الجزائر

ثقافة الابتزاز



ثقافة الابتزاز
الملاحظ أن الإنسان الجزائري بدأ يفقد العديد من القيم لكن هذا الفقدان، لا يترك الفراغ بل هناك إحلال لقيم جديدة وفقا لمقولة " أن الطبيعة تأبى الفراغ " مما أحالنا إلى خلل واضح في سلم القيم وتموضع غريب لترتيب هذه القيم، بل أن غياب بعض القيم نتيجة الزهد فيها ترك المجال واسعا لحلول قيم أخرى جيدة كانت إلى وقت قريب مرفوضة ومستهجنة ومستترة وأصحابها لا يحضون بأدنى مكانة في هياكل مؤسسات المجتمع النظامية منها وغير النظامية...ولعل ثقافة الابتزاز التي زحفت بقوة وسرعة كبيرتين إلى مفاصل المجتمع من القيم التي لم تعد محل إنكار لدى قطاع واسع جدا من مكونات هذا المجتمع ولم يعد المتعاملون بهذا المنطق أشخاصا منبوذين أو على الهامش، بل أصبح الابتزاز ثقافة متبادلة، وقد يقاس ذكاء الفرد وفطنته بمدى قدرته على تحصيل المنفعة من طرقها غير المشروعة، و في المقابل قد يوصم فاقد هذه القدرة بالبلاهة وعدم القدرة على التكيف وتحين السوانح...ولا شك أن انتشار ثقافة الابتزاز يسير على خط مواز تماما مع تحقيق المنافع، لكن العامل المشترك أن كلاهما يصدر من أشخاص طبيعيين أو معنويين يطلبون ما ليس من حقهم، لذلك يستعملون وسائل غير مشروعة وإن كانت مقننة لغنم هذه المطالب أو المكاسب...وكثيرا ما يبرز بحدة التعامل وفق هذا المنطق كلما كانت أطراف الابتزاز في حاجة إلى بعضها البعض وفي محطات مفصلية مهمة في مسار المجتمع، ولعل المواعيد الانتخابية من أبرز المحطات التي تزدهر وتتألق فيها الروح الابتزازية... فالمواطن الذي لم يستطع تحقيق الرفاه الاجتماعي لا يجد مناخا للمطالبة بما عجز عن تحقيقه في الظروف العادية إلا بحلول هذه المواعيد -حتى وإن كانت هذه المطالب ليست من حقه أساسا- وفي المقابل تبدأ مظاهر السخاء والعطاء في الظهور والرواج في مظهر يشبه ذلك الأمير الذي يمد يده إلى بيت المال ليغدق على شاعر مادح حتى وهو يعلم أنه مدحه بما ليس فيه، فيشكلان ثنائية من يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق.الخطير في تمدد ثقافة الابتزاز أن من يستفيد من هذه العملية سواء المبتز أو الذي يبتز أن أحدهما يتصرف فيما لا يملك والآخر يأخذ ما لا يستحق، وأن كلاهما استساغ اللعبة فأصبح يتقنها وينفذها بحرفية عالية فأصبح أحدهما يترصد الآخر ليرفع من درجة الابتزاز كي يحقق أكبر قدر من الفائدة، أما الآخر فلا يهمه ما ينفق بما أنه لا يعطي من جيبه الخاص، ولعل السيئ في هذا المشهد ضياع أصحاب الحق الفعليين من هذا الطرف وذاك وتغييبهم الكلي والعمدي عن المشهد... أما المحزن في هذه المسرحية التراجيدية فهو طغيان لغط الفاعلين في نشر هذه الثقافة والدعاية لها بشكل يوحي بمشروعيتها مما يعني الدفع بها إلى احتلال كبير في و جدان وسلوك الناس.الطبقة السياسية تبتز من أجل تحقيق مكاسب وفي المقابل من يعطيها هذه المكاسب باليمين فإنه يأخذ منها بالشمال، بالتنازل عن تاريخها ونضالها السياسي، وبقدر ما يعطيها يأخذ من رصيدها ومكانتها الاجتماعية، ثنائية الابتزاز المتبادل هته يتكرر مشهدها بين عديد الأطراف : المترشح و الناخب في المواعيد الانتخابية، المسؤول والمواطن في الإدارة الجزائرية، الأستاذ والطالب في حرم الجامعة، الإعلامي والمسؤول، المجتمع المدني ومن أوجد هذا المجتمع ...، وهكذا تزحف إلينا قيم غريبة ولكنه للأسف زحف إلى الخلف، قيم منبوذة على الألسنة ورائجة على الجوارح دافعة بالقيم النبيلة إلى أرشيف القيم.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)