خلّف انزلاق التربة الذي ضرب بلدية إليلتان، الواقعة على بعد 80 كلم جنوب شرق مدينة تيزي وزو، هلعا شديدا في نفوس السكان بسبب ضخامة الكارثة الطبيعية وانزلاق التربة من أعالي جبل أزرو نطهور الذي وصل إلى غاية قريتي آيث عيسى أويحيى وأزرو، وصولا إلى وسط البلدية، وتسببت هذه الكارثة برحيل 08 عائلة. واستنكر المواطنون تأخر تدخل السلطات رغم أن الكارثة هددت المنطقة بأكملها، حيث لم يجد السكان أية وسيلة لتجنب ما لا يحمد عقباه ببلديتهم إلا التضامن فيما بينهم بإمكانياتهم الخاصة. إستنكر سكان بلدية إليلتان موقف السلطات من ظاهرة انزلاق التربة التي شهدتها بلديتهم منذ 28 أفريل المنصرم، حيث لم يتدخل والي الولاية إلا بعد مرور 10 أيام، الذي انتقل إلى المنطقة لمعاينة الوضعية، بالرغم من إطلاق سكان المنطقة ورئيس البلدية نداء استغاثة.
السكان يصابون بصدمة
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما وصلنا إلى مدينة إليلتان، حيث كاد أن يخلو وسطها من حركة المواطنين· وعندما تقدمنا أكثر نحو مشارف مخرج البلدية، لاحظنا تجمعا من المواطنين الذين كانوا بصدد نزع الكميات الهائلة من التربة التي جرفتها سيول الأوحال التي كانت متجمعة على مستوى الطريق الولائي رقم ,253 وذلك بهدف إعادة فتحه مجددا أمام مستعمليه بعد مرور أسبوع على غلقه· ومباشرة لدى وصولنا إلى المكان، تقدم إلينا عدد من المواطنين، وكانت ملامح الخوف واليأس بادية على وجوهم بسبب ما خلفته الكارثة الطبيعية في نفوسهم، خاصة وأنه لم يسبق لهم وأن شهدوا مثلها من قبل. وقد التمسنا من حديثهم إلينا مدى خطورة الوضع والجحيم الحقيقي الذي شهدوه طيلة 10 أيام كاملة· وفي هذا الصدد، صرح سعيد، الذي ينحدر من قرية أيث عيسى أويحيى، وهي المنطقة التي صنفت ضمن الخانة الحمراء والمهددة الأولى من الكارثة الطبيعية، ''كنت نائما عندما سمعت دوي انفجار قوي، ظننت في بداية الأمر أنه صوت انفجار قنبلة أو قارورة غاز، لكن لم تمض إلا بضعة دقائق واكتشفت أن الأمر يتعلق بانفجار المياه التي كانت متجمعة بأعالي جبال جرجرة''· وفي السياق ذاته، أكد محند أن والده البالغ من العمر 70 سنة أصيب بمرض السكري بعدما ازداد ضغط دمه بسبب الخوف الذي خلفته ظاهرة انزلاق التربة، وكذا السيول الكبيرة من الأوحال التي وصلت إلى مشارف أبواب المنزل، الوضع الذي استدعى نقله إلى مستشفى إفرحونان على جناح السرعة. هذا، وذهب آخرون إلى وصف المعاناة التي تكبدوها جراء الكارثة الطبيعة بتلك التي عاشوها في شهر فيفري المنصرم بعدما عزلت الثلوج المتساقطة التي تجاوز سمكها 3 أمتار منطقتهم عن العالم الخارجي لمدة قاربت الشهر، حيث لم يجدوا -حسبهم - سبيلا آخر لتجنب وقوع أي كارثة خاصة في ظل تجاهل السلطات لانشغالاتهم، إلا التضامن فيما بينهم.
إنزلاق التربة يضرب على مسافة 4 كيلومترات ويهدد قرى بأكملها
وبغية الوقوف على مدى خطر الكارثة الطبيعية، غادرنا وسط بلدية إليلتان واتجهنا نحو قرية أيت عطالة التي تبعد بحوالي 5 كم عن مقر البلدية، حيث كان الوصول إليها جد صعب نظرا لضيق واهتراء المسلك المؤدي إليها· واختيارنا لهذه الوجهة يعود أساسا إلى موقعها الاستراتيجي المقابل لجبل ''أزرو نطهور'' مكان بداية ظاهرة انزلاق التربة· ولدى وصولنا إليها وبالضبط في المكان المسمى ''مقام سيدي الباشير''، وجدنا العشرات من المواطنين الذين قدِموا من مختلف مناطق تيزي وزو، لاكتشاف هذه الكارثة لأول مرة، حيث كان منظرها جد مخيف ويثير في النفوس نوعا من القلق لغموض أسباب وقوعها، خاصة وأن التحركات غير العادية للأرض لاتزال متواصلة، ما يجعل أمر تجددها ممكن في أية لحظة، إذ أن الوقوف أمام حقيقة الأمر يعكس خطورة ظاهرة انزلاق التربة التي شملت مسافة قدر طولها بأزيد من 4 كليومترات بداية من جبل أزرو نطهور ووصولا إلى وسط بلدية إليلتان، حيث أتى زحفها القوي على مساحات كبيرة من الغطاء النباتي، وكذا الأشجار المثمرة والمحاصيل الزراعية المتواجدة على ضفة الوادي.
