الجزائر

حقائق عن العائلة التي أدخلها الجوع مستشفى خنشلة الابن الأصغر لم يشرب الحليب منذ الدخول المدرسي



مدير النشاط الاجتماعي: الجوع ليس سبب دخول العائلة المستشفى وعود المساعدة بقيت كلاما في الهواء تعترف عائلة (ك.ع) بخنشلة أنها استنجدت بمستشفى علي بوسحابة نتيجة الجوع من جهة، والظروف الصحية والمعيشية المزرية داخل المرآب التي كانت تقيم به من جهة أخرى، حيث لا يتوفر لا على الهواء، ولا الإنارة، ولا الماء، بل إن العائلة لاتزال تواجه مستقبلا مجهولا في مرآب لا يقل مأساة عن الأول بعد خروجها من المستشفى، حتى أن الأب يهدّد بتوقيف أبنائه عن الدراسة. ومع ذلك، فإن الجهود التي تبذل من قبل السلطات ليست بحجم المأساة التي تعانيها العائلة، فالأب بطال ولا يحوز على سكن، وعدد أبنائه المتمدرسين خمسة. انتقلنا ظهر اليوم الأول من شهر أكتوبر الجاري إلى مستشفى علي بوسحابة بخنشلة، بحثا عن عائلة (ك) التي نقل أفرادها السبعة إليه يوم 18 من شهر سبتمبر الفارط على جناح السرعة لتلقي العلاج، بعد أن ساءت حالاتهم الصحية بشكل خطير بسبب ما يسميه البعض (الجوع)، والبعض الآخر (تسمم وحساسية)، من فرط رائحة الطلاء المنبعثة من المرآب الذي كانت تقيم به قبل نقلها إلى المستشفى.
دوائر مالية لم تكلف نفسها عناء تقديم الإعانة
بيد أن رئيس مصلحة المستشفى، الذي فضل عدم الإدلاء باسمه، قال لنا إنه لا يدري إن كانت العائلة قد غادرت أم لا تزال بالمستشفى، ولكنه طلب منا التريث لحظات حتى يستفسر عن الأمر لدى مصلحة الاستعجالات أو مصلحة الأمراض الصدرية. وقال إن كل ما أعرفه عن العائلة هو أنها كانت خلال الأيام الأولى بمصلحة الاستعجالات، حيث قدمت لأفرادها حقن مقوية حتى يستعيدوا قواهم المنهارة، حيث لم يتمكنوا حتى من تناول الأكل. وبعد أيام من استعادة قواهم بعض الشيء، نقل بعضهم إلى مصلحة الأمراض الصدرية. ويضيف رئيس المصلحة قائلا: تمنيت لو أن التكفل بهذه الحالة كان في وقته وفي إطاره، فهي حالة اجتماعية كان ينبغي أن تتدخل المصالح المكلفة بالشؤون الاجتماعية للبت فيها. مع العلم أننا نعلم أن هناك دوائر مالية في خنشلة لم تكلف نفسها عناء تقديم الإعانة لها، بل وحتى مركز حماية الطفولة لم يقدم أي إسعاف للعائلة.
المهم أن رئيس المصلحة أخبرنا بعد دردشة قصيرة معه أن العائلة غادرت المستشفى يوم 27 من شهر سبتمبر برفقة رئيس الجمعية الخيرية كافل اليتيم، من غير أن يعرف وجهتها. وما كان علينا إلا البحث عن مقر جمعية كافل اليتيم، وحين وجدنا رئيسها، السيد سليم مراد، قال لنا: لما تحسنت الوضعية الصحية للعائلة، قمنا بإخراجها وأعدناها إلى مرآب بحثنا لعدة أيام عنه بغرض كرائه، ومنحناها أفرشة وأغطية وملابس للأطفال ومواد غذائية، سلمتها لنا مديرية النشاط الاجتماعي، فيما تكفلت الجمعية بمصاريف الدخول المدرسي للأبناء الخمسة المتمدرسين.
