الكثير من الجامعيات المتفوقات اللائي حصلن على منحة للدراسة في الخارج، يفضلن العودة إلى أرض الوطن بعد انتهاء فترة الدراسة لرد الجميل من جهة ولذلك الارتباط الوثيق بالوطن الأم، رغم الاغراءات الهائلة التي تقدم لهن في البلاد التي تصقل مواهبهن وتبرز مهارتهن، من جهة أخرى.
الدكتورة نجية زرمان الخريجة من المدرسة العليا للفلاحة حاليا وسابقا المعهد الوطني للعلوم الزراعية، تعد واحدة من الجامعيات المتفوقات الائي حظين بمنحة دراسية في الخارج، منحت لها من طرف السفارة الألمانية في الجزائر عام 1999 ، بعد دراسة مستفيضة لملفها الدراسي على مستوى المصلحة الألمانية المكلفة بالتبادل الأكاديمي" د أأ د"، نظرا لتفوقها في تخصصها اختيرت من بين العدد القليل جدا من المستفيدين من المنحة التي تمنحها ذات السفارة سنويا للمتفوقين في تخصصات مختلفة، بمعدل خمس منح لكل دولة مغاربية.
كان لابد على الطالبة نجية زرمان المتحصلة على ماجستير من المعهد الوطني للعلوم الزراعية في سنة 1998، أن تتعلم اللغة الألمانية في معهد “قوطا" الشهير بألمانيا، فسحت لها المجال لكي تنهل من العلوم الزراعية لمدة خمس سنوات في جامعة كاسل بألمانيا توجت بنيلها شهادة دكتوراه بفضل تخصصها في البحث عن انجع الطرق البيولوجية لمكافحة الافات الزراعية من خلال استعمال مستخلصات نباتية ترش في شكل مبيدات، عوض استعمال المبيدات الكيميائية الضارة بالبيئة والمحيط. وفي هذا الشأن أنجزت بحثا علميا نادرا ما يتم التطرق إليه، حول استعمال البكتيريا الجذرية الموجودة في الجذور لمكافحة الأعشاب الطفيلية، حازت فيه على أعلى علامة في التقييم الكتابي وعلى درجة جيد جدا خلال عرض البحث على مجموعة من الباحثين والدكاترة الألمان، وتكون بذلك قد شرفت بلدها عموما والباحثة الجزائرية على وجه التحديد.
لم تنس الباحثة والاستاذة في المدرسة العليا للفلاحة، السنوات الجميلة التي قضتها في ألمانيا وفي أكبر جامعاتها وتقول في هذا الصدد أنها ممتنة كثيرا لألمانيا وللشعب الألماني الذي يفتح ذراعيه للعلم والعلماء والباحثين مهما كانت جنسياتهم، غير أن استراتجية ألمانيا في عملية تكوين الباحثين الأجانب تختلف كثيرا عن الدول الأخرى إذ بقدر ما تشجع النخبة على الاستفادة من العلوم والمعارف في المانيا بقدر ما تدفعها نحوالعودة إلى بلادها الأصلية، معتقدة أنها الأوفر حظا لبلوغ مناصب عليا في دولها، وبالتالي، فإنها تعتقد أنها تفضل التعامل مع ألمانيا، وأن الاستفادة ستكون متبادلة، وتلخص محدثتنا استراتجية المانيا لدعم النخبة في دول وكيانات مثل المغرب العربي في ثلاثة محاور أساسية وهي نشر اللغة الألمانية وثقافتها واخيرا الاستثمار في النخبة على المدى الطويل.
لم تتوقف تجربة الدكتورة زرمان في مجال البحث العلمي عند حدود المانيا التي غادرتها في نهاية سنة 2004 عائدة إلى أرض الوطن محملة بكم هائل من المعارف، بل تنقلت مجددا الى الخارج، وهذه المرة في رحلة دراسية أخرى قادتها سنة 2006 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بلد البحث العلمي بامتياز تقول الاستاذة، لما تنفقه سنويا في مجال تطوير الأبحاث والاستفادة منها إقتصاديا وعلميا.