وعن أسباب انزلاق التربة في هذه المنطقة، أكد رئيس المجلس الشعبي لبلدية إليلتان، حسب التقرير الأولي الذي قدمته الفرقة التقنية التي تنقلت إلى موقع الكارثة، أنها تعود إلى الكميات الهائلة من الثلوج المتساقطة بالمنطقة في شهر فيفري الماضي، حيث تراوح سمكها بين 3 و5 أمتار، إضافة إلى المياه الغزيرة التي تساقطت بالمنطقة وتجمعت في قاع الأرض قبل أن تنفجر وتحدث انزلاقا في التربة وتحوّلت إلى سيلان من المياه والأوحال شكلت خطرا حقيقيا يهدد قرى بأكملها.
80 عائلة تواجه مصيرا مجهولا ببلدية إليلتان
تواجه 80 عائلة ببلدية إليلتان، المنحدرة من قريتي أيث عيسى أويحيى وقرية أزروا، التي قامت السلطات البلدية بترحيلها إلى المناطق الأخرى المجاورة بعدما أضحت منازلها مهددة بالانهيار، مصيرا مجهولا لعدم وجود حلول ناجعة لدى المسؤولين المحليين لتسوية وضعيتها وإعادة إسكانها من جديد في سكنات لائقة في الوقت الراهن· كما أن عملية إيوائها في المؤسسات التربوية، وبصفة مؤقتة، أضحى غير ممكن كون هذه المرافق أصبحت هي الأخرى مهددة بالإنهيار بعدما اتسع نطاق انزلاق التربة نحوها. وما زاد من حيرة هذه العائلات، هو القرار الذي اتخذته السلطات البلدية التي رفضت من خلاله عودة هذه العائلات إلى سكناتها الأصلية خوفا من تجدد الكارثة مستقبلا.
والي تيزي وزو يتنقل إلى إليلتان بعد مرور 10 أيام على الكارثة ويطمئن السكان
تزامن وجودنا ببلدية إليلتان مع الزيارة التي قادها والي الولاية عبد القادر بوازغي، إلى البلدية، وهي الزيارة وإن اعتبرها السكان المحليون جاءت جد متأخرة، إلا أن الوالي وبعد وقوفه على المواقع المتضررة بفعل انجراف التربة، استطاع احتواء غضب السكان الذين نددوا في بداية الأمر بسياسة الإقصاء الممارسة ضدهم من السلطات الولائية، حيث وعدهم بتخصيص برنامج تنموي استعجالي لمنطقتهم، على غرار إعطاء ترخيص لهدم مدرسة ابتدائية قديمة بالمنطقة واستغلال أرضيتها لإنجاز سكنات اجتماعية بهدف إعادة إسكان العائلات المتضررة من الكارثة، بالإضافة إلى مشروع آخر من شأنه أن يساهم في ربط البلدية بالغاز الطبيعي··· وغيرها من المشاريع الأخرى التي ستلعب دورا هاما في إخراج البلدية من دائرة العزلة والتهميش التي طالتها لسنين عدة.
-
أيت عودية محند (عضو خلية الأزمة ببلدية إليلتان): عشنا جحيما حقيقيا وعدم معرفتنا للكارثة زاد الأمر تعقيدا
Gكد أيت عودية محند، عضو في خلية الأزمة التي تم تنصيبها ببلدية إليلتان بعد اليوم الأول من انزلاق التربة، أن سكان المنطقة عاشت جحيما حقيقيا على مدار 10 أيام كاملة، مشيرا إلى أن خطورة الوضع استدعى منا التنقل إلى مكان وقوع الانفجار الأول للتربة المتواجد بالقرب من المكان المسمى أزرو نطهور، ''عندما وقفنا على حقيقة الأمر تبين لنا أن هناك فعلا خطرا يهدد القرى المتواجدة في أسفل الجبل، وأننا نقف أمام شيء كنا نجهله في وقت سابق''، وأضاف إن السكان عقدوا اجتماعا طارئا في اليوم الموالي للنظر في المشكل، وكذا متابعة تطور الأوضاع، حيث قرروا تنصيب خلية أزمة تتكون من 40 عضوا، عقدت اجتماعها الاول يوم 30 أفريل وتم فيه ترسيم 3 لجان انبثقت عن الخلية، الأولى تتعلق بلجنة المشاورات، والثانية خاصة باللجنة التقنية، أما الثالثة فتتعلق بلجنة الأشغال، حيث تم تقسيم المهام بينها لمتابعة عن قرب تطورات الوضع وتحديد درجة خطورة الكارثة، كما تكفلت كذلك بمهمة إخطار كل السلطات الولائية بالكارثة الطبيعية، بما فيها مديريتي الري والأشغال العمومية ومسؤولي دائرة إفرحونان، و''هي الجهات التي تنقلت إلى عين المكان وأحصت أن هناك فعلا خطرا يهدد منازل سكان المنطقة بالزوال، خصوصا في ظل سرعة تقدم انزلاق التربة واتساع نطاقه من لحظة إلى أخرى''· ولتفادي وقوع أي كارثة مادية كانت أو بشرية، قامت -حسبه- خلية الأزمة بالتعاون مع السلطات البلدية بترحيل 80 عائلة القاطنة بقريتي أيث عيسى أويحيى وأزروا، حيث تم تحويلها إلى المناطق المجاورة البعيدة عن الخطر، الأمر الذي خلف حالة من الذعر والخوف لدى السكان الذين أدركوا، بهذا القرار، خطورة الوضع، وتسبب ذلك بتسجيل عدة حالات من الإغماءات، منهم من تعرّض إلى ضغط الدم الحاد، الأمر الذي تطلب نقلهم إلى الوحدة الاستشفائية المتواجدة بمقر الدائرة.
