الجزائر

حكومة «تنفيذية» بامتياز



حكومة «تنفيذية» بامتياز
يقود، منذ الأمس، الوزير الأول، السيد عبد المجيد تبون، حكومة تنفيذية بامتياز» لاستكمال تنفيذ البرنامج الرئاسي، وإيجاد الميكانيزمات اللازمة والحلول المستعجلة لبعض الملفات العالقة أو تلك التي اصطدمت بانسدادات عرفتها بعض القطاعات المرتبطة على الخصوص بالجانب الاقتصادي والاجتماعي.السيد تبون، بدا في أول تصريحاته أنه مدرك للرهانات والتحديات التي تنتظره أو بالأحرى التي عين من أجلها، حيث حسم الأمر مبكرا بأن الأزمة المالية ليست الأساس أو المنبع الوحيد لتعطل بعض المشاريع لاسيما تمويل برامج السكن. وكشف مبكرا أيضا عن أنه متمكن من التصورات والحلول وأن طاقمه سيبدأ مبكرا تنفيذ «اقلاع» لتحقيق الأهداف التي جاء من أجلها بديلا لحكومة سلال. تبون سيقود فريقا منسجما ومكرسا لكل التوازنات بما فيها الجهوية. فريق مطالب بالتحرك مبكرا في ديناميكية استباقية وحراك حكومي حيوي تستعجله أولويات ومتطلبات وانشغالات.الظرف الزمني الذي جاءت فيه حكومة تبون، يمكن إدراجه في الحساس بلغة سياسية وطبيعة الأسماء التي اختارها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتولي المهام الحكومية، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، بأن الوقت والحاجة التي تمثلها المرحلة ليست للتنظير أو التأسيس لمشاريع جديدة، وإنما هي مرحلة للتتويج والتنفيذ الفعلي لما هو قائم من برامج ومشاريع وملفات، بعضها اصطدم بعراقيل وعثرات أدت إلى تأخيره أو تجميده.هذه القراءة التي يمكن تقديمها في تحليل التوجه العام الذي يريد الرئيس بوتفليقة الوصول إليه من خلال تعيينه لقائد الجهاز التنفيذي عبد المجيد تبون، المعروف بصرامته وشجاعته في مواجهته الصعاب، ثم بعدها تعيين الفريق الحكومي الذي سيسهر على تنفيذ التوجيهات التي ستصله من الرئيس عبر الوزير الأول، تجد ما يبررها عند التمعن في طبيعة أسماء الوزراء الذين احتفظ بهم الرئيس في الحكومة الحالية أو الأسماء الجديدة التي التحقت بالجهاز التنفيذي الجديد. فالإبقاء على وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريت، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، الطاهر حجار، ووزير التعليم والتكوين المهنيين، محمد مباركي، يبرره تزامن المرحلة مع فترة الامتحانات والاستحقاقات الدراسية والتكوينية، إلا أن ذلك يتصل أيضا حسب المحللين بنتائج تقييم السلطات العليا في البلد لأداء هؤلاء الوزراء المذكورين والقدرات الكبيرة التي أبانوها في تسيير قطاعاتهم ونجاحهم في تطبيق المحاور الكبرى للسياسات الوطنية المحددة في برنامج رئيس الجمهورية في مجالات التعليم والتكوين.من جهة أخرى، تظهر في طبيعة الأسماء الوافدة إلى الجهاز التنفيذي ونوعية القطاعات التي تم تعيينهم على رأسها، عودة إلى المنبع الإداري في اختيار إطارات الدولة، ويتجلى من قراءة هذه الأسماء أن أولوية الأهداف التي تسعى إليها السلطات العليا في البلاد، تكمن في رفع الانسدادات التي عرفتها العديد من الملفات، وأخرت تقدم تنفيذ برنامج الرئيس في المجالات المعنية. ولعل ذلك ما يمكن فهمه من أول تصريح للوزير الأول عبد المجيد تبون لدى تسلمه لمهامه من سابقه عبد المالك سلال، حيث أكد بأن عمل الحكومة سيوجه لتجسيد أولوية التحول الاقتصادي الذي يعد ضروريا وعاجلا، ولأولويات أخرى تشمل استمكال برامج السكن والتربية والصحة، ولم يفوت تبون في نفس السياق الإشارة إلى أن الجزائر تمر بوضع مالي صعب، لكنها لا تعيش انسدادات، حسبه، بالنظر إلى إمكانية توجيه الموارد المالية المتاحة إلى المشاريع التي تحتل الأولية في برنامج رئيس الجمهورية.