تشييع ''سي أحمد'' جمع بين الرئيس الصحراوي والوزير الأول المغربي.
ووري، أمس، جثمان الفقيد أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية الجزائرية، في جنازة غلب عليها البروتوكول ''الرئاسي''، أربكته أمطار غزيرة تهاطلت على المكان، متسببة في ''انفلات للتنظيم'' بمجرد ما جيء بجثمان الراحل على متن عربة عسكرية مزدانة جنباتها بالورود.
شيّع جثمان الراحل بن بلة بمربع الشهداء في مقبرة العالية بباب الزوار، في يوم لم يكن مشيّعو الجنازة يتمنونه كذلك، حيث الأمطار الغزيرة ''أتلفت'' التنظيم المحكم الذي كان عليه الوضع خلال الفترة الصباحية، ودفن بن بلة، يمين قبر الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي استخلف منصبه ذات جوان من عام 65 فيما سمي بالتصحيح الثوري، بنحو 30 مترا وأقل بقليل، المسافة التي تبعد بينه وبين الراحل محمد بوضياف الذي يقبع قبره على مسافة أمتار قليلة من مدخل مربع الشهداء، بينما الفاصل بينهما طريق ضيق، مشكلين بذلك ''مثلثا رئاسيا''، يمكث كل طرف من أطرافه على مسافة بحجم مسافة الخلافات السياسية التي حالت بينهم في دنياهم، بالنسبة لإدارة شؤون بلد خرج لتوه من نير الاستعمار.
عبد العزيز وبن كيران جنبا إلى جنب
مات ابن 96 عاما، وأمام قبره كان يقف الرئيس بوتفليقة، إلى جانب الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، متأثرا برحيل رئيس، كان وزيره للشباب والرياضة. واصطف مسؤولو الدولة ممن حظوا بالوصول إلى مربع الشهداء، في غمرة التدافع، أمام الرئيس بوتفليقة الذي كان قربه قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق قايد صالح، في لحظة وداع، تأثر لها كذلك الرئيس التونسي، منصف المرزوقي، والوزير الأول المغربي عبد الإله بن كيران، والوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغدس، والأمين العام لحركة النهضة في تونس، راشد الغنوشي، ومحمد عبد العزيز، رئيس الجمهورية الصحراوية، ونجل أمير قطر، جوعان حمد بن خليفة، وأعضاء كثر من السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، ينصتون لتأبينية وزير المجاهدين محمد شريف عباس، وهو يعدد خصال رجل منح للجزائر ما منحه للعرب وللأفارقة، على حد سواء.
وامتزج مجرى الجنازة ''الرسمي بامتياز'' مع ما يقتضيه ''تقليد'' في الغرب الجزائري، تمثل في قراءات ''طلبة'' من شيوخ يطلقون تهاليل، مترحمين على روح الفقيد، لكنهم يدعون، أيضا، للرئيس بوتفليقة بـ''التوفيق''، تماما كما هم عشرات الشبان يهتفون بحياة بوتفليقة، في ترديدات تشبه إلى حد كبير، ما كان الشعب الجزائري يردده في شوارع العاصمة، ابتهاجا بالاستقلال ''تحيا الجزائر، الله أكبر، تحيا بوتفليقة''، حتى عندما همّ الرئيس بمغادرة المربع، تحت حراسة أمنية مشددة، تعقبه الشبان، هاتفين بحياته، بعبارات أخرى، عرف بها مرتادو ملاعب كرة القدم، من حيث الوزن والإيقاع والكلمات.
