لا يزال هذا الحمام قائماً إلى اليوم، ويقع بدرب الصباغين. يعتقد أنه كان بجواره من يشتغلون بصباغة الصوف المغزول، الذي يستعمله الدرازون وغيرهم في نسج الأغطية ذات الألوان المختلفة، وخاصة الصوفية التي تسمى "البطانية". وكان الصباغون يترددون على الحمام القريب منهم عدة مرات في الأسبوع لإزالة الألوان والصباغة التي التصقت بأجسامهم وشعرهم.
اندثرت منذ زمن طويل أغلب حمامات مدينة تلمسان وأدخلت على البعض منها تغييرات كثيرة أفقدتها طابعها التاريخي، ولم يبق إلا حمام واحد هو حمام الصباغين.
يعتقد أن تشييده يعود إلى منتصف القرن السابع الهجري، ورد ذكره في الرحلة المغربية للعبدري عندما زار هذا الرحالة مدينة تلمسان وأقام بها عام 688هـ، فقال: " وبه (بلد تلمسان) حمامات نظيفة ومن أحسنها وأوسعها وأنظفها حمام العالية وهو مشهور وقل أن يرى له نظير."
يقع هذا الحمام في درب كانت به دكاكين الصباغين، ولهذا الدرب مدخلان الأول يؤدي إلى القران الصغير والثاني إلى درب مسوفة ومسجد الشيخ السنوسي.
يتألف الحمام من قاعة كبيرة مربعة الشكل يتوسطها صحن في وسطه حوض يحيط به جدار مغطى بالزليج، وتوجد في قلب الحوض نافورة ذات أنبوب يتصاعد منه الماء ليملأ الحوض.
وحول الصحن توجد أروقة أربعة، اثنان منهما مرتفعان عن الأرض بنحو شبرين ومخصصان للمستحمين قبل وبعد خروجهم من صحن الحمام، والأخريان يقودان إلى صحن الحمام. وأما سقف الأروقة فهو مؤلف من عقود خشبية، وجوانب الأروقة مسورة بالحجارة وتحمل أقواسا على شكل حدوة الفرس مجموعها ستة عشر قوسا، ثلاثة في كل جانب من الجوانب الأربعة، وأربعة في الزوايا. وتعلو الحمام قبة مثمنة الأضلاع في قمتها تخاريم لامعة.
وأما قاعة الاستحمام، فهي كبيرة مستطيلة الشكل، سقفها مقبى به فتحات لدخول الهواء وضوء النهار. في جانبي القاعة رواقان ينتهيان بقوسين محمولين على سارية وسطى، وحفرت في الجدار المقابل للباب ثقب صغيرة يدخل منها البخار في حين يجري الماء الحار في حوض حفر في وسط نفس الجدار بعد أن يتم تسخينه بمكان يسمى الفرنان، خارج الحمام. أم الماء البارد فيوجد في صهريج في الرواق الأيمن من قاعة الاستحمام.
فرشت أرضية القاعة بالبلاط المسخن، وهو عبارة عن بلاط جعلت قنوات للماء الساخن تحته وخاصة بوسطه، فيستلقي المستحمون أجسامهم عليه حتى درجة النضوح بالعرق، قبل الاغتسال بالماء ثم الخروج للقاعة الكبرى للاستراحة.
يعرف حمام الصباغين كذلك بحمام سيدي أحمد بن الحسن الغماري المتوفى بتلمسان عام 874 هـ، ولهذه التسمية أسطورة مفادها أن بنت السلطان الزياني أبو ثابت محمد بن محمد الملقب بالمتوكل مرضت واستعصى علاجها. فجلب إليها أبوها الأطباء والعارفين والحكماء من كل أنحاء المغرب الأوسط والأقصى والأندلس، ولم يعثر على دواء لداء الأميرة.
فأشار بعض العلماء والنصحاء على السلطان أن تدخل الأميرة حمام الصباغين بعد خروج الشيخ أحمد بن الحسن الغماري منه، وأن تغتسل بالماء الساخن الذي يفضل عليه. ففعلت ذلك وشفيت بإذن الله من ذلك المرض الخبيث، وتقول الرواية أن الحمام أصبح يعرف باسم حمام سيدي أحمد بن الحسن الغماري منذ ذلك الوقت.
تاريخ الإضافة : 26/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com