انطلاقا من هذه المعطيات، يتجلى الاختيار الدقيق الذي اعتمده الرئيس بوتفليقة في تعيين عدد من الأسماء على رأس قطاعات حساسة معنية بالأولويات التي أثارها الوزير الأول في تصريحه الأول، حيث شملت أبرز تعييناته على رأس هذه القطاعات، مسؤولين يعتبرون بمثابة المنفذين للمشاريع والبرامج المطروحة عليهم، لاسيما فيما يخص الولاة الذين هم أقرب إلى الواقع التنموي المحلي وانشغالات المواطنين مثلما هو حال وزير النقل والأشغال العمومية، عبد الغني زعلان، (والي سابق لوهران)، وزير السكن والعمران والمدينة يوسف شرفة (والي سابق لعنابة)، وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عبد القادر بوعزقي، الذي كان يشغل منصب وال للبليدة. وكذا أحمد ساسي وزير التجارة (والي سابق لتلمسان).تشمل قائمة الوزراء الجدد الشباب المتميزين بقدرتهم على فك عقدة الملفات الشائكة المطروحة أمام قطاعاتهم، كل من وزير الصحة الجديد، البروفيسور مختار حزبلاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس مصلحة أمراض الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى محمد لامين دباغين بالعاصمة، ووزير التشغيل والعمل والضمان الاجتماعي، مراد زمالي، الذي كان يشرف على الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب. مع الإشارة إلى أن أولى الملفات الصعبة المطلوب مواجهتها من قبل هذين الوزيرين، ترتبط بتمرير قانوني الصحة والعمل المعطلين بسبب الخلافات التي نشبت واستدامت بين سابقيهما والشركاء الاجتماعيين للقطاع.المسؤوليات الثقلية التي تقع على عاتق الوزراء الجدد ولا سيما الشباب منهم، لن تكون مستعصية عليهم حسب أراء بعض المحللين، الذين يرون في عامل الانسجام الذي حرص الرئيس على تكريسه في تركيبة الحكومة الجديدة، عاملا محفزا ومشجعا لنجاح الفريق الحكومي في مهامه، خاصة في ظل وجود وزير أول بالكفاءة المشهودة له في تخصصات إدارية عدة، منها إحاطته الكبيرة بالجانب المالي والاقتصادي، الذي يجعل منه الداعم الأساسي والكبير لعمل وزير المالية الجديد عبد الرحمان راوية الذي شغل منصب مدير عام للضرائب، فضلا عن مرافقته الأكيدة لخليفته على رأس قطاع السكن والعمران.الكلام نفسه ينطبق على باقي الوزراء سواء القدماء منهم أو الجدد، حيث يستفيد الجميع من التضامن الحكومي والانسجام الذي سيحرص الوزير الأول عبد المجيد تبون بصفته قائد «سفينة» الحكومة، على توفيره، لتجاوز فخ الخلافات والتشنجات التي كثيرا ما أثيرت في مرحلة الحكومة السابقة، وتسببت في تعطيل تنفيذ عدد من ملفات استراتيجية، أبرزها ملف السكن، الذي دفع الوزير الأول الحالي نفسه للخروج عن صمته والإعلان صراحة عن مسؤولية وزارة المالية في تعطيل تسليم ما يفوق عن 300 ألف وحدة سكنية، لتأخرها في دفع الموارد المخصصة لأشغال التهيئة النهائية. حتى أن غالبية المتتبعين يجزمون على أن هذه الحقيقة التي كشف عنها تبون، هي السبب الأول في استبعاد وزير المالية حاجي بابا عمي. مع الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق باسم الوزير المستبعد أكثر مما هو مرتبط بتداعيات عمليات التأخير في تسليم البرامج السكنية التي هي في حقيقتها مشاريع الرئيس بوتفليقة، مثلها مثل الملفات الأخرى التي تشكو من التأخير والتعطيل، والتي تعتبر في حقيقتها بمثابة «القنابل الموقوتة» التي تهدد السلم الاجتماعي واستقرار البلاد، لا سيما مع تنامي حالات الغليان التي ميزت الشارع في الفترة الأخيرة، والاحتجاجات التي قادتها عدة نقابات وفئات اجتماعية متعددة. من الرويبة إلى بجاية وباتنة وفي بعض ولايات الجنوب.الطاقم الحكومي الجديد الذي يمتاز أيضا بضمانه لمختلف التوازنات في التمثيل، بما فيها التوازنات الجهوية، سيكون أمام تحدي الحفاظ على انسجامه لتأدية المهام المنوطة به بنجاح تام، وهو تحد قابل للتحقيق وفقا للكثير من التحليلات التي ترى في شخصية عبد المجيد تبون، «المفتاح» المناسب للعديد من التعقيدات التي اعترت ملفات تحتل الأولوية في برنامج الرئيس بوتفليقة، وفي مقدمتها ملف التحول الاقتصادي، الذي يحتاج إلى عملية تطهير واسعة لمجالات عديدة متدخلة فيه، ترتبط أساسا بمسألة العقار الصناعي ومرافقته والعراقيل البيروقراطية التي تعترض تنفيذ التدابير التسهيلية التي أقرتها الدولة لصال الاستثمار فضلا عن ضعف مرافقة البنوك والمؤسسات المالية لهذا الرهان الكبير بالنسبة للدولة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)