوينان "بالبليدة التي أنشئت دون مرسوم، غير أنه لا يمكن إنشاء مدينة جديدة إلا من خلال الاعتماد على قانون 08/02 الصادر في 8 ماي 2002 الذي ينص صراحة على إنشاء مدن جديدة إلا في منطقة الهضاب العليا، في حين سيتم خلق مدن جديدة في ضواحي الحواضر الكبرى لفك الخناق عن المدن الرئيسية كالعاصمة وقسنطينة ووهران وعنابة وإعادة التوازن المختل في استغلال الإقليم. كما أن تداخل الصلاحيات بين المجالس المنتخبة والإدارة أفقد المدن حدودها ومعالمها وحتى تواجدها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)