تم اختيار الدكتورة زرمان ودكتورة أخرى بيطرية للاستفادة من منحة في إطار برنامج خاص أطلق على إسم العالم الأمريكي “نورمان بورلانغ" الباحث المتخصص في ميدان الزراعة، وكان الاختيار الذي وقع على الباحثتين من بين أكثر من عشرين مترشحا، تحت إشراف سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع وزارة الفلاحة، سمح للباحثة زرمان الاحتكاك المباشر مع الباحثين في امريكا ضمن مخابر كبيرة وفرت لها إمكانيات ضخمة لا تقارن مع أية دولة أخرى على حد قولها، ليتوالى احتكاكها المباشر مع باحثين عالميين آخرين في العديد من الدول التي زارتها إما للمشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية أو لاجراء تربصات قصيرة المدى في أغلبها.
وفي سردها لأهم الدول التي استلهمت منها الكثير من التقنيات العلمية في مجال الزراعة توقفت الدكتورة زرمان عند دولة كوريا الجنوبية وكيف طور هذا البلد إنتاج بذور البطاطا من الجيل الصفر واستعداده التعامل مع الطرف الجزائري في هذا الإطار، وبالفعل تم الاتفاق مع وزارة الفلاحة لمنحها الخبرة في إنتاج بذور البطاطا من الجيل الأول وأنجز معهد متخصص لذلك، غير أن الأمور بقيت تراوح مكانها، والسبب يعود حسب نفس المتحدثة إلى غياب إرادة سياسية للنهوض بهذا الفرع الحساس خاصة وأن الجزائر تستورد كميات كبيرة من بذور الجيل الثالث، مما يجعلها في حالة تبعية دائمة نحو الخارج، على الرغم من ان كل شيء قد تمت تهيئته بالتعاون مع الشريك الكوري الجنوبي لتقليل اللجوء إلى الخارج في إنتاج مادة حيوية مثل البطاطا الواسعة الإستهلاك محليا، من خلال تقنية المحلول المغذي وليس ذلك الموجود في التربة.
وتؤكد الباحثة أن ميدان بذور البطاطا استراتيجي والتخلص من التبعية ممكن للغاية مادام أن التقنية موجودة والمعهد موجود أيضا فأين يكمن الخلل؟
هل في غياب الإرادة السياسية أم أن الأمر لا يروق للبعض أو الاثنين معا تتساءل نفس الباحثة.
بحكم مؤهلاتها العلمية وأبحاثها في المجال الزراعي واحتكاكها المستمر والدائم مع الباحثين والعلماء الدوليين في نفس تخصصها، تعتقد الباحثة زرمان أن تطور الأمم لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعطاء كل الأهمية اللازمة لميدان البحث العلمي المرتبط أساسا بمردوده المباشر وبنتائجه الملموسة على القطاعات الحيوية ولاسيما الإقتصادية منها.
هذه النظرة بدأت تاخذ حيزا هاما من اهتمامات قطاع البحث العلمي في الجزائر خاصة في السنة الماضية عندما تم إقحام القطاع الإقتصادي في هذا المجال من حيث الآثار الملموسة والمترتبة عنه، وإن استمرت هذه النظرة، فإنه بالإمكان تحقيق الأهداف الحقيقية المرجوة من قطاع البحث العلمي.
تقوم مديرية البحث العلمي على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجهود هامة من أجل اعطاء دفع حقيقي لهذا القطاع الحيوي بدليل التقدم المسجل في مشاريع الأبحاث، ولكن يبقى الأهم هو إزالة كل العراقيل التي لاتزال تميز القطاع من خلال إعادة بناء كل المخابر وتجهيزها على مستوى المراكز أو الجامعات وتشجيع الباحثين وإدماجهم، ويبقى الأهم بالنسبة للباحثة زرمان، التحلي بالإرادة القوية لتجاوز العقبات وبالتالي تحقيق أهداف البحث العلمي في بلادنا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/12/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سلوى ر
المصدر : www.ech-chaab.net