الجزائر

تيميمون.. واحة ساحرة في صحراء الجزائر تختزل التاريخ في قصورها العتيقة.. ويقصدها الباحثون عن استراحة دافئة في الشتاء



تيميمون.. واحة ساحرة في صحراء الجزائر تختزل التاريخ في قصورها العتيقة.. ويقصدها الباحثون عن استراحة دافئة في الشتاء
تعتبر تيميمون واحدة من أهم وأبرز المناطق السياحية في الصحراء الجزائرية، حيث تعرف حركة نشيطة على مدى الموسم السياحي الشتوي الممتد من شهر أكتوبر (تشرين الأول) حتى شهر مايو (أيار) من كل سنة. ويعد الأوروبيون من أكثر السياح انجذابا لهذه المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري، نظرا لطبيعتها الخلابة وخصوصياتها الجغرافية، إلى جانب مناخها المعتدل في هذه الفترة من السنة.
تشتهر بواحات النخيل الكثيفة والأشجار والنباتات الصحراوية، وكذا بقصورها مترامية الأطراف بين كثبان الرمال ومغاراتها وقصاباتها القديمة، مشكلة بذلك فسيفساء لوحة فنية تشكيلية مفتوحة على الطبيعة الصحراوية الشاسعة.
تقع تيميمون أو الواحة الحمراء كما تلقب في الجزائر، على بعد نحو 1400 كلم من الجزائر العاصمة، وتزيد مساحتها على 1000 كلم مربع ويقطنها أكثر من 4000 نسمة. هذه التركيبة السكانية تتوزع على أزيد من 30 قصرا كما يعرف محليا. والقصر بالمفهوم المحلي هو عبارة عن تجمعات سكانية مبنية بالطوب الأحمر المحلي، تحيط به حقول وبساتين وواحات نخيل لأن معظم سكان هذه المناطق يعتمدون على الزراعة التقليدية في أسلوب عيشهم، التي تسقى بآبار متصلة ببعض تعرف محليا بالفقاقير.
هذه الواحات من النخيل، التي تتوسط كثبان الرمال والصحاري القاحلة، جعلت من المنطقة مقصدا سياحيا مميزا يفتتن بها الزائر أو السائح الذي يجد بين مكونات هذه الطبيعة السكينة والهدوء.
كما تتميز تيميمون، إلى جانب القصور العتيقة بالقصبات الكثيرة. والقصبة هي تجمع سكاني قديم يشيد غالبا على قمة جبلية وتكون أسفله مغارة. وكانت تستعمل قديما للاختباء أثناء الغزو والحروب. وتضم القصبة أربعة أبراج للمراقبة، إذ يمكن التموقع فوق الجبل من رؤية العدو من مسافات بعيدة، مع الإشارة إلى أن هناك قصبات وقصور بتيميمون يعود تاريخها إلى القرن 12 للميلاد، وهناك ما يزيد على هذه الحقبة التاريخية مثلما هو الحال مع قصر إيغزر الذي يبعد عن مدينة تيميمون 40 كلم، وهو يحوي مغارة كبيرة جدا، وما زالت تعد لحد الساعة وجهة سياحية لزائري المنطقة، وهناك قصر أغلاد الواقع على بعد 60 كلم شمال المدينة والذي استفاد من مشروع ترميم من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية ضمن برنامج ضخم أطلق عليه «طريق القصور».
هذه المناطق التي تشكل المعالم السياحية المهمة بالمنطقة إلى جانب قصور ماسين، بني مهلال، زقور، بدريان، تينركوك، وأخرى، هي وجهة للسياح خلال هذه الفترة بالذات التي تعج بالحركة السياحية، إلى جانب أولاد سعيد المصنفة ضمن المناطق الرطبة في العالم.
وفي هذا الإطار، كشف مسؤول قطاع السياحة بالإقليم محمد بورد، وهو خبير في مجال الحركة السياحية أيضا، أن التوافد منذ بداية الموسم السياحي وصل إلى 4500 سائح قدموا من دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا وسويسرا والنمسا وإسبانيا، إضافة إلى الصين. وهذه السنة سجل سياح من اليابان وكوريا الجنوبية، وهي لبنة تضاف للانفتاح الآسيوي على مناطق الجنوب الجزائري، يضاف إليهم 50 ألف سائح من مدن الشمال الجزائري. وكشف بورد أن الصحراء تمثل نسبة 20 في المائة من الطلب ضمن التوجهات السياحية الدولية الجديدة، حيث يبحث السياح عن الأماكن الخالية قليلة الاكتظاظ وحركة السكان والكثبان الرملية والواحات، وهي كلها مقومات تمتاز بها تيميمون لجذب هذا العدد من السياح، على الرغم من قلة مرافق الإيواء التي أصبحت لا تلبي رغبات جميع الوافدين إليها.
أما نوعية المنتوج السياحي بالمنطقة، فيتوزع على رحلات بسيارات رباعية الدفع تجوب الصحاري الشاسعة ورحلات بالجمال وسط كثبان الرمال، إضافة إلى رحلات المشي على الأقدام، وهو ما يفضلها بعض الأوروبيون الذين يفضلون نصب الخيام في الخلاء، ينامون في عمق الصحراء يستمتعون بحركة النجوم وسكون الليل والتمعن في ضوء القمر الساطع، مما يضفي على المكان منظرا أجمل تطبعه في النهار شمس دافئة، ويزداد المنظر جمالا عند مغيب الشمس، وهي تختفي بشكل تدريجي بين كثبان الرمال حتى إن الشمس تلتقي مع الأرض، في مشهد لا يمكن رؤيته إلا في الصحراء.
وهناك إقبال كبير على المخيمات التي تتوسط واحات النخيل وتوفر جوا تقليديا يجعل الإنسان يتعايش مع أصالة وعراقة المنطقة، وهذه المرافق التقليدية منتشرة بشكل واسع في المنطقة لأنها تستقطب أكبر عدد من السياح الأوروبيين. ويصل عدد المرافق السياحية بالمنطقة إلى 10 من بينهم فندق واحد 3 نجوم تابع للقطاع العام يطلق عليه فندق قورارة، نسبة لاسم إقليم تيميمون الذي ينتمي سكانه إلى العرق الأمازيغي ويعرف محليا بالمجتمع الزناتي نسبة إلى لغة السكان الزناتية، ومن بين هذه المرافق أيضا هناك مخيمات تقليدية وفضاءات للاستراحة، أهمها جنان الملك التي تشهد إقبالا معتبرا للزوار. وتتراوح تكاليف الإقامة بهذه الفضاءات السياحية ما بين 30 إلى 60 دولارا لليلة الواحدة.
خصوصية منطقة تيميمون جعلت الوافدين إليها لا يقتصرون على الأشخاص العاديين فحسب، وإنما يمتد للشخصيات السياسية التي تفضل قضاء أيام الراحة بهذه المدينة الجميلة، خصوصا الأيام الأخيرة من السنة مثلما يفعل الكثير من عشاق هذه البقعة الصحراوية. وكانت تيميمون محطة مهمة بالنسبة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بيريز ديكويلار منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وفي السنتين الماضيتين من القرن الحالي توافد عليها ملك إسبانيا وزوجته والوزير الأول البرتغالي، وسفراء كثير من بلدان العالم المعتمدين لدى الجزائر، إضافة إلى أمراء الخليج الذين يستمتعون بهواية الصيد في صحرائها.
وغالبا ما يأتي السياح إلى تيميمون، عبر رحلات مباشرة من أوروبا، تنظمها وكالات سياحية داخلية أو خارجية، وهذا يكون غالبا لقضاء عطلة نهاية السنة أو غيرها من العطل الشتوية. وهناك رحلات جوية مباشرة من باريس وروما باتجاه مطار تيميمون. أما الرحلات الفردية، فتتم عن طريق مطارات هواري بومدين بالجزائر العاصمة أو من مطار السانية بوهران (غرب الجزائر) ثم بعد ذلك مطار الشيخ سيدي محمد بلكبير بأدرار مقر الولاية أو المحافظة التي تنتمي إليها تيميمون. وهناك رحلتان في الأسبوع إلى مطار تيميمون: واحدة من الجزائر العاصمة، وأخرى من وهران.
وهناك أيضا الرحلات البرية التي تتم بواسطة السيارة انطلاقا من أوروبا إلى موانئ المدن الشمالية الجزائرية، ومنها إلى تيميمون، وهذا النوع من الرحلات انتشر أيضا بشكل واسع، حيث لوحظ هذه السنة الكثير من السياح بسياراتهم أو بسيارات تابعة لوكالات سياحية أوروبية.
الإقبال المميز على المنطقة دفع الدولة الجزائرية إلى الاهتمام بهذه المنطقة من خلال تخصيص جملة من المشاريع التنموية لتفعيل النشاط السياحي أكثر بتيميمون والأقاليم المحاذية لها ذات الجاذبية والخصوصية. ولعل أبرز هذه المشاريع إنجاز قرية سياحية بتينركوك نحو 70 كلم متر شمال مدينة تيميمون وفق المواصفات البيئية العالمية، تضم تجمعات سكانية على الطريقة التقليدية، مع الأخذ بعين الاعتبار الهندسة المعمارية المحلية للحفاظ على خصوصية المنطقة الصحراوية. هذه التجمعات تزود بالكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية مع إعادة معالجة المياه بالمنطقة ومحطة لمعالجة النفايات. هذا المشروع، حسب مسؤول قطاع السياحة بالولاية إدرار محمد بورد، فإنه يتم بالتنسيق بين وزارة التخطيط بالحكومة الجزائرية وصندوق البيئة العالمي وكذا برنامج الأمم المتحدة للتنمية وبتمويل مالي من السفارة البريطانية بالجزائر. كما يشارك مكتب دراسات آيرلندي في إنجاز المشروع. وتجسيدا لهذا البرنامج الإنمائي، زارت المنطقة في الأيام القليلة الماضية المديرة العامة لصندوق البيئة العالمي البرتغالية مونيكاباربوي، رفقة وزير السياحة والبيئة وتهيئة الإقليم الجزائري شريف رحماني، لمعاينة مكان إنجاز هذه القرية السياحية التي تبلغ مساحتها الإجمالية 300 هكتار سترفق بإنجاز منطقة محمية لغرس 100 صنف محلي من أشجار النخيل والنباتات تم إنجاز منها 5 هكتارات و5 أخرى ستنجز في الأيام المقبلة بهدف الحفاظ على الثروة النباتية الصحراوية والثروة الحيوانية. وإلى جانب هذا المشروع الدولي المهم، هناك مشاريع أخرى لترميم القصور القديمة والمعالم الأثرية لإعادة الاعتبار إليها وحمايتها من الاندثار جراء العوامل الطبيعية.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)