كنا لا نأكل والمشكل عقدته ظروف الفاراج   المزرية
دخلنا المرآب الذي تقيم به عائلة (ك.ع) الواقع بحي الأوراس بمدينة خنشلة في حدود الساعة الثالثة زوالا، برفقة رئيس جمعية كافل اليتيم، فوجدنا (س)، 21 سنة، طالبة تدرس في السنة الثانية جامعي، و(ع)، 12 سنة، يدرس بالسنة الخامسة من الطور الابتدائي، بينما يدرس الابن الأصغر(ك)، 7 سنوات في السنة الثانية من الطور الابتدائي أيضا، أما (ط)، 18 سنة، فتدرس بالطور الثانوي، فيما وجدنا الابن الأكبر والأب والأم خارج البيت، ليلتحقوا بعد مرور 10 دقائق من دخولنا.
الملاحظة الأولى التي سجلناها عن المرآب هي انعدام أدنى شروط مواصلة الحياة به، فهو مرآب مغلق لا يتوفر على أي نافذة، لا توجد به إنارة، لا يوجد به ماء، غير مهيإ على نحو يجد به البشر الراحة، بل لا يصلح إلا لتكديس السلع من مواد البناء وغيرها. ولكن، ما هو السبب الذي جعل عائلة (ك.ع) تدخل المستشفى وتمكث فيه من 18 سبتمبر إلى غاية 26 من الشهر نفسه؟ السؤال طرحناه على كل من(س) و(ط) و(ع). قالت (س)، وهي طالبة جامعية، إن السبب يعود إلى استنشاقنا الغاز وروائح طلاء (المرآب) الذي كنا نقيم به قبل أيام من حلول عيد الفطر. ولكن المتحدثة بدا عليها الحرج وهي في حضرة رئيس الجمعية الذي ابتسم والتفت إليها قائلا: عليك قول الحقيقة، فلا حرج من ذلك. فاستطردت وهي تنفجر بكاء: كنا لا نأكل، وزاد من تعميق المشكلة الظروف القاسية داخل المرآب الذي كنا نقيم به، فحتى الفضلات ومواد البناء والطلاء وجدناها به .
وتضيف (س): دخلنا المستشفى لأن ظروفنا الصحية والغذائية تدهورت بشكل كبير، وحتى الأولاد نرغمهم يوميا على الذهاب للمدرسة رغم أنهم لا يشربون الحليب، ومع الوقت رفضوا الذهاب لأنهم عندما يعودون إلى المرآب لا يجدون القوت الكافي الذي يشجعهم على الذهاب مرة أخرى إلى المدرسة . بينما يقول (ع) إنه لم يشرب الحليب منذ تاريخ الدخول المدرسي،فيما تعترف الأم(ز)، 38 عاما، قائلة: إن الفقر والجوع ورائحة الغاز والطلاء داخل المرآب هي التي أدخلتنا المستشفى. وهناك، تلقينا المصل والمضادات الحيوية وأجريت لنا تحاليل وكشف بالأشعة، بعد أن قدموا لنا وجبات خاصة .
السؤال نفسه طرحناه في اليوم الموالي على رئيس مصلحة الأمراض الصدرية بمستشفى علي بوسحابة، والتصريحات التي أدلى بها جعلتنا نكتشف واقعا آخر لا يقل مأساة عن الظروف التي تعيشها وتواجهها العائلة، وهي إصابة بعض من أفراد العائلة بمرض السل، وقال: إن ثلاثة أفراد من العائلة نقلوا إلى مصلحة الأمراض الصدرية، فيما وزع الباقي على بقية المصالح، حيث بعد عملية فحص بالأشعة، تبيّن أن ثلاثة منهم أصيبوا بمرض السل، وأن المرض عرف انتشارا داخل العائلة في وقت سابق. ومن أجل ذلك، أدخلناهم إلى هذه المصلحة .     ضحايا لسوء التغذية
وأضاف المتحدث يقول: إن التحاليل أثبتت أيضا تعرض العائلة لسوء التغذية، والمؤشر على ذلك هو فقدان أفراد العائلة لأوزانهم، وفتور وشحوب في العينين، فضلا عن الأمراض النفسية التي كانت تعاني منها المراهقتان، زيادة عن حالة تعب كبيرة في أجسامهم نتيجة الجوع . وما عرفناه من هذا المسؤول هو أن البعض في المستشفى كان ضد تقديم وجبات أكل خاصة للعائلة وهي بمصلحة الاستعجالات، على اعتبار أن المستشفى يقدم العلاج وليس الأكل، متجاهلين أنه لا يمكن إعطاء الدواء لأفراد العائلة وقواهم البدنية في درجة الصفر ففي المستشفى بدل أن يتم التكفل بنا من الناحية النفسية، اقترح مدير النشاط الاجتماعي على الأب عند زيارته لنا، نقل البنات إلى ديار العجزة، إلا أننا رفضنا، حيث لا يقبل أن توضع فتيات مع مسنات ، تضيف (س).
