غريب أمر بعض المسؤولين العرب الذين انتقلوا من مساجد "الملك حسين" في عمان، و"الحسن الثاني" في الدار البيضاء، وجامعي "الحسين والأزهر الشريف" في القاهرة، في يوم جمعة مقدّس، إلى المسجد الأقصى، ولكن من أجل حضور جنازة رجل، شهد التاريخ واعترف بنفسه، بأنه كان يريد للصهيونية أن تقوم، ولو على جثث الأطفال، وكان في كل مجزرة رهيبة، في دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا، يطلّ، ليعلن نفسه كاتبا للسيناريو، ومخرجا، وبطلا أول من دون منازع.مشهد الجنازة المهيبة التي أقامتها الدولة العبرية لزعيمها شمعون بيريز، أحد الذين زرعوا الخلية الخبيثة في جسد الشرق الأوسط، فأحرق ثمانين سنة من عمره لخدمة الصهيونية، هو يوم تاريخي فعلا، فقد بيّن من جهة، مدى وفاء هذه "الدولة" لرجالاتها، ومدى ارتباط الدول العظمى روحيا بها، من خلال الحضور الشخصي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي من عادته أن لا يخطّ حتى رسائل العزاء عندما يتوفى كبار العالم، ولكنه أصرّ هذه المرة أن يكون شاهدا على أن القدس كانت عاصمة للحرب، وهي الآن مقبرة لكبار الحرب، ولكرامتنا أيضا.ومن قبيح الصدف، أن وفاة الرجل الذي قتل الفلسطينيين من دون شفقة على مدار نصف قرن، تزامن مع الذكرى السادسة عشر لاستشهاد الطفل محمد الدرّة، الذي قتله بوليس شمعون بيريز، في الثلاثين من سبتمبر من عام 2000 في ثاني أيام انتفاضة الأقصى، وبينما لاحت صور الأب جمال الدرة للأذهان، وهو يحتضن ابنه محمد الشهيد، كما التقطتها القناة الفرنسية الثانية، كان السيد محمود عباس يحتضن ابنة قاتل محمد في قلب الأقصى من دون انتفاضة، كما التقطت الصورة القناة الصهيونية العاشرة، في مشهد يلخّص الحالة البائسة التي نتواجد فيها جميعا.تضامن "روتاري" الجزائر مع فقيد الصهيونية، وأبرز مؤسسي الدولة العبرية، ليس المشكلة الكبرى في هذا البؤس المزمن، ولا حضور ممثلين من الأردن ومصر والمغرب وتركيا، فمشكلة الصامتين في مثل هذه المواقف، أخطر من الذين صاروا يعلنون جهارا صداقتهم للإسرائيليين.لقد كانت إسرائيل على مدار تواجدها في قلب خارطة الأمة، تحارب العرب والمسلمين في كل مكان، وتنتصر عليهم، وها هي الآن من دون أن تحارب، تنتصر عليهم، في العراق وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان وفي مواقع كثيرة، وكانت تُرعبهم برجالها الأحياء، الذين يحفظ أسماءهم الجميع من بن غوريون إلى نتنياهو، مرورا بغولدا مايير وشارون وبيغن وشامير... وها هي الآن تُرعبهم، حتى بجثثهم المدفونة في جبل هرتزل في مدينة القدس، وتجبرهم على أن يصلّوا ويقوموا على قبورهم ويدعوا لعدوّهم الذي كان شديدا عليهم.. بالرحمة ! وللذكرى التي تنفع المؤمنين نقرأ قوله تعالى في سورة التوبة، الآية 84: "ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/10/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الناصر
المصدر : www.horizons-dz.com