ووجد ضباط الأمن الذين تولوا بأنفسهم تأمين المكان، صعوبة في صد تدافع الجمع الغفير داخل مربع الشهداء، الذي تم لفه بخيمة بلاستيكية بطول يزيد عن 50 مترا، تخللتها خيام صغيرة الحجم خصصت لكبار المسؤولين، وإن اندفع إليها عموم الناس، كما تمت تغطية قبر الفقيد بن بلة بخيمة أخرى، تفاديا لتسرب مياه الأمطار إلى قاع القبر، وكان أفراد الحماية المدنية يقفون حولها، إلى أن جيء بجثمان بن بلة، حيث شرع عناصر الحرس الجمهوري في إطلاق البارود، بمجرد ما بدأت مراسم الدفن تهافت فيها الشباب على مسك أدوات جرف التربة، تباعا. وأغلقت الطريق المؤدية إلى المقبرة، من الجهتين منذ الصباح، حيث كان يتوزع المئات من رجال الشرطة والحرس الجمهوري والدرك الوطني، إلى الساعة الثالثة والنصف، حيث لوحظ عربة عسكرية على جنباتها باقات من الورود، تجر عربة صغيرة على متنها جثمان بن بلة، بينما تعالت الزغاريد والتكبيرات عند مرور الموكب أمام الجمع الغفير من المواطنين على جنبات الطريق المؤدية إلى العالية، التي أحيطت بسياج أمني محكم تماما، كما لوحظ تشديد أمني بداخلها، عزت إليه رئاسة الجمهورية من خلال حرس وزع في ثنايا المقبرة، لتوفير الحماية الأمنية للحضور ''النوعي'' الوطني والأجنبي.
كولسة أفالانية في العالية
قبل وصول جثمان الفقيد بن بلة، منع الصحفيون من دخول المقبرة، ووجهوا نحو خيام أخرى كانت منصوبة خارجها قرب الطريق الرئيسي، كان يحتمي تحتها كذلك مسؤولون كبار في الدولة، لم يتسن لهم كذلك دخول المقبرة، فكان بالمكان رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، وبلعيد عبد السلام، ومقداد سيفي، والجنرال المتقاعد محمد عطايلية، والوزراء يوسف يوسفي وعمار تو وولد عباس، بالإضافة إلى فاروق قسنطيني، كما قبع تحت تلك الخيام أيضا، ولاة وضباط عسكر سامون، وقيادات أحزاب، وملحقين عسكريين لسفارات أجنبية، ولوحظ على وجوه بعض الوزراء، ''ارتباك'' بسبب الأمطار الغزيرة التي لم تصمد أمامها أسقف الخيام، وبدأوا يغيّرون أماكن جلوسهم هربا من قطرات تسربت من الأعلى، وبالنظر، كذلك، لتواجد عدد من المواطنين وسطهم، منهم شبان، كانوا محل مراقبة من قبل أعوان الأمن، بينما وجد وزير النقل عمار تو نفسه مضطرا لمجالسة شبان، يرغبون في الحديث معه، لكن هاجس الأمطار لم يمنع ''الأفلانيين'' من الكولسة حول ما يجري في مقر الحزب العتيد بحيدرة، في حضور العديد من الوجوه الرافضة لبلخادم، كانت تتبادل أطراف الحديث بشأن ''توقيعات عقد دورة اللجنة المركزية في بوروبة اليوم''، في وقت لوحظت قيادات أحزاب جديدة توزع بطاقاتها على المتواجدين بالمكان.
تأبينية الراحل بن بلة قرأها وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، وقال فيها إن الفقيد يعتبر ''رجلا كبيرا وهامة شامخة من أبناء الجزائر الذين أحبوا هذا الوطن وضحوا من أجله، غير آبهين بالصعاب والمطبات التي تعترضهم''. وعدّد وزير المجاهدين خصال الرئيس الراحل ونضاله الدؤوب من أجل انتزاع الاستقلال، بدءا من انضمامه إلى الحركة الوطنية وهو في مقتبل العمر، وصولا إلى مشاركته في تفجير ثورة أول نوفمبر، وقال إن الفقيد كان أول من قاد البلاد بعد الاستقلال و''ساهم في وضع اللبنات الأولى للدولة الجزائرية التي كانت ساكنة في قلبه''، معتبرا رحيله ''خسارة للجزائر وللأمة العربية والإسلامية ولكل الشعوب التواقة للحرية والانعتاق''. كما أكد أن ''التاريخ لن ينسى المواقف المشرفة للرئيس الراحل فيما يتعلق خاصة بوقوفه إلى جانب سياسة الوئام والمصالحة، وكذا إسهامه في الحفاظ على العدالة والمساواة''. وواصل شريف عباس قائلا: ''لقد شاء القدر أن يغادرنا الرئيس بن بلة والجزائر تتأهب للاحتفال بالذكرى 50 لاستقلالها''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : محمد شراق
المصدر : الخبر 2012/04/12