هذه العائلة زارها في المستشفى مدير النشاط الاجتماعي الذي وعدها بحل مشكلتها ثم خرج، كما زارها رئيس دائرة خنشلة وقدم بدوره وعودا تقضي بتوفير الشغل للأب والأم وتوفير السكن عن قريب للعائلة، وزارها أيضا ممثل عن ملحق ديوان والي خنشلة ووعد بمتابعة القضية شخصيا. وإلى غاية الساعة التي زرنا فيها عائلة (ك) في مرآبها، ظل أفرادها يتقاسمون انطباعا واحدا هو كنا نعتقد حين نخرج من المستشفى بأننا سنجد الجنة فوق الأرض. ولكن، عدنا للمرآب ولم يزرنا أحد، وظلت الإنارة والماء والمرحاض والهواء والأسرة مفقودة، وما زلنا لوحدنا نواجه المجهول .
الخروج من المستشفى
هذا المرآب، يقول عنه رب العائلة، (ع)، 47 عاما، إنه أجره بـ4آلاف دينار، وعثـر عليه بعد عملية بحث مضنية، حيث يتردد في أوساط سكان حي الأوراس أن كراء المرائب أصبح عادة راحت تنتشر من حي لآخر بعد أن جهزها أصحابها بمراحيض، في ظل ندرة الإيجار، حيث لا يقل سعر المرآب عن 10 آلاف دينار، والسبب هو وجود نزوح من الصحراء إلى خنشلة والولايات المجاورة، مع أن الوضع يطرح تساؤلا عن الجهة التي تتولى دور رقابة هذه المرائب. هل تتوفر بها شروط الإقامة أم تنعدم. عندما سألنا (ع) عن الوعود التي قدمها له بعض المسؤولين ممن زاروا عائلته بالمستشفى، قال: بعد خروجنا من المستشفى رحلنا ثلاث مرات، ومنحني مستشار الوالي رفقة رئيس الدائرة مهلة إلى غاية يوم 6 أكتوبر لإيجاد حل لمشكل السكن، كما وعدني رئيس دائرة أولاد رشاش، وقال لي سندرس ملفك، إذا كنت مستوفيا للشروط، فسأمنحك سكنا . للإشارة، فإن عائلة (ك.ع) تقيم بمدينة خنشلة منذ قرابة 15 عاما قادمة من بلدية أولاد رشاش التي تبعد بنحو 30 كيلومترا عن خنشلة.
شهادة إصلاح الراديو والتلفزة لم تنقذ العائلة
ويعترف (ع)، رب العائلة، أنه غادر بلديته بعد أن تعذر توفير القوت اليومي للعائلة لأنها بلدية فقيرة ومعزولة. وبحسب الوثائق التي قدمها لنا، فإنه يحوز على شهادة مهنية في إصلاح الأدوات الكهرومنزلية والإلكترونية، كإصلاح الراديو والتلفزيون والكاميرات وغيرها. ولكن، تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، إذ تفيد شهادات أفراد من عائلته أن الرجل لم يعمل منذ سنة ,2005 حيث مرض نتيجة إصابته بداء السل. ورغم تماثله للشفاء، إلا أنه لم يكن بمقدوره كراء محل لممارسة نشاطه المهني وتحسين ظروف معيشة عائلته. ويقول (ع) إنه سعى في الأرض كما يسعى الرجال، ولكن العراقيل هي التي حالت دون حيازته على محل لممارسة نشاطه قمت بإيداع ملف لدى الصندوق الوطني للتأمين على البطالة قصد الحصول على قرض، وحظي الملف بالقبول من قبل القرض الشعبي الوطني الذي طلب مني دفع مبلغ 5,2 مليون سنتيم فضلا عن تدعيم الملف بعقد إيجار. ولما قدمت لهم هذه الوثيقة، طلبوا مني إعادة تكوين الملف . ويشير إلى أنه عجز عن توفير مبلغ المساهمة الشخصية في المشروع الذي طلبه البنك منه، والأمر نفسه بالنسبة لمستحقات التأمين المقدرة بـ8 ملايين سنتيم، زيادة عن تسبيق متعلق بكراء المحل طلبها منه أحد التجار يقدر بـ6 ملايين سنتيم.
