أجمع عدد من المحامين والقانونيين الذين تحدثت إليهم "المساء"، على تفشي جرائم القتل في المجتمع الجزائري لأسباب واهية، أثقلت كاهل المحكمة التي أضحت تستقبل أعدادا لا حصر لها من جرائم القتل والتنكيل بالجثث بطريقة وحشية، وهو ما لم نتعود عليه في مجتمعنا.فإلى وقت غير بعيد، كانت جرائم القتل من الجرائم المتبوعة، أي أنها تكون بمثابة تحصيل لجريمة سرقة أو اعتداء نتج عنه إزهاق روح، غير أن الواقع اليوم يشير إلى تنامي هذه الظاهرة المتبوعة بالتنكيل مقارنة مع باقي الجرائم، على غرار جريمة السرقة والضرب والجرح. وأرجع المختصون الأسباب إلى عدة عوامل، منها تغيّر التركيبة الاجتماعية للمجتمع الجزائري وتجرد البعض من إنسانيته، وأصبحت في المقابل الروح البشرية من دون قيمة، بدليل أن القتل اليوم يتبع بالتقطيع والتنكيل الذي يشوه الجثة.اعتقاد البعض، يقول المحامي محمد، بأن تناول المخدرات والمهلوسات يبرر فعل الإقدام على ارتكاب جريمة القتل، ما هي إلا حيل أصبحت معروفة للتنصل من المسؤولية، ولذلك فالمطلوب اليوم ليس إعادة النظر في القانون بتشديده لأنه يشمل نصوصا مشددة تصل إلى حد الإعدام، وإن كان الإعدام غير مطبق، ويعوض بالمؤبد، غير أن السبب اليوم في نظري كقانوني هو تجردنا من إنسانيتنا، وإلا كيف نبرر إقبال الفرد على قتل أبيه أو أخيه لأسباب واهية؟ وهنا تحضرني القضية التي وقعت في عيد الأضحى، حيث أقبل ابن على قتل أبيه بالسكين الذي ذبحت به الأضحية، ومنه، فإن تضييع المصداقية المجتمعية، نتيجة الضغوط النفسية التي يعيشها المواطن في المجتمع، جعلته شخصا عديم من القيم، وعليه لو تقابل جريمة القتل بالقصاص لكان المجتمع أحسن حالا مما هو عليه اليوم».من جهته، أرجع سمير بلعلوي، محام لدى المجلس، تنامي جرائم القتل إلى عدم تطبيق عقوبة الإعدام التي يفترض أنها وجدت كنوع من القصاص للجرائم التي تزهق فيها الأرواح، بالتالي يقول: «من أهم نتائج غياب القصاص، هو تطور القتل إلى التنكيل بالجثث بطريقة وحشية، وبعدما كان الأمر شائعا عند الرجال، تعداه اليوم إلى النساء اللواتي أصبحن يملكن من الجرأة ما يكفي للقتل والتنكيل».ويعتقد الأستاذ سمير أن القضايا التي تسجل فيها أكبر معدلات القتل هي قضايا العقار، فبعد أن ارتفعت قيمته، برزت العديد من المشاكل في الوسط العائلي، أفضت إلى ارتكاب جرائم قتل أزهقت فيها أرواح الأقارب بدرجات مختلفة، ولعل ما سهل من عمليات القتل؛ الإقبال بشكل كبير على تعاطي المهلوسات التي تقتل المشاعر، وتجعل الفرد لا يفرق بين أبيه وأمه وأخيه، فيقدم على القتل وبأبشع الصور».من جهته، أرجع المحامي كمال تنامي جرائم القتل تحديدا إلى عدة عوامل، منها الانحراف والتفكك الأسري والانحلال الخلقي وانتشار الآفات الاجتماعية، كتعاطي المخدرات، وأمام ضعف وتراجع النشاطات التحسيسية ضد مختلف الآفات، أصبحت الروح البشرية تزهق لأسباب واهية، ولعل الجريمة التي وقعت مؤخرا بالعاصمة وأقبلت فيها امرأة على إزهاق روح امرأة وأطفالها لمجرد الانتقام، حسبما أشارت إليه أولى التحقيقات، أقول بأنه لابد من دق ناقوس الخطر، والبحث عن استراتيجيات جديدة لإعادة النظر في الطريقة التي يسير عليها مجتمعنا الذي ضيع الكثير من قيمه الأخلاقية.ضعف الإيمان وراء تفشي جرائم القتلتعتبر جرائم القتل من الكبائر، لقول لله تعالى: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما». يقول موسى زروق إمام وأستاذ في المركز الإسلامي بالعاصمة، ويضيف بأن من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ حفظ النفس البشرية، ومن ثمة لا يجوز التعدي عليها، بالتالي يدعو المبدأ العام في الشريعة الإسلامية إلى عدم المساس بالنفس البشرية، غير أن ما يحدث اليوم من جرائم فيها الكثير من إزهاق للأرواح مع التنكيل، مما يوحي بما لا يدع مجالا للشك بأن مجتمعنا يعاني من ضعف كبير في الإيمان الذي يعتبر بمثابة المناعة التي تقي الجسم من التعرض لمختلف الأمراض، فإن فقد الفرد مناعته أصبح عرضة للأمراض، وهو حال الإيمان، فمن ضعف إيمانه أو تلاشى، تيسر عليه اقتراف أي نوع من الجرائم، حتى وإن كان ذلك بأقرب الناس إليه، وهو ما نعيشه اليوم من إقدام على قتل الأولياء والأبناء دون رحمة أو شفقة.المطلوب منا كأئمة وأولياء ومجتمع مدني، يقول محدثنا: «أن نعمل جاهدين من أجل إشاعة الرفق بالمجتمع عن طريق تربية النفس البشرية وتقوية إيمانها، بالتالي علينا بذل الكثير من الجهد لإشاعة الرحمة بين أفراد مجتمعنا الذي عرف تغيرات أثرت عليه بشكل سلبي».
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/11/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رشيدة بلال
المصدر : www.el-massa.com