يُعالج بعض المسؤولين في مختلف مستويات هرم السلطة ملفات حساسة بمنطق "بيع الريح من أجل امتصاص الغضب أو شراء السلم ولو لأجل مسمى"، حيث لا تتورع الحكومة وطاقمها في تصدير وعود يكتشف الجزائريون مع مرور الوقت بأنها مجرد أضغاث أحلام، لا تجد لها طريقا إلى التحقيق.لا يزال الآلاف من الشباب المتوزعين عبر مختلف أنحاء الوطن، ينتظرون تحرك الحكومة لتنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها بتجسيد مشروع الأسواق الباريسية، حيث مرت قرابة ثلاث سنوات على مخطط إزالة الأسواق الفوضوية بموجب تعليمة وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ولم يظهر أي أثر لهذه الأسواق البديلة التي وعد بتجسيدها الوزير الأول شخصيا، مُمنيا بذلك عشرات الآلاف من الشباب بفرص عمل بديلة عن الفضاءات الفوضوية التي تم استئصالها في عملية استعراضية شاركت فيها مختلف الهيئات والمصالح، وانتهت بإحالة جيوش من الشباب على البطالة في انتظار الحلم الباريسي.الأسواق الباريسية.. “كذبة أفريل”وقد اكتفت السلطات العمومية بتنفيذ جانب واحد من المخطط، إذ تمكنت، وفقا لتصريحات مسؤولي وزارة التجارة، من القضاء على أزيد من 900 سوق فوضوية من أصل 1368 سوق موازية موجودة في البلاد، مهملة الجانب الآخر الأكثر أهمية، والمتعلق بتأطير الكم البشري الهائل الذي كان يقتات من هذه الفضاءات، من خلال الوفاء بعهد إنشاء الأسواق الباريسية الخاضعة لسلطة القانون، وذلك بالرغم من التدابير التي تم اعتمادها حينها، عن طريق إعطاء تعليمات لولاة الجمهورية لمباشرة العملية دون جدوى لحد الساعة.وإذا بحثنا عن وعود المسؤولين التي خيبت ظن الجزائريين، نجدها كثيرة ومتعددة، ساهمت بقسط كبير في زعزعة الثقة بين السلطة والمواطنين، ولعل من أبرز هذه الوعود، مشروع تعميم التدفئة في مختلف المؤسسات التربوية المقدر مجموعها بنحو 26 ألف مؤسسة، حيث تبين بأن الالتزامات التي رفعها وزير التربية الأسبق بوبكر بن بوزيد باسم الحكومة للقضاء على الظاهرة، لا تعدو أن تكون تصريحات للاستهلاك، باعتبار أن مئات الآلاف من المتمدرسين لا يزالون فريسة لموجات البرد القارس، لا سميا في المناطق النائية.ولم تنجح الحكومة، بعد مرور أزيد من عشر سنوات على تعهداتها، في توفير التدفئة في كل المرافق التربوية، رغم البحبوحة المالية التي تمتعت بها الخزينة العمومية، وانعكست على القطاع في شكل اعتمادات مالية ضخمة خصصت لتوفير جو مناسب لتمدرس التلاميذ، حيث لا يزال جانب كبير من الأطفال يدرسون في حجرات أقرب في وصفها إلى الثلاجات منها إلى أقسام تعليمية، ما يضطر بعض المدرسين إلى أمر تلاميذهم بعدم نزع معاطفهم طيلة الحصة الدراسية، أو اللجوء إلى حركات تسخينية لعدم وجود المدفآت، أو لتعطلها، أو لانعدام المازوت الذي يُشغلها، أو أي اعتبارات أخرى تنتهي بعدم تشغيلها.وقائمة الوعود التي تخص مشاكل الجزائريين التي لم تحل طويلة جدا، فها هو المسؤول الأول عن مجمع سونلغاز يعد في أكثر من مناسبة بالقضاء على ظاهرة الانقطاعات الكهربائية التي نغصت حياة المواطنين مع حلول كل صائفة، غير أن الواقع يكذب ذلك، حيث لا تزال الظاهرة حاضرة في يوميات المواطنين داخل المدن الكبرى، فما بالك بالمناطق الأخرى المصنفة ضمن بؤر خارج نطاق التغطية، وذلك رغم الاعتمادات المالية الكبيرة التي تسخر لتحسين أداء الشبكة، فضلا عن عدم ضخامة حجم الكهرباء التي تستهلكها الجزائر برمتها، مقارنة بدول أخرى ودع مواطنوها مشكل الانقطاعات الكهربائية منذ عقود مضت.ويبدو أن تركيبة المسؤول الجزائري لا تكترث بمدى الالتزام بتصريحاته من عدمها، بقدر ما يحرص على تصدير الوعود عند وقوع الفأس في الرأس، تماما مثلما حصل في الفاجعة التي ألمت بالكرة الجزائرية إثر حادثة مقتل اللاعب الكاميروني إيبوسي في ملعب أول نوفمبر في تيزي وزو، حيث تعهد المسؤول الأول عن القطاع بتنصيب كاميرات مراقبة في كل ملاعب الجزائر قبل نهاية العام الماضي، في إطار محاربة العنف، غير أن هذه الكاميرات لم تصل لحد الساعة.من جهته، وعد وزير النقل السابق، في أشغال يوم دراسي خصص لتقييم السلامة المرورية، شهر أكتوبر من سنة 2012، بالبدء بالعمل برخصة السياقة بالتنقيط قبل نهاية السنة المذكورة، غير أننا في سنة 2015 ولم يتم العمل بهذا المشروع الذي يهدف إلى مجابهة كابوس ارتفاع حوادث المرور التي تحصد آلاف الأرواح في الطرقات، من خلال شطب النقاط من مرتكبي المخالفات، وذلك لأسباب تم تبريرها في بداية الأمر بعدم جاهزية الوثائق الضرورية التي يتطلبها المشروع.مُفتي الجمهورية.. المشروع الشبحوعود عديدة وأمان كثيرة تعلق بها الجزائريون وأسالت الكثير من الحبر على صفحات مختلف الجرائد، مثل مشروع مفتي الجمهورية الموجود منذ أكثر من 17 سنة لدى الأمانة العامة للحكومة ولم يتم تجسيده لحد الآن، رغم ما قيل عن مزايا هذا المشروع لحماية المرجعية الدينية الوطنية وتحصينها من الفتاوى المستوردة التي قسمت صف التوجه الديني، فضلا عن مشروع رفع المنحة السياحية التي تمنح للمسافرين مرة واحدة كل سنة، تماما مثلما هو معمول به لدى جيراننا المغاربة والتونسيين، رغم عدم تمتع بلادهم بنفس الأريحية المالية التي تتمتع بها الجزائر، حيث لم يظهر أي أثر عن هذا المشروع الحلم.تسليم المشعل للشيوخ.. عفوا للشبابولا يقتصر تصدير الوعود على الوزراء فحسب، بل يتعدى الأمر إلى أعلى هرم في السلطة.. أفلم يصرح رئيس الجمهورية خلال خطابه في مدينة سطيف بمناسبة الذكرى 67 لمجازر 8 ماي 1945 بأن جيل الثورة يجب أن يُكرم، وأن يمنح المشعل لجيل الشباب، ومع ذلك لا يزال المتحكمون في دواليب السلطة من زمرة من اشتعلت رؤوسهم بالشيب وبلغوا من العمر عتيا.وآخر خرجات السلطات الوصية، قرار ترقية 11 دائرة تقع بالجنوب إلى مصاف ولايات منتدبة، في أعقاب الاحتجاجات العارمة التي عرفتها مؤخرا منطقة الجنوب، وبشكل خاص ولاية عين صالح، تعبيرا عن رفضهم القاطع لاستغلال الغاز الصخري في المنطقة، حيث أوّلت جهات كثيرة اعتماد هكذا قرار في مثل هذا التوقيت، بمجرد محاولة من السلطة شراء السلم ونزع فتيل الاحتجاجات الكبيرة، خاصة وأنها تحضر لمواعيد سياسية في القريب المنظور، على غرار تعديل الدستور، وتنظيم الاستحقاقات التشريعية والمحلية المقررة في غضون سنة 2017.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/02/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد درقي
المصدر : www.elkhabar.com