الجزائر

خطوة ليبية نحو دولة القانون



خطوة ليبية نحو دولة القانون
قرار صائب ذلك الذي اتخذته السلطات الليبية بجمع السلاح من المليشيات، ومن الخواص، بعد الجريمة المرتكبة في حق السفير الأمريكي وديبلوماسيين الشهر الفارط. فهذه خطوة هامة على طريق بناء دولة القانون، في مجتمع قبلي لم يكن يعترف بسلطة القانون ولا بشرعية المؤسسات إلا شرعية السلاح والنسب والقرابة من سلطة القرار.
من المحتمل أن يواجه تطبيق هذا القرار صعوبات، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة المتداولة بين الليبيين، والتي تجاوزت الحدود الليبية، وهي اليوم تهدد أمن واستقرار الساحل، وكانت وراء الانقلاب الذي حدث في مالي مارس الفارط، ووراء الحركة الانفصالية التي أعلنها الأزواد أيضا، وحتى وراء بعض العمليات الإرهابية المنفذة في الجزائر حيث ضبطت أسلحة قادمة من ليبيا بحوزة إرهابيين ألقي القبض عليهم، وإنما سيلقى ردة فعل سلبية من القبائل، وخاصة لدى التوارڤ الذين لا يمكنهم الاستغناء عن السلاح الذي يرتبط بطريقة حياتهم في الصحراء، ولدى الرحل أيضا الذين يحتاجونه لحماية أنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم.
والمشكل الأكبر الذي سيواجه السلطات الليبية سيكون مع عناصر القاعدة ومع المتشددين، الذين وجدوا في الفوضى المستشرية في ليبيا بعد سقوط القذافي ضالتهم وفرصة لجمع أكبر كمية من السلاح هم في حاجة إليها لفرض مشروعهم ليس على ليبيا وحسب، وإنما على كل المنطقة العربية.
فقد توجهت قبل اليوم جماعات متشددة إلى سوريا، وهي تشارك اليوم في الحرب الدائرة في سوريا، ليس بهدف قلب النظام فحسب، وإنما لتطبيق مشروع القاعدة هناك، مثلما سبق وضبطت عناصر من الجماعات الإرهابية الليبية (المقاتلة الليبية سابقا) في العراق. وحتى وإن حاولت السلطات الليبية ضم عناصر الجماعات المسلحة إلى الجيش الليبي، فهذا سيخلق لها مشكلا مستقبلا. فقد يُصعب هذا من فرض النظام على هذه العناصر داخل الجيش النظامي، لأنها تبقى على علاقة بمرجعياتها السابقة، وتحاول خدمة أجندات هذه الجماعات داخل الجيش النظامي الليبي، وهذا سيضعف الجيش إن لم يفجره من الداخل.
لكن الأهمية الكبرى لهكذا قرار تخص علاقة ليبيا مع الجيران، وخاصة الجزائر التي تضررت كثيرا من السلاح الليبي حتى في عهد القذافي وأيام الأزمة الأمنية في الجزائر.
فالجزائر التي من المنتظر أن تقدم مساعدة للدولة الليبية الجديدة في بناء مؤسستي الشرطة والجيش، من مصلحتها أن تنجح السلطات الليبية في جمع السلاح، من حيث الكم والنوع، ومن حيث أيضا الإرادة السياسية. فلا يمكن الحديث عن استرجاع الأسلحة، ما لم يمس ذلك الأسلحة الثقيلة، وما لم يقتنع زعماء المليشيات بجدوى هذا القرار سياسيا. فالقضية سياسية بالدرجة الأولى أكثر منها تقنية، لأن هذا يعني عودة الأمور إلى مجاريها الطبيعية، التي هي المناخ الضروري لبناء دولة القانون، التي لا يمكن أن تبنى بالمليشيات، وضرورية أيضا لبناء علاقات صداقة وتعاون مع بلدان الجوار، وهذه لن تكون ممكنة إلا إذا نجحت السلطات الليبية في تطبيق هذا القرار الصعب والخطير، والذي على ضوئه يمكن التنبؤ بمدى قدرة السلطات الليبية الجديدة على التحكم في مستقبل البلاد.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)