حين تعود العائلة لطبيعتها نحسن وضعيتها..!
وفي غمرة الظروف القاهرة التي تضغط بثقلها على العائلة، يهدّد (ع) بتوقيف الأبناء عن الدراسة، لاسيما أنه غير مطمئن للوضع من ناحية الشغل ومن ناحية السكن، ولو أن (ع) سلم وصل إيداع ملف السكن الذي منح له ببلدية أولاد رشاش سنة 2005 إلى ممثل الوالي، بعد تجديده للملف الذي قام بإيداعه سنة .2007
وقصد معرفة الإجراءات التي اتخذها المجلس الشعبي الولائي لخنشلة للتكفل بهذه العائلة، اتصلنا برئيس المجلس، نور الدين بن زعيم، هذا الأخير يقول إن التكفل الصحي بالعائلة تم بشكل عادي، واتصلنا بمدير النشاط الاجتماعي الذي شكل لجنة واطلع على أحوال العائلة واتخذ تدابير استعجالية، كالتموين المؤقت بالأغطية والأفرشة والمواد الغذائية . وأضاف أؤكد لكم أن هذه الحالة ليست وحدها، وتوجد حالات أخرى في مداشر وقرى بعيدة كل البعد عن المستوى المعيشي المطلوب. لكن حين تعود العائلة للحالة العادية، سنبحث عن تحسين ظروف معيشتها .
ولكن هذا المسؤول كان يعتقد أننا لم نعرف العائلة ولم نزرها ولم نطلع على أحوالها، حتى أنه تفاجأ عندما قلنا له: هل تنتظرون موت العائلة حتى تقوموا بإجراءات التكفل بالحالة العادية؟ فرد يقول: نحن قدمنا مراسلة تحت رقم 375 الصادرة في 27 سبتمبر موجهة لمديرية النشاط الاجتماعي، تتضمن موافاة المجلس بحصيلة الخلايا الجوارية للتضامن، حيث أن المجلس الاستشاري الجواري وظيفته إعداد سياسة عن النشاط الاجتماعي. أما من ناحية السكن، فإن الوالي أمر رؤساء البلديات والدوائر بإعادة إسكان العائلات التي تقيم بسكنات غير لائقة وهشة، وعددها يقدر بـ7 آلاف سكن هش بخنشلة، فيما ينتظر أن يتم توزيع 248 سكن بأولاد رشاش في القريب العاجل.
السبب.. تسمم غذائي
أما مدير النشاط الاجتماعي لولاية خنشلة، ناجح بوزردة، فقال: أؤكد لكم أن سبب دخول هذه العائلة المستشفى ليس الجوع، حيث لا يوجد في خنشلة من يموت جوعا، بل بسبب تسمم نتيجة استنشاقها لرائحة طلاء المرآب، وقد تم التكفل على جناح السرعة بحالتها الصحية . وأضاف: لقد قمنا بتحقيق ووجدناها عائلة فقيرة جدا، حيث أن الأب لا يعمل، فمنحنا العائلة مواد غذائية بقيمة حوالي 2 مليون سنتيم، ومنحنا الأولاد ملابس ومحفظات، كما قررنا منح الأم منحة شهرية بقيمة 3 آلاف دينار، واقترحنا على الأب منصب شغل بشركة (صافا أوراس) تابعة للغابات، إلا أنه فضل الحصول على سكن في أقرب وقت ممكن، وكلفنا طبيبة النشاط الاجتماعي بمتابعة العائلة صحيا . ولو أن أفراد العائلة يقولون إنه لا أحد زارنا منذ خروجنا من المستشفى.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)