وفي ظل غياب الحلول الناجعة لدى السلطات البلدية التي أكدت عجزها عن احتواء الوضع، أكد محدثنا أن خلية الأزمة فرضت حراسة ومداومة ليلية في عدة مواقع شملها انجراف التربة، بالتنسيق مع اللجان الثلاثة لتجنب وقوع أي نتائج قد تعود بالسلب على السكان، ''الحمد لله اليوم وبفعل تضامن السكان فيما بينهم تجاوزنا الوضع دون تسجيل خسائر بشرية، إلا أن الخطر لا يزال قائما''.
وفي الأخير، ندد أيت عودية محند بما صدر من بعض السلطات التي بالرغم من النداءات الموجهة إليها، إلا أنها لم تحرك ساكنا.
-
أيت عمران ماسينيسا (عضو بلجنة قرية أزروا ورئيس جمعية حماية البيئة): السلطات تخلت عن مهامها
إلى حد الساعة لم تقم السلطات العمومية بواجبها كما ينبغي خصوصا ما تعلق بقضية ترحيل العائلات التي تضررت سكناتها بفعل الكارثة الطبيعية التي سجلت بالبلدية، مؤخرا، حيث أن أزيد من 80 عائلة تم إيواؤها بالاعتماد على الإمكانيات الخاصة للمواطنين، كما أن ردة فعل السلطات الولائية كانت متأخرة وبطيئة مقارنة بخطورة الوضع، فخلية الأزمة تم تنصيبها من طرف سكان المنطقة، وتم تخصيص أيضا فرق طبية وأخصائيين نفسانيين لاحتواء حالات الهلع والخوف التي يعيشها مواطنو البلدية· من وجهة نظري، أرى أن السلطات الولائية تخلت عن مهامها وواجبها إزاء السكان، ما عدا مصالح الحماية المدنية التي رغم نقص تعدادها إلا أنها استطاعت، وبالتعاون مع السكان، تم إنقاذ ما يمكن إنقاذه باستعمال الإمكانيات المتوفرة على المستوى المحلي، وخير دليل على ذلك أن زيارة الوالي والوفد المرافق له جاءت بعد مرور 10 أيام على وقوع الكارثة، في حين أن في هذه المدة يمكن لانجراف التربة أن تغرق المنطقة بأكملها دون أن يسمع بها أحد، وما نطالب به ليس حلولا عاجلة للقضاء على الكارثة بحكم أن انجراف التربة تتحكم فيه عوامل طبيعية محضة، وإنما نطالب بدراسة تقنية خاصة وجدية يشرف عليها أخصائيون لتحديد أسباب انزلاق التربة، وهو الشي الذي سيسمح لهم بطرح الحلول اللازمة إن كانت متوفرة وممكنة، أو اللجوء إلى حل آخر وهو ترحيل العائلات إلى سكنات أخرى لائقة كون الخطر لا يزال قائما، كما لا يجب على المسؤولين التقليل من شأن الكارثة وخطورتها، وعليها تحمّل مسؤولياتها كاملة في هذه الظروف لتفادي وقوع ما لا يحمد عقباه مستقبلا''.
-
عزوق محند أورمضان (رئيس بلدية إليلتان) ل ''الجزائر نيوز'':
أكد عزوق محند أورمضان، رئيس بلدية إليلتان، أن الحركة التضامنية التي أبداها سكان المنطقة فيما بينهم جنّبت المنطقة كارثة حقيقية، خصوصا وأن تدخل السلطات الولائية كان متأخرا، حسبه· كما تحدث المسؤول ذاته عن الوضع التنموي المزري الذي تشهده البلدية التي تعد من أفقر بلديات تيزي وزو·
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/05/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سمير لكريب
المصدر : www.